لم يرحل شهر أغسطس دون أن تسجل صفحاته التاريخية تطورا سلبيا في العلاقات الجزائرية المغربية، هذه المرة حادثة السعيدية بعد عامين من قطع العلاقات بين البلدين في أغسطس 2021.
هناك حاليا توتر كبير على المستوى الشعبي بعد قيام خفر السواحل الجزائري بإطلاق الرصاص عمدا على مواطنين دخلوا عن طريق الخطأ إلى الساحل الجزائري من مدينة السعيدية الساحلية الحدودية وذلك يوم الثلاثاء 29 أغسطس 2023.
العلاقات متوترة بالفعل بين البلدين ورغم دعوات الرباط المستمرة للسلطات الجزائرية بالتحاور والتفاوض وحل الخلافات بين البلدين إلا أن القيادة الجزائرية لا ترد على هذه المبادرة بل ويسوق لها الإعلام الجزائري على أنها نابعة من تأزم المغرب بسبب التوتر مع الجزائر.
والحقيقة التبادل التجاري بين البلدين لم يكن جيدا منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي، حيث تم اغلاق الحدود المغربية الجزائرية ورغم انتشار التهريب إلا أن هذه الظاهرة ظلت في تراجع مستمر بسبب جهود البلدين لمكافحتها.
وتستخدم القيادة الجزائرية ملف التوتر مع المغرب لإشغال الشعب الجزائري لهذه العداوة عوض مواجهة القضايا التي تهم المواطن البسيط، ومنها ارتفاع أسعار الغذاء والمعيشة في بلد يصدر النفط والغاز الطبيعي، إضافة إلى أزمات ندرة الحليب والحبوب وعدد من المواد الغذائية الأخرى.
هذا الفشل الاقتصادي هو الذي أخرج الشعب الجزائري من قبل إلى الشوارع وكاد أن يسقط النظام بأكمله، لكن السلطات الجزائرية نجحت في التلاعب بالشعب، حيث تخلصت من بوتفليقة وعدد من الوجوه ودفعت بالسيد عبد المجيد تبون الذي شغل مناصب متعددة في الحكومات السابقة إلى قيادة البلد.
حتى الآن نجح هذا الرجل في مهمته الأساسية وهي شحن الأجواء وزيادة العداوة بين البلدين وتشويه صورة المغرب بالداخل، بل والتسويق لفكرة ان المشاكل التي تعاني منها الجزائر هي بسبب مؤامرات خارجية يقف وراءها المغرب وإسرائيل.
لا شك أن حادثة السعيدية قد كشفت الوجه القبيح للجزائر العسكرية، الدولة التي تعتبر المغرب العدو رقم 1 في عقيدتها، وتعمل منذ أكثر منذ 48 عاما على تقسيمه من خلال دعم جماعة انفصالية تستضيفها على أراضيها.
لكن القيادة الجزائرية تعرف جيدا أن هذه اللعبة لديها حدودها، الذهاب بعيدا إلى الحرب الجزائرية المغربية سيزعزع الأمن الإقليمي وستجد الجزائر نفسها في مواجهة بلد حليف للولايات المتحدة والإمارات ومجلس التعاون الجزائري وعلى علاقات جيدة مع الإتحاد الأوروبي.
الحرب ستكون مدمرة للبلدين وستزيد من الهجرة السرية إلى أوروبا وتتسبب في مجازر بين السكان خصوصا في المدن الحدودية.
يتسلح بالفعل البلدين بوتيرة سريعة، لكن المشهد الأكبر لا يغفل عاقل أبدا، المغرب والجزائر كلاهما يواجهان خطر الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تنتشر في غرب أفريقيا هذه الأيام، وأي حرب بين البلدين ستحول المنطقة إلى ساحة لانتشارها.
في النهاية لا أعتقد أن حادثة السعيدية ستشعل الحرب بين البلدين ولكن من شأنها أن تعزز من الوجود العسكري في الحدود الشمالية بين البلدين وتسرع أكثر من عمليات التسلح.
وفي حال حدوث حرب بين البلدين ستكون حربا للأسف بالوكالة ولتصفية حسابات دولية على الأراضي المغربية والجزائرية وهو أمر يدركه جيدا كافة المراقبون والمحللين السياسيين خصوصا في ظل الظرفية الدولية التي تعرف حاليا بالإستقطاب وأجواء لا تختلف كثيرا عن ظروف الحرب الباردة.
وكانت الصحف الجزائرية مؤخرا قد هاجمت الإمارات تحديدا وأكدت في تقارير مؤخرا أن الملحق الإماراتي في الجزائر أكد لمسؤولين أوروبيين ان الإمارات ستقف إلى جانب المغرب في الحرب الجزائرية المغربية.
وتقول الصحف الجزائرية أيضا أن الإمارات تحاول الضغط على تونس وموريتانيا للتطبيع مع إسرائيل ومحاصرة الجزائر، ولا يخفى أن هناك خلافات بين البلدين بالخصوص في قضية الصراع العربي الإسرائيلي.
ويعد المغرب من الدول التي أعادت علاقتها العلنية مع إسرائيل وهو امر تدينه الجزائر، وعادة ما تركز الصحافة الجزائرية على هذه القضية للتأكيد على أن السلطات الجزائرية تدافع على الحق وتواجه تحالفا صهيونيا في شمال أفريقيا.
إقرا أيضا:
الجزائر مع الصين الواحدة ومع تقسيم المغرب في نفس الوقت
انتاج البطيخ: الجزائر في الصدارة عربيا والسعودية تتجاوز المغرب
هل الجزائر دولة فقيرة ولماذا هي أقل من المغرب وتونس؟
حصار الجزائر وعزلها في حال رفضها الصلح مع المغرب
بورصة المغرب العملاقة أكبر من سوق الجزائر 110 مرة