
جاء التقارب التركي الإماراتي بمثابة أحدث صدمة لمتتبعي السياسة في الشرق الأوسط، لكنه أمر عادي بالنسبة لمن يفهم أن المصالح والإقتصاد أهم من الشعارات السياسية في العلاقات الدولية منذ الأزل.
قبل أيام استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مُستشار الأمن القومي الإماراتي، وجاءت هذه الزيارة بعد إشارات إيجابية من تركيا لعل أبرزها أنها فرضت على جماعة الإخوان لديها تجنب التهجم على مصر.
وقد بعث أردوغان بكل هذه الرسائل الإيجابية في وقت تقترب فيه الإنتخابات الرئاسية ببلاده، وقد يخسرها هذه المرة بعد أن خسر حزبه في الانتخابات السابقة إسطنبول وعدد من المدن المهمة.
الإقتصاد التركي يعاني وهذا ليس في صالح أردوغان:
تتعرض الليرة التركية لهبوط حاد منذ أغسطس 2018، وهذا ما أثر سلبا على مدخرات الأتراك التي فقدت أكثر من نصف قيمتها، هذا إلى جانب ارتفاع التضخم بشكل متسارع وارتفاع الفقر وتراجع القوة الشرائية لدى المواطنين الأتراك.
وتأتي هذه الضربات في وقت تتدخل فيه تركيا بالشأن السوري والعراقي والليبي والمصري والخليجي ولديها نزاعات متزايدة مع اليونان وفرنسا في الإتحاد الأوروبي.
تحولت تركيا إلى واحدة من أهم بلدان المنطقة التي تعاني من زحف اللاجئين إليها، وقد أغضب ذلك الشعب التركي الذي يعبر بشكل متزايد عن استيائه من سيطرة السوريين واللاجئين العرب على الوظائف والأعمال التجارية.
وخلال السنوات الأخيرة استخدمت كل من السعودية والإمارات ورقة الإستثمارات ضد أنقرة ورأينا حملات مقاطعة اثرت سلبا على السياحة إلى هذه الدولة التي فقدت السائح الخليجي.
تحول أردوغان من رجل صنع نهضة تركيا إلى رجل مدمر للمكتسبات التي حققها من قبل، حتى محاولة الإنقلاب عليه والتي اتهم فيها الإمارات أصبح اليوم مشكوكا في تلك الرواية، لكن استفاد منها باعتقال الكثير من الضباط والمعارضين الذين يشكلون خطرا على حكمه.
ضرورة عودة تركيا إلى صفر مشاكل:
يبدو أن الفترة القادمة ستكون مختلفة على مستوى السياسة الخارجية التركية، حيث ستسعى تركيا نحو لعب دور إيجابي في المنطقة وتفادي الإصطدام مع القوى الإقليمية الأخرى في المنطقة.
من شأن هذا أن يزيد من صادرات تركيا إلى السعودية والإمارات ودول الخليج والمنطقة ما ينعش الصناعة التركية ويعوض الوظائف المفقودة.
ومع تسريع عمليات التلقيح في تركيا، تأمل أنقرة في أن يعود العالم إلى ما قبل 2020، لتتمكن من انعاش السياحة واستقبال الملايين من السياح على مدار السنة.
ويعد الصلح مع الإمارات والسعودية مهما بالنسبة لتركيا التي تستقطب من قبل الملايين من السياح من البلدين، وهم من السياح الذين ينفقون الكثير من المال على الخدمات.
وبما أن المنطقة مقبلة على تسويات سياسية مهمة، يمكن أن تلعب الإمارات دور الوسيط بين دمشق وانقرة لتسوية خلافاتهما والتمهيد لعودة اللاجئين إلى بلدهم.
سر التقارب التركي السعودي:
تعد السعودية سوقا مهمة للمنتجات السعودية وقد أصبحت صعبة على السلع من تركيا في السنوات الأخيرة بسبب زيادة الرسوم عليها أو حتى مقاطعتها من التجار الكبار.
مع تحقيق التقارب التركي السعودي ترغب تركيا في زيادة صادراتها إلى هذا البلد وتعويض الخسائر التي منيت بها بسبب حملات المقاطعة.
كما أن السياح السعوديين يفضلون تركيا من بين العديد من الدول التي يمكن السفر إليها، لذا فإن هذا التقارب سيضمن انعاش السياحة بين البلدين.
في المقابل ما الذي ستكسبه السعودية والإمارات؟
مكاسب السعودية والإمارات ستكون مالية من الإستثمارات في هذا البلد، لكن المكاسب السياسية أكبر، حيث ستتراجع تركيا عن دعم جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المشابهة لها والتي تهدد الأمن القومي للبلدان العربية.
بينما تحذر السعودية من النفوذ الإيراني في المنطقة، تنظر الإمارات إلى أن الإخوان والتنظيمات المشابهة لها هي التهديد الأساسي وهي أدوات في يد تركيا التي تستخدمها لهدم البلدان العربية والتقدم فيها.
ومن جهة أخرى فاحتواء تركيا وكسبها هو أمر مهم للمنطقة التي تتعارض فيها مصالح الدول، وسيؤسس ذلك لتسوية شاملة تشمل إسرائيل ولبنان وسوريا وفلسطين ومصر والأردن.
مع الإنسحاب الأمريكي من المنطقة، تريد الإمارات والسعودية أن يعم السلام المنطقة، وأن لا يكون انسحاب قوات واشنطن فرصة للفوضى وعودة داعش وأخواتها.
إقرأ أيضا:
أزمة حرائق تركيا كشفت أنها دولة فقاعة
أسباب اقبال العرب على شراء العقارات في تركيا
جفاف نهر الفرات ودجلة يكشف خبث تركيا
اقتصاد تركيا 2021: حان وقت العودة إلى سياسة صفر مشاكل