إن الحقيقة الواضحة التي يمكن إثباتها في الوقت الذي تُكتَب فيه هذه الكلمات هي أن شعب العراق كان أفضل حالاً تحت حكم المستبد صدام، وشعب ليبيا تحت حكم المجنون القذافي، والآن أيضاً شعب سوريا تحت حكم آل الأسد.
وفي سوريا ظهرت تقارير عن ذبح عائلات بأكملها في منازلها، فضلاً عن ذبح مئات الشباب وغير الشباب في الشوارع، وهذا في نفس الوقت الذي يتم فيه رفع العقوبات في الدول الغربية في خدمة التطبيع الثابت ولكن المؤكد للعلاقات مع النظام البربري الجديد في البلاد.
لقد انخرطت فرق الموت الشيشانية والأوزبكية والصينية الأويغورية التي أُرسِلَت إلى الساحل السوري الذي يسكنه العلويون في اللاذقية في شمال شرق سوريا رداً على انتفاضة قصيرة هناك ضد حكم أحمد الشرع، في مذبحة جماعية في الأيام الأخيرة، بلغت ذروتها بمقتل أكثر من ألف رجل وامرأة وطفل.
إن الشرع، المعروف أيضاً باسم الجولاني، شخصية سيئة السمعة، فهو زعيم العديد من الجماعات الإرهابية السلفية الجهادية في عصره، ومن بينها جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام التي أصبحت لاحقاً تجسيداً لها.
ورغم أنه ربما استبدل مظهره ببدلة رسمية منذ اقتحمت قواته أبواب العاصمة السورية في ديسمبر، فمن الواضح أنه لم ينته من ميله إلى القتل.
والنتيجة هي أن الأقليات في سوريا تجد نفسها الآن رهينة للجولاني في كل شيء باستثناء الاسم بينما ينظر الغرب بلامبالاة معتادة عندما يتعلق الأمر بمسألة القتل على يد نظام يمكنه التعامل معه.
إن تصوير المتعصبين الذين يتسمون بعقلية القرون الوسطى والذين يتولون السلطة الآن في سوريا باعتبارهم “متمردين” في وسائل الإعلام الغربية عندما كانوا في معارضة الأسد كان ولا يزال دليلاً قاطعاً على أنه لم يتم تعلم أي درس من تجارب سابقة.
ولم يتعلم أحد من العواقب التي أعقبت الإطاحة بمحمد نجيب الله في كابول في عام 1996، أو من الإطاحة بصدام في العراق في عام 2003، أو من الإطاحة بالقذافي في ليبيا في عام 2011.
وفي كل حالة، لم تكن النتيجة إنشاء ديمقراطية ليبرالية تدعمها سيادة القانون، بل كانت النتيجة في كل حالة الفوضى والدمار الذي أحدثه العازمين على القتل الجماعي باسم تقديم منحرف للإسلام.
وعلى كل حال فإن مقتل أكثر من 1000 شخص في ساعات قليلة يثبت مرة أخرى الميول الدموية لهذه الجماعات الإسلامية التي تحركها فتاوى ابن تيمية في العلويين والدروز والطوائف الأخرى.
يشعر العلويين حاليا بعدم الأمان بل طالبوا روسيا بالتدخل لحمايتهم، في الوقت ذاتها يأمل الأكراد في الحماية الأمريكية من البطش التركي السوري.
أما الدروز فقد حصلوا على عرض إسرائيل بالعمل هناك والإنضمام إليهم وهو عرض مغري خصوصا كما خصصت مليار دولار لتوظيفهم وتوفير فرص العمل لهم، ويعد الدروز مواطنين مسالمين في إسرائيل وجزء كبير من الجيش الإسرائيلي وليس لديهم عداوة مع اليهود.
فابريس بالانش، الباحث البارز وأستاذ مشارك في جامعة ليون 2، يرى في تقرير أصدره معهد واشنطن أن النظام الفيدرالي قد يكون الخيار الأمثل، بل وربما الضروري، لإعادة توحيد سوريا المنهكة وإصلاحها.
لكن الشرع، الرئيس الانتقالي لسوريا، يتطلع الآن إلى بناء نظام مركزي قوي يعتمد على تأييد الجماهير، رافضًا فكرة الفيدرالية التي قد تمنح المناطق حكمًا ذاتيًا.
ويحذر بالانش من أن الشرع، إذا أصر على مركزية السلطة، قد يعيد إنتاج أخطاء الأسد، مشيرًا إلى أن اللامركزية الحقيقية قد تكون مفتاح النجاة، حتى لو أثارت تحديات معقدة حول توزيع الثروات والموارد.
في بلد مثل سوريا، حيث تتعدد الهويات الدينية والعرقية من العلويين في الساحل إلى الأكراد في الشمال الشرقي، والسنة في الوسط، والدروز في الجنوب تبدو الفيدرالية خيارًا منطقيًا لإدارة التنوع.
سوريا ليست دولة متجانسة وهذه هي الحقيقة، الأكراد، الذين شكلوا إدارة ذاتية في الشمال الشرقي خلال سنوات الحرب، يطالبون منذ زمن بحقوق ثقافية وسياسية، وهم ينظرون إلى الفيدرالية كضمان لبقائهم.
في المقابل، العلويون، الذين يخشون الانتقام بعد عقود من هيمنتهم على السلطة تحت الأسد، قد يجدون في النظام الفيدرالي ملاذًا آمنًا يحمي مناطقهم الساحلية.
حتى المناطق السنية المدمرة، مثل حلب وحمص، يمكن أن تستفيد من اللامركزية لإعادة بناء اقتصاداتها المحلية دون انتظار قرارات بطيئة من دمشق، هذا النموذج، إذا نجح، قد يحول سوريا من دولة متصدعة إلى اتحاد قائم على التعاون.
لكن الإدارة السورية الجديدة أعلنتها صراحة وهي رفض هذا المقترح الغربي الأمريكي الذي تعمل به دول غربية عديدة وعلى رأسها الولايات المتحدة وألمانيا وكندا والهند، وتعد الإمارات الدولة الأقرب لتطبيق هذا النظام كما يتجه إليه المغرب بوضوح في الجهوية المتقدمة.
إذا بقيت دمشق مصرة على موقفها الرجعي سيكون التقسيم هو الحل، إذ لدى الأكراد والدروز فرصة ذهبية للإنفصال عن سوريا، كما أن العلويون يمكنهم الحصول على المساعدة من روسيا التي ستفضل ذلك للحفاظ على قواعدها العسكرية بالساحل السوري.