في الصيف الماضي ضجت الشبكات الاجتماعية في المغرب بحملات المطالبة بمنع زراعة الطماطم والبطيخ والخضروات والفواكه المائية لأنها تستنزف الفرشة المائية، اليوم يتألم المغاربة بسبب ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه.
صحيح أن الفلاحون في المغرب وهذا القطاع لم يتفاعل مع تلك الحملات، حيث استمرت عمليات الزراعة، لكن أزمة المناخ والفيروسات التي أصابت المحاصيل، أدت إلى تراجع انتاج الطماطم وبقية الخضروات في المغرب لترتفع الأسعار بشكل صاروخي.
من جهة أخرى تعاني اسبانيا وإيطاليا وبقية دول شمال أفريقيا والقوى الفلاحية بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة الفلاحية أو حتى الجفاف وأزمات التغير المناخي، وهذا جعل الأسعار ترتفع في كل مكان بسبب نقص المعروض.
ارتفعت أسعار الطماطم في المغرب من 5 دراهم للكيلو إلى 15 درهما في أسوأ الأحوال، رغم انخفاض الإنتاج فقط من 800 ألف طن إلى 600 ألف طن، فما بالك لو نفذنا مقترح عباقرة فيسبوك ومنعنا زراعة الخضروات المائية ولجأنا إلى استيرادها من الخارج؟ أراهن أن المغرب سيدخل في مجاعة، وسيتسبب ذلك في فوضى بالأسواق الأوروبية والأفريقية.
يعد المغرب دولة مكتفية ذاتيا في انتاج معظم الخضروات والفواكه ولديه فائض سنوي يصدره إلى الأسواق الأفريقية والأوروبية والأسيوية ضمن التجارة العالمية.
ولمن لا يعلم فإن القطاع الفلاحي أيضا مكون في معظمه من الخواص والفلاحين الأفراد والشركات الصغيرة، وكل هؤلاء يبحثون عن الربح المادي وهذا جزء أساسي من التجارة لذا لا يمكنك أن تطلب منهم خفض الأسعار إذا تراجع الإنتاج وازدادت التكاليف وتراجع هامش ربحهم أو سيبيعون بخسارة.
إن مطالب الشعب المغربي بتراجع الأسعار لا شك أنها مشروعة، لكن الظروف الحالية لا تسمح بذلك، ربما تمنع المملكة تصدير بعض أصناف المنتجات الفلاحية المغربية لكن ذلك لن يسمح كثيرا بتراجع الأسعار.
اليوم في ظل الأزمة العالمية وارتفاع الأسمدة ومشاكل الإنتاج الفلاحي في دول أخرى مثل اسبانيا وإيطاليا ومشاكل العرض في الأسواق الأوروبية والافريقية والعالمية لا تسمح كثيرا بانخفاض الأسعار.
وتبقى الوسيلة المتبقية للمواطن هي تجنب شراء ما لا يحتاجه واتباع سياسة التقشف، فإذا اتجه غالبية الناس إلى ذلك قل الطلب على تلك المنتجات وتراجع ثمنها.
تعد اليوم صفعة ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه درسا لكل من يدعي العبقرية والفهم في آليات العرض والطلب بالقطاع الفلاحي المغربي، ويريد من الفلاحين والمؤسسات الزراعية إيقاف زراعة أصنافا أساسية من الخضروات لأنها تستنزف الفرشة المائية.
إذا فعلنا ذلك ومنعنا زراعة تلك الخضروات والفواكه بحجة استهلاك المياه، عوض الإستثمار في تحلية المياه وتقنيات الزراعة الصديقة للبيئة، سيعود المغرب كثيرا إلى الوراء وستحدث الكارثة.
يساهم القطاع الفلاحي في المغرب بنسبة 14% من الناتج المحلي الإجمالي ويرتبط معدل النمو في البلد بمعدل الإنتاج الفلاحي ارتباطا وثيقا ولا تزال الفلاحة أكبر مصدر لفرص العمل وهو يؤثر على معيشة نصف سكان المملكة ممن يعملون في قطاعات أخرى تعتمد على المنتجات الفلاحية.
والنتيجة ستكون واضحة، ارتفاعا صاروخيا في البطالة وافلاس الشركات الزراعية، ولجوء التجار إلى استيراد الخضروات والفواكه من الخارج وحينها عليك أن ترى الأسعار القاسية الحقيقية.
في مثل هذه الظروف الدولية القاسية حيث يعاني كبار المنتجين حول العالم، لن تقل أسعار الطماطم عن 50 درهم للكيلو، وسنرى أسعارا خيالية، إضافة إلى نقص كبير في السوق بالمعروض لم يرى المغاربة له مثيلا في التاريخ الحديث.
أكثر من ذلك سيزيد هذا الوضع سوءا، حيث سيكون هناك الطلب الكبير على الدولار واليورو وسيرتفع العجز التجاري واختلال الصادرات والواردات، وسيكون الأمن الغذائي المغربي خاضعا أكثر لظروف الأسواق الدولية والخارج.
إذا عانت اسبانيا وإيطاليا من حالة جفاف أطول مما حدث لهما في السنوات الأخيرة ولجأت احداهما أو كلاهما نحو منع تصدير منتجاتها الفلاحية خارج الإتحاد الأوروبي ستكون الكارثة بالنسبة للمغرب.
إقرأ أيضا:
أزمة ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه في كل دول العالم
أسباب ارتفاع أسعار الخضروات إلى مستويات خطيرة في المغرب
هل يتسبب شهر رمضان في زيادة التضخم والغلاء أكثر؟
روسيا ستعاني من الجوع بدون بطاطس مصر وخضرواتها
كيف ازدهرت الفلاحة في أوكرانيا وكيف تهددها روسيا؟
فرص وتحديات مشاريع الزراعة والفلاحة خلال 2023
إسرائيل ستجعل الفلاحة المغربية أعظم وصحراء المغرب خضراء
هل يتجه العالم إلى الهاوية أم أننا نعيش ثورة أزمات التغيير؟