بعد أسابيع من تحقيق التقارب السعودي الإيراني بوساطة صينية عمانية عراقية، تأتي أزمة حقل الدرة الغازي لتؤكد على أن خلافات طهران مع دول الخليج مستمرة.
تعد منطقة حقل الدرة المشترك بين المملكة العربية السعودية والكويت مخزناً للغاز الطبيعي، وكانت إيران تنازع للحصول على جزء منه بسبب موقعه الحدودي.
ومنذ استكشافه في ستينيات القرن العشرين وبسبب موقعه الحدودي، تعطل إنتاج الغاز من الحقل بسبب خلافات سعودية كويتية، وفي 21 مارس 2022، وقعت الكويت والسعودية اتفاقية لتطوير الحقل، ومن المتوقع أن يتم إنتاج مليار قدم مكعب و 84 ألف برميل من المكثفات يومياً.
تطوير حقل الدرة يمكن أن يؤدي إلى العديد من الآثار الاقتصادية الإيجابية على المملكة العربية السعودية والكويت اللتان ترغبان في زيادة انتاجهما من الغاز الطبيعي.
وتعتبر المنطقة المعروفة في إيران باسم “آرش” وفي الكويت والسعودية باسم “الدرة” منطقة متنازع عليها منذ عقود، وتأتي التوترات الأخيرة في سياق تقارب بين إيران والسعودية، القوتين الإقليميتين المتنافستين.
يقع حقل الدرة في الجزء البحري من المنطقة المحايدة شمالاً، إلا أن إيران تدعي أيضاً الحق في جزء منه بسبب امتداده إلى مياهها، ولم يتم الاتفاق حتى الآن على الحدود الشرقية للمنطقة التي تحدد حقل الدرة، وهذا النزاع قائم منذ عقود ويسعى الأطراف المعنية إلى حله.
تعتبر إيران أن حصتها من حقل الدرة تزيد على 40 في المئة، وأنها لن تتنازل عن حقوقها في هذا الصدد، وتشير إلى أن عدم التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث سيكون مضراً للأطراف المعنية، حيث سيسمح بسحب الموارد من الحقل بشكل غير منضبط.
وأدت هذه التصريحات إلى اصدار الرياض بيانا يؤكد على ان استغلال الحق هو من حق السعودية والكويت فقط ولا دخل فيه لأي طرف ثالث.
ويعود نزاع حقل الدرة إلى العديد من الأسباب، بما في ذلك:
- إيران تدعي أن حقل الدرة يمتد إلى مياهها وتطالب بحصتها العادلة من الموارد النفطية والغازية في هذه المنطقة، في حين ترفض السعودية والكويت هذه المطالب.
- يعتبر حقل الدرة من أكبر الحقول الغازية والنفطية في المنطقة، مما يجعل السيطرة عليه مهمة بالنسبة للدول المعنية.
- يتميز النزاع حول حقل الدرة بتوترات سياسية وتنافس بين إيران والسعودية، الدولتين اللتين تتنازعان على النفوذ في المنطقة.
- يعد النفط والغاز من أهم الموارد الاقتصادية في المنطقة وتعتمد عليها الدول المعنية بشكل كبير، ولذلك فإن حقول النفط والغاز تمثل مصدر تنافس وصراع من أجل السيطرة عليها.
وتوجد العديد من الخلافات بين الدول الخليجية وإيران، ومن بينها:
- النزاع حول حقول النفط والغاز: تتنافس الدول الخليجية وإيران على حقول النفط والغاز في المنطقة، ولا سيما حول حقل الدرة.
- الأمن الإقليمي: تتباين الدول الخليجية وإيران في مواقفها من الأزمات الإقليمية، مثل الأزمة السورية والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني والأزمة اليمنية والتحديات الأمنية الأخرى في المنطقة.
- تتباين الدول الخليجية وإيران في الاتجاهات الدينية، حيث تعتبر الدول الخليجية المذهب السني السائد في حين تعتبر إيران المذهب الشيعي السائد.
- تتهم الدول الخليجية إيران بتدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية ودعمها للأطراف المتمردة والمتشددة في المنطقة.
لقد مضى الآن أكثر من أربعة أشهر منذ أن أصدرت إيران والسعودية بيانًا مشتركًا في الصين تعهدتا فيه باستئناف العلاقات الدبلوماسية.
وجاء الاتفاق بعد عامين من المحادثات المكثفة خلف الأبواب المغلقة بين المسؤولين الإيرانيين والسعوديين في بغداد وتم الانتهاء منها في أسبوع من المشاورات في بكين. تبادل الطرفان السفراء، لكن تظل هناك تساؤلات حول مدى استدامة وشمولية المصالحة بينهما.
لا توجد حتى الآن أي معلومات حول موعد زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للمملكة العربية السعودية، على الرغم من مرور أشهر منذ أن وجه الملك سلمان دعوة رسمية إليه.
وصرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر الكناني للصحافة في 3 يوليو 2023 بأنه لا يوجد موعد محدد لرحلة رئيسي، وهو مؤشر على الزخم الضعيف لتحسين العلاقات بين طهران والرياض.
كانت ردود الفعل الإقليمية والعالمية على التقارب الإيراني السعودي إيجابية إلى حد كبير، لكن الآثار طويلة المدى للاتفاق لا تزال غير واضحة.
لا يزال هناك انعدام للثقة بين الرياض وطهران بشأن الالتزام باتفاق بكين، وعلى الرغم من نجاح الصين في إتمام الاتفاقية، إلا أنه لم يتم الكشف عن آليات الإشراف الخاصة بها إن وجدت.
في هذا الوقت لا يزال السلام في اليمن هشا ولا تزال مشكلة الحوثيين قائمة، فيما تراقب السعودية تراجع النظام السوري عن ارسال المخدرات إلى الأسواق الخليجية.
هناك مسألة أخرى لا يمكن لإيران أن تتغاضى عنها وهي احتمال قيام السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، على الرغم من قلقها المزعوم على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، فقد فتحت الرياض بالفعل مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية الإسرائيلية.
وبحسب ما ورد طلبت المملكة العربية السعودية من الولايات المتحدة الموافقة على برنامج نووي مدني بالإضافة إلى ضمانات أمنية مقابل إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
لكن على العموم لا تبدي السعودية حماستها للتطبيع مع إسرائيل، خصوصا في ظل إدارة بايدن، وتنتظر الرياض عودة دونالد ترامب والجمهوريين إلى الحكم وهذا لتشديد السياسة ضد ايران وحينها سيكون هناك تطبيع على الأرجح.
من المؤكد أن أزمة حقل الدرة هي اختبار حقيقي للعلاقات الخليجية الإيرانية وأي تصعيد قد يؤدي إلى عودة مبكرة للتوتر وربما القطيعة أيضا.
إقرأ أيضا:
حقيقة اكتشاف تركيا للغاز ومسرحية أردوغان
سياسة بريطانيا في الخليج العربي وموقفها من ايران والصين
مشروع ممر الهند بمشاركة إسرائيل وايران والعرب وروسيا برعاية أمريكية
قصة اتفاق التطبيع بين ايران والسعودية ومكاسب الصين
التطبيع بين السعودية وايران جزء من مشروع الديانة الإبراهيمية
أهمية تقارب الإمارات مع سوريا واحتمال انقلاب بشار الأسد على ايران