
لقد حدد العديد من المحللين خيطاً مشتركاً بين اللاعبين الرئيسيين المتورطين في سوريا: مشروع خط الغاز القطري عبر سوريا الذي سيسهل على الدولة الخليجية تصدير غازها إلى أوروبا.
وعندما نأخذ هذا العنصر في الاعتبار، فإن الصراع الفوضوي على ما يبدو يبدأ في الكشف عن نمط أكثر وضوحاً، وفيما يلي تفصيل ذلك:
صراع خط الغاز القطري ومنافسه الإيراني عبر سوريا
قبل حرب أوكرانيا التي كانت خطأ فادحا لروسيا وبسببه خسرت كل ما حققته في سوريا من مكاسب، كانت موسكو منزعجة للغاية من خط الغاز القطري عبر سوريا.
هذا المشروع عرض على بشار الأسد بين 2008 و 2010 في الوقت الذي كانت فيه علاقته مع أردوغان والحمدين ممتازة، وكانت هناك أيضا مفاوضات إسرائيلية سورية بوساطة تركية للتطبيع بين البلدين وهي الفترة التي سبقت أحداث 2011.
وبحسب تحليلات ميتشل أ. أورينشتاين، الأستاذ بجامعة هارفارد، وجورج رومر، في مجلة الشؤون الخارجية، كانت روسيا تزود أوروبا بنحو 25% من احتياجاتها من الغاز للأنشطة الأساسية مثل التدفئة والطهي والوقود.
ومن الجدير بالذكر أن شركة غازبروم، عملاق الطاقة الروسي الذي تسيطر عليه الدولة، كانت تبيع 80% من إنتاجها من الغاز إلى الأسواق الأوروبية، وكان ذلك قبل الحرب الروسية الأوكرانية.
منذ اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا، سعت أوروبا بنشاط إلى تقليل اعتمادها على إمدادات الغاز الروسية، وهي الاستراتيجية التي حظيت بدعم قوي من الولايات المتحدة ونجحت بالفعل في ذلك.
انخفضت حصة الغاز الروسي المنقول عبر خطوط الأنابيب في واردات الإتحاد الأوروبي من أكثر من 40% في عام 2021 إلى حوالي 8% في عام 2023.
قبل سقوط سوريا والأسد، تقدمت قطر وإيران باقتراحين متنافسين لبناء خطوط أنابيب لنقل الغاز عبر الأراضي السورية للوصول إلى الأسواق الأوروبية.
بدأت قطر خطتها لبناء خطوط الأنابيب في عام 2009، واقترحت مسارًا عبر الخليج العربي، يعبر المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا وتركيا.
يضم الخليج العربي أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، مدفونًا على عمق 3000 متر تحت قاع البحر، وفي حين تمتلك قطر ما يقرب من ثلثي هذا المورد الهائل، فإن ربحيتها محدودة بسبب الاعتماد على النقل بالناقلات، مما يجعل غازها أقل قدرة على المنافسة من إمدادات روسيا التي يتم تسليمها عبر خطوط الأنابيب.
وقد اقترحت إيران، التي تسيطر على الجزء الأصغر من حقل الغاز في الخليج العربي، مشروع خط أنابيب بديل بقيمة 10 مليارات دولار.
ومن المقرر أن ينقل هذا الطريق الغاز عبر العراق وسوريا، ثم يمر تحت البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى الأسواق الأوروبية.
وقد نشر الرائد روب تايلور، الذي يدرس في كلية القيادة والأركان العامة للجيش الأميركي، تحليلاً في مجلة القوات المسلحة قبل سنوات، يفحص فيه كيف قد تؤثر مشاريع خطوط الأنابيب المتنافسة هذه على الصراع السوري.
وأشار إلى أنه “إذا نظرنا إلى الأمر من خلال عدسة جيوسياسية واقتصادية، فإن الصراع في سوريا هو نتيجة لتمركز لاعبين دوليين أكبر على رقعة الشطرنج الجيوسياسية استعداداً لافتتاح خط الأنابيب”.
وبمقارنة ارتباط حرب العراق في عام 2003 بنفط الخليج العربي، فإن الصراع في سوريا قد يدور في نهاية المطاف حول مصالح الغاز الطبيعي.
سقوط الأسد فرصة قطر وتركيا لإحياء خط الغاز القطري عبر سوريا
في النهاية سقط بشار الأسد الذي تخندق على ما يبدو في الخندق الخاطئ، وإلى جانب سياساته الداخلية الفاشلة وقمعه للمواطنين والسياسات الاستبدادية فقد كانت له حليف لا ينتصر في النهاية هي روسيا.
هذه فرصة قطر التي عارضت التطبيع مع سوريا الأسد ووقفت ضد ذلك حتى عندما كان أردوغان مصرا على الحوار مع دمشق.
الإعلام القطري استثمر ما يحدث في سوريا من أجل فضح بشار الأسد وضرب مصداقية النظام السوري وقد نجح في المهمة التي عمل عليها لأزيد من عقد من الزمان.
ويبدو أن الدوحة لا تريد فحسب سقوط الأسد بل أن تكون هناك قيادة سنية في دمشق حليفة للأتراك والقطريين تمرر المشروع الطاقي الضخم.
من المتوقع أن تستفيد تركيا بشكل كبير من الإطاحة المحتملة للأسد، فقد دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باستمرار إلى رحيل الأسد.
وبينما قد تنبع معارضة تركيا لنظام الأسد من عوامل متعددة، بما في ذلك دعم الأسد للأكراد، أوضح أستاذ جامعة هارفارد أورينشتاين أن مصالح الغاز تلعب دورًا حاسمًا.
إن الموقع الاستراتيجي لتركيا بين آسيا وأوروبا، إلى جانب تطلعاتها إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، يجعلها وسيطًا مثاليًا لنقل الغاز من الشرق الأوسط إلى الأسواق الأوروبية.
وباعتبارها دولة تعتمد على إمدادات الغاز الروسية، فإن تركيا سوف تستفيد بشكل كبير من تنويع مصادر الطاقة لديها، ومع ذلك، تظل هذه المزايا نظرية إذا استبعد مسار خط الأنابيب تركيا وإذا كان الأسد لا يزال في السلطة!
ليس لدى تركيا مشكلة في أن تحكم القاعدة سوريا خصوصا إذا كانت موافقة على هذا المشروع، ولدى الدوحة وتركيا علاقات وثيقة مع جماعات الإسلام السياسي التي تستخدمها كأدوات لابتزاز الدول الوطنية.
وبما أن مخططهما قد نجح في سوريا وإذا استقرت الأمور لهما سيعود خط الغاز القطري عبر سوريا إلى الواجهة وقد يحظى بدفعة قوية هذه المرة.