لم يخفي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حلم عودة الدولة العثمانية من خلال استثمار الربيع العربي لصالحه، ويبدو أن الأوهام قد راودت أيضا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعودة الإتحاد السوفياتي من خلال احتلال أوكرانيا أولا.
بالنسبة للمشروع التركي من الواضح أنه سقط كليا، وهدف أردوغان المتبقي حاليا هو الدفاع عن منصبه في الانتخابات القادمة التي قد يواجه فيها هزيمة نكراء من المعارضة المدعومة من الشعب الغاضب بسبب سياساته الداخلية والخارجية في السنوات الأخيرة وبالضبط منذ محاولة الإنقلاب التي زادت من تمسكه بالسلطة.
كان أردوغان يراهن على صعود الإخوان في سوريا ومصر ولبنان والعراق وفلسطين والجزائر وتونس والمغرب وتحطيم هؤلاء للدولة العميقة الموجودة في كل واحدة منها والسيطرة على كافة مفاصل السلطة، وفي النهاية الإعلان عن الإنضمام إلى الدولة التركية الكبرى والتي تكون عاصمتها إسطنبول وبقية الدول مجرد ولايات وأقاليم.
وقد فهمت الدول العميقة ورجال الدولة في عدد من هذه الدول الخطة، وجاءت الثورات المضادة لتسقط المشروع في سوريا ومصر ويتلقى ضربة قاتلة في تونس، فيما لم يتمكن الإخوان من تحقيق أي مكاسب تذكر في المغرب أو الأردن.
أصبحت تركيا عدوة في فترة من الفترات لدول الخليج العربي بقيادة السعودية لأن الثورات لم تصل إلى هذه الدول ولم تتبع دول الخليج كثيرا الفكر الإخواني وان كانت قطر من أكبر داعميه.
وهكذا واجهت أنقرة حربا من خصوم كثيرين على الساحة، بداية من دمشق إلى القاهرة نحو أبوظبي إلى الرياض وسقطت سياسة صفر مشاكل التي اتبعتها تركيا في زمن الصعود السريع لها أيام أردوغان العقلاني والمنطقي.
ومؤخرا يبدو أنه قبل بالواقع، وقرر أن يستعيد العلاقات الجيدة مع دول الخليج وإسرائيل ومصر ويبحث عن تسوية مع النظام السوري ليتخلص من اللاجئين والمقيمين لديه ويعيدهم إلى بلادهم في أقرب وقت ويحقق مكسبا مهما يطالب به الشعب التركي الذي يرى أن جزءا من مشكلاته الاقتصادية تعود إلى السياسات الخارجية التي دعمت المعارضة السورية وسمحت بتدفق اللاجئين واستخدمتهم كورقة ضغط لصالحها.
واليوم يمكننا القول أن حلم أردوغان بإنشاء الدولة العثمانية قد انتهى، ربما يكون لديه حلم جديد وهو توحيد الدول التركية حيث يركز على التقارب مع أذربيجان وكازاخستان وازباكستان وقيرغيزستان وتركمانستان، لكن هذا يجعله في مواجهة مباشرة مع روسيا بشكل رئيسي والصين بدرجة أقل.
على الجهة الأخرى وغير بعيد عن تركيا وهذه الدول، تبدو روسيا على الخريطة أكبر دولة في العالم، وهي التي اختارت الرأسمالية والإنفتاح بعد سقوط الإتحاد السوفياتي واستفادت من ثورة النفط والغاز لكنها ظلت دولة معتمدة على استخراج تلك المواد من باطن الأرض وبيعها وهي دولة فلاحية أيضا لكنها ليست قوة عالمية في الاقتصاد.
إلا أن موسكو تعتبر نفسها قوة عالمية وبامتلاكها النووي فهي ضمن الثلاث الكبار في العالم، وقد تدخلت في سوريا بطلب من النظام السوري الحليف لها وحفاظا على مصالحها، حيث صعود الإخوان سيؤدي إلى قيام نظام حليف لتركيا يوافق على مشروع الغاز القطري التركي الذي سيقتل امدادات الغاز الروسية إلى أوروبا ويخنق موسكو اقتصاديا، وقد نجحت روسيا وحلفاءها في استئصال المشروع وضرب واحد من أهم أعمدة حلم أردوغان التوسعي.
وما أن تيقنت أن الأمور لصالحها في سوريا حتى دخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مغامرة عسكرية غير محسوبة العواقب، بمبررات غير مقنعة للعقلاء والتي استمالت سريعا خصوم الولايات المتحدة الامريكية ولعبت على وتر حساس لهم وهو عودة الإتحاد السوفياتي.
واليوم بعد مرور أشهر طويلة من الحرب في أوكرانيا تبدو روسيا غارقة في وحل غرق فيه من قبل الإتحاد السوفياتي وخرج منه محطما، والخسائر هذه المرة أكبر من خسائر روسيا في أفغانستان، لقد خسرت أكثر من 60 ألف جندي إضافة إلى السوق الأوروبية التي دافعت عن احتكارها من خلال افشال مشروع أنبوب الغاز التركي القطري في سوريا.
وبغض النظر عن الطريقة التي يمكن أن تنتهي بها الحرب الروسية الأوكرانية فقد خسرت موسكو ما كافحت من أجله في سوريا، لقد خسرت السوق الأوروبية وتركتها لمنافسيها أمثال قطر والولايات المتحدة الأمريكية وأصبحت معزولة عن محيطها.
لن يتمكن بوتين من احتلال أوكرانيا ولا استرجاع الدول التي حصلت على استقلالها رسميا من الإتحاد السوفياتي، وسيكون على موسكو أن تتقبل هذا الواقع المر وتتعايش معه.
إقرأ أيضا:
روسيا وراء تفجير خط غاز نورد ستريم لهذا السبب
حجم ديون تركيا الحقيقي وفقاعة النمو الإقتصادي
هل تعوض الصين خسائر روسيا من حظر الغاز الروسي في أوروبا؟
خفايا قرار التعبئة في روسيا وخطة بوتين لاستخدام النووي
هروب الروس من روسيا وارتفاع أسعار التذاكر إلى 49000 دولار
هل تستعمل روسيا السلاح النووي وماذا سيحدث بعد ذلك؟