لا يبدو أن أزمة تايوان التي اندلعت خلال أغسطس الجاري قد تنتهي قريبا، وربما تكون زيارة نانسي بيلوسي إلى الجزيرة الديمقراطية هي الشرارة الأولى لحرب في جنوب شرق آسيا.
منذ تلك الزيارة أجرى جيش التحرير الشعبي (PLA) أكثر من 100 عملية عبور بحري وجوي للخط الأوسط لمضيق تايوان بينما تعرضت المواقع الرسمية للجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي للقصف بالهجمات الإلكترونية، وكلاهما يُنظر إليه على أنهما الإجراءات الوقائية الممكنة قبل الهجوم العسكري.
بينما يواصل النقاد مناقشة مزايا وعيوب ودوافع زيارة بيلوسي المثيرة للجدل إلى تايبيه، ظل الرئيس الصيني شي جين بينغ صامتًا منذ أن حذر نظيره جو بايدن في مكالمة فيديو من أن “أولئك الذين يلعبون بالنار سيحترقون في النهاية” تايوان.
وكانت زيارة المسؤولة الأمريكية لتايوان مهينة لبكين التي هددت سابقا بالتعامل مع الزيارة بحزم، حتى أنه ذهبت التهديدات نحو سلامة ثالث أقوى شخصية في السلطة الأمريكية بعد الرئيس الأمريكي ونائبته.
على الرغم من هذا الصمت الصارم، من الصعب تخيل أن شي لا يقود سياسة الصين التصعيدية بشأن تايوان منذ زيارة بيلوسي.
لقد قال باستمرار إن “إعادة التوحيد الوطني” لتايوان مع البر الرئيسي هو أمر أساسي لمهمته من أجل “التجديد الوطني” وهو هدف لاستعادة مكانة الصين كقوة عظمى بحلول عام 2049، كما أنه يلعب دورًا رائدًا في ايديولوجية “فكر شي جين بينغ”، وهو الآن إنجيل فعال في بكين.
خلال عقد من توليه السلطة، جعل شي نفسه حاملًا لواء القضية التاريخية المتمثلة في إعادة ما تعتبره بكين مقاطعة منشقة إلى الحظيرة الوطنية.
وفقًا لخطاب ألقاه شي في عام 2019، “لا نقدم أي وعد بالتخلي عن استخدام القوة ونحتفظ بخيار اتخاذ جميع الوسائل اللازمة” لتحقيق “إعادة التوحيد”.
قال ديفيد جيتر، رئيس مركز أبحاث الصين المتقدمة، وهو معهد أبحاث غير ربحي: “هذا جزء من مجموعة متزايدة من الأدلة على أن شي ينوي تحقيق استيعاب تايوان أثناء وجوده في السلطة”.
وأضاف جيتر: “بصفته” زعيمًا بارزًا “يقود ولاء الحزب والجيش وأقوى زعيم منذ على الأقل منذ دنغ شياو بينغ، فإن شي جين بينغ في الواقع يسيطر بشكل كامل على سياسة بكين تجاه تايوان”.
ومع ذلك، إذا كان شي قد جعل “إعادة توحيد” تايوان أكثر أهمية لمهمة بكين التاريخية وتجديد شبابها من أسلافه، فإن هذا لا يزال لا يعني أنه يتحكم بشكل كامل في الموقف واستجابة ما بعد بيلوسي، كما يؤكد المحللون والمراقبون.
وأضاف جيتر: “يجب عليه أيضًا أن يتأكد من أنه لن يظهر ضعيفًا وغير فعال في مواجهة ما يعتبره نظام الحزب الشيوعي الصيني بمثابة تحدٍ متهور ورمزي لمطالبه بالسيادة على تايوان”.
بالنظر إلى القوى القومية التي أطلقها الحزب الشيوعي الصيني منذ أن تولى شي منصب رئيس الحزب الشيوعي في عام 2012، هناك دائمًا احتمال أن تجد بكين نفسها تتبع المشاعر العامة لا أن تقودها، على الرغم من أن “إعادة التوحيد” أمر أساسي لخطط شي، إلا أن الاستقرار السياسي يمثل الأولوية في محاولته للبقاء في الصدارة لولاية ثالثة تاريخية.
في عام 2016، وجد استطلاع عبر الإنترنت أجراه معهدان صينيان أن 85٪ من المشاركين الصينيين يؤيدون “إعادة التوحيد” المسلح، وجد استطلاع آخر في تسع مدن صينية رئيسية في عام 2019 أن الدعم للعمل العسكري ضد تايوان بلغ 53٪.
داخل الحزب الشيوعي الصيني، هناك أيضًا خطر خروج سياسة تايوان من أيدي شي، فيما يتعلق برد فعل بكين القوي على زيارة بيلوسي إلى تايبيه الأسبوع الماضي، هناك بالفعل جناح من الحزب الشيوعي يميل إلى استخدام القوة.
لكن ما يمنع الصين حتى الآن من القيام بهذه المغامرة، هو ترجيح الحسابات الاقتصادية والمصلحة الصينية في تجنب أي حرب عسكرية حاليا، فالظروف المحلية والعالمية لا تسمح بمثل هذه المغامرات وهناك انتخابات الحزب الشيوعي في أواخر هذا العام وكل ذلك يتطلب حاليا الهدوء.
من جهة أخرى لن يحدث الهجوم الصيني على تايوان دون مقاومة عنيفة من الجزيرة التي يفضل شعبها الديمقراطية على العيش في دولة ديكتاتورية، أضف إلى ما سبق أن التدخل الأمريكي والغربي بالأسلحة والعقوبات وارد وهذا سيجعل بكين دولة معزولة، وهي محاطة بدول تخشى من أطماعها مثل الهند واليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وحتى فيتنام وأستراليا.
لقد أدت سياسات بكين “الخالية من كوفيد” إلى إحباط شرائح واسعة من الشعب الصيني بينما ألحقت الضرر بالاقتصاد الصيني، يتوقع صندوق النقد الدولي تباطؤ نمو الصين هذا العام إلى 3.3٪ فقط، وهو ما يرى بعض المحللين أنها توقعات وردية مع تزايد القلق بشأن أزمة عقارية أوسع نطاقاً سيكون لها تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي.
هذه مشكلة كبيرة بالنسبة للحزب الذي يبني شرعيته على الحفاظ على نمو اقتصادي سريع وموزع بشكل جيد ويحتاج إلى التنمية الاقتصادية لتستمر شرعيته.
يستخدم الفصيل المناهض لشي الآن زيارة بيلوسي إلى تايوان لإثارة المشاعر القومية بين عامة الناس وإجبار شي على الرد بقوة، وبعد ذلك سيتهمون شي بإفساد العلاقات مع الولايات المتحدة وتايوان والأوروبيين.
جاءت زيارة بيلوسي بعد أيام فقط من حديث الرئيس الأمريكي بايدن وشي عبر الهاتف ووضعهما خططًا مبدئية لاجتماعهما الشخصي الأول منذ تولى بايدن منصبه، وهي خطة اعتبرها بعض المعلقين خطوة إيجابية نحو تحسين العلاقات على الرغم من التوتر في تايوان.
لدى الصين خطة من أجل التحول إلى قوى عظمى بحلول 2049، وهذا لا يمكن أن يحدث في حال تورطت في حروب استنزاف متعددة، لذا من غير المستبعد أن تسعى القيادة الصينية إلى استعادة تايوان بشكل سلمي ومن خلال ممارسة ضغوط اقتصادية وسياسية عنيفة.
في النهاية تحتاج بكين إلى تايوان، وهذا سيساعدها على التقدم عالميا خصوصا إذا حصل ذلك سلميا وحافظت على الجزيرة، أما إذا دمرتها بالحرب فستنفق المليارات من الدولارات لإعادة اعمارها!
إقرأ أيضا:
الإستخبارات: الصين تغزو تايوان وفق هذا الجدول الزمني
هل يبدأ غزو الصين لتايوان خلال أغسطس؟
تنامي الحزام والطريق الصيني في السعودية والشرق الأوسط
الإسلام مرض عقلي تحاربه الصين بقيادة شي جين بينغ
لماذا تحارب الدول الاسكندنافية الصين لدرجة طرد شركة هواوي؟
لماذا تريد الصين احتلال تايوان المستقلة؟
أهمية مضيق تايوان على خريطة التجارة العالمية