الوصول إلى صفر تضخم وغلاء الأسعار ليس جيدا للإقتصاد كما أنه يكشف عن مشكلة خطيرة في النظام المالي القائم على الفائدة.
ويعد التضخم العامل الأهم والأول بالنسبة للبنوك المركزية في تحديد سياساتها النقدية، وبناء على ارتفاعه يتم الرفع من سعر الفائدة، وانخفاضه يدفعها إلى خفض الفائدة.
التضخم العالمي
في عام 2022، شهد جزء كبير من العالم فترة من التضخم المرتفع بشكل غير عادي، حيث بلغت ذروتها في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو حوالي 10٪.
وهذا يعني أن الأسعار، في المتوسط، كانت أعلى بنسبة 10٪ عن العام السابق، ورغم أن هذا الارتفاع في الأسعار قد تراجع منذ ذلك الحين، إلا أن التضخم يظل مصدر قلق مستمر.
ولسوء الحظ، فإن هذا الاعتدال لا يعني أن الأسعار قد انخفضت بل يعني ببساطة أنها لا ترتفع بالسرعة نفسها، الأمر الذي لا يزال يشكل تحديات كبيرة للمستهلكين والشركات والحكومات.
منذ ذلك الوقت نجحت البنوك المركزية بقيادة الفيدرالي الأمريكي في السيطرة على التضخم وخفضه بنسب مهمة من خلال رفع أسعار الفائدة.
هل فكرة التضخم الصفري جيدة؟
ارتفاع التضخم يخلق بيئة مرهقة، يواجه المستهلكون تكاليف أعلى للسلع اليومية، وتكافح الشركات مع زيادة النفقات، وتتدافع الحكومات لتنفيذ سياسات لتحقيق استقرار الاقتصاد.
وعلى الرغم من التأثير السلبي لارتفاع الأسعار، هناك رسالة متكررة في المناقشات الاقتصادية: التضخم البسيط أمر جيد، لكن لماذا؟
قد تبدو فكرة التضخم الصفري جذابة للوهلة الأولى، وإذا كانت الأسعار المرتفعة تلحق الضرر بالجميع، فلماذا لا نستهدف عدم التضخم على الإطلاق؟
السبب الأول وراء عدم إمكانية تحقيق صفر تضخم هو أن الحكومات والبنوك المركزية تسعى بنشاط إلى تحقيق ما يسمى “هدف التضخم”.
وتهدف معظم البنوك المركزية، بما في ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إلى معدل تضخم يبلغ حوالي 2٪.
هذا الهدف تعسفي إلى حد ما ولكنه يعتبر الأمثل للحفاظ على اقتصاد مستقر، والهدف هو خلق “حلقة حميدة” حيث يشجع ارتفاع الأسعار على الإنفاق والاستثمار، وهو ما يؤدي بدوره إلى دفع النمو الاقتصادي.
أهمية التضخم في الاقتصاد الحديث
عندما ترتفع الأسعار بشكل عام، يتوقع الناس أن تستمر في الارتفاع، مما يدفعهم إلى إنفاق المزيد الآن لتجنب ارتفاع التكاليف لاحقًا.
ويؤدي هذا الإنفاق المتزايد إلى تعزيز إيرادات الشركات، مما يؤدي إلى المزيد من التوظيف وارتفاع الأجور، ومع ارتفاع الأجور، يستطيع الناس تحمل الأسعار المرتفعة، مما يؤدي إلى إدامة الدورة، ومع ذلك، فإن هذه الدورة لا تنجح إلا إذا واكبت الأجور التضخم وهو ما لم يكن الحال دائمًا.
وفي الولايات المتحدة، تخلف نمو الأجور عن التضخم لمدة عامين، مما فرض ضغوطا مالية على العمال.
ومع ذلك، ابتداء من منتصف عام 2023، بدأ نمو الأجور، وخاصة عند مستويات الدخل المنخفضة، في تجاوز معدل التضخم.
ورغم أن هذا يعد تطورا إيجابيا، إلا أن مستويات الأجور الإجمالية لا تزال منخفضة، مما يشير إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من التقدم.
خطورة الإنكماش الإقتصادي
وفي حين يشكل التضخم المرتفع تحديات، فإن الانكماش ــ انخفاض الأسعار ــ يمكن أن يكون أكثر إشكالية.
ومن الممكن أن يؤدي الانكماش إلى “دوامة انكماشية”، حيث يؤدي انخفاض الأسعار إلى قيام المستهلكين بتأخير عمليات الشراء، متوقعين انخفاض الأسعار في المستقبل.
وهذا الانخفاض في الإنفاق يضر بالشركات، مما يؤدي إلى تسريح العمال ومزيد من التدهور الاقتصادي.
ومن الصعب مكافحة الانكماش لأن الأدوات التقليدية مثل خفض أسعار الفائدة تكون ذات فعالية محدودة عندما تكون أسعار الفائدة قريبة بالفعل من الصفر.
السياق التاريخي ودور أهداف التضخم
إن فترات الانكماش الحقيقي نادرة ولكنها ذات أهمية تاريخية، كان الكساد الكبير جزئياً نتيجة لدوامة انكماشية، ولم يخفف منها إلا الإنفاق الحكومي الضخم خلال الحرب العالمية الثانية.
لقد عانت اليابان من الانكماش المزمن لعقود من الزمن، ولم تشهد سوى انتعاشاً بسبب ارتفاع التضخم العالمي مؤخراً.
ولمنع الانكماش، تهدف البنوك المركزية إلى تحقيق معدل تضخم منخفض ولكن إيجابي، وتساعد هذه الوسادة على تجنب خطر الانزلاق إلى الانكماش، مما يوفر الاستقرار في الاقتصاد الكلي.
إن التقلبات المستمرة في معدلات التضخم، والتي تتأثر بقرارات الملايين من المستهلكين والشركات، تجعل من الضروري الحفاظ على هذا التوازن الدقيق.
إقرأ أيضا:
شرط أساسي كي يقضي تعويم الجنيه المصري على التضخم
حاسبة التضخم: كيف أحسب تكلفة ارتفاع الأسعار في بلدي؟
أسباب التضخم في الدول النامية العربية مثل مصر
متى ينتهي التضخم العالمي وتتراجع الأسعار مجددا؟
ما هي علاوة التضخم في مجال الإستثمار؟
أفضل استثمار في مصر بعد تعويم الجنيه المصري