
يجلس وارن بافيت في أكبر كومة من النقود على الإطلاق ونتحدث عن 325 مليار دولار من السيولة الموجودة لديه خارج سوق الأسهم حيث يضع عادة غالبية أمواله.
وقد تنبأ مؤشر وارن بافيت باستمرار بكل انهيار كبير في السوق منذ عام 1950، واليوم، يلوح بتحذير غير مسبوق: حيث وصل إلى 207% وهو أعلى مستوى في التاريخ.
ماذا تعني هذه الإشارة المزعجة لاستثماراتك؟ هل يلوح انهيار آخر للسوق في الأفق؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذه المقالة.
لماذا يعتبر مؤشر بافيت قوياً ولكن هناك سوء فهم واسع النطاق له؟
الأمر أشبه بقياس درجة حرارة السوق من خلال مقارنة رقمين بالغي الأهمية: القيمة الإجمالية لجميع الأسهم مقابل الناتج المحلي الإجمالي وهو ما يوضح ما إذا كانت الأسهم مبالغاً في سعرها مقارنة بأداء الاقتصاد الحقيقي.
فكر في هذه النسبة باعتبارها اختبارًا للواقع في السوق.
يجب أن تتوافق أسعار الأسهم عمومًا مع الأداء الاقتصادي، عندما ترتفع أسعار الأسهم إلى ما هو أعلى بكثير من الاقتصاد، فقد تحتاج إلى العودة إلى الواقع.
فكر في الأمر مثل ميزانية الأسرة عندما تتسابق الأسهم بعيدًا عن النمو الاقتصادي، فإن الأمر يشبه استنفاد بطاقات الائتمان دون زيادة الراتب.
عندما يكون مؤشر بافيت أعلى من 150٪، يُعتبر “منطقة خطر”، مما يعني أن سوق الأسهم مبالغ في قيمتها.
اليوم؟ نحن عند نسبة غير مسبوقة 207٪، المنطقة التي تسببت في كل انهيار سوق سابق، لقد شهدنا هذا بالفعل في عام 2022.
لاحظ كيف يتحرك مؤشر S&P 500 (SPX) فيما يتعلق بمؤشر بافيت (الخط الأزرق):
المؤشر يصرخ بالخطر: نحن في عمق منطقة المبالغة في تقدير القيمة أعمق مما كنا عليه في أي وقت مضى.
لذا، يتساءل الناس عما إذا كان انهيار السوق أمراً متوقعاً الآن ولكن هذا ليس كل شيء…
الوضع النقدي المثير للقلق لدى وارن بافيت
لا يدق مؤشر بافيت ناقوس الخطر فحسب، بل إن بافيت نفسه، حكيم أوماها، يجلس على أكبر كومة من النقد في التاريخ.
فقد جمعت شركته، بيركشاير هاثاواي، مبلغًا مذهلًا قدره 325 مليار دولار نقدًا وهو ما يمثل 32% من إجمالي الأصول.
لا يستطيع بافيت العثور على استثمارات تستحق الشراء بهذه الأسعار، عندما يعتقد أعظم مستثمر في القيمة في العالم أن كل شيء باهظ الثمن، يجب علينا جميعًا الانتباه.
من المؤكد أن المنتقدين يسارعون إلى الإشارة إلى النقاط العمياء لدى بافيت فقد فاته الإستثمار في أمازون وأوبر وجوجل ومايكروسوفت وحتى بيتكوين.
يقول البعض إنه قديم جدًا وحذر جدًا، ربما حان الوقت لتعليم هذا العجوز بعض الحيل الجديدة في العملات المشفرة.
هل ينبغي أن أبيع الأسهم بناء على مؤشر وارن بافيت؟
هذه العلامات التحذيرية تتطلب الاهتمام، ولكن قبل أن تتسرع في تصفية محفظتك الاستثمارية، دعنا نستكشف منظورًا مهمًا يغفل عنه معظم المستثمرين.
فخ توقيت السوق
يعلمنا التاريخ درساً قاسياً عن توقيت السوق: إنه لعبة لا يتقنها إلا الحمقى.
لا أحد حتى أذكى العقول في وول ستريت يستطيع أن يتنبأ بانهيارات السوق.
عندما حذر آلان جرينسبان، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي آنذاك (الذي أبقى أسعار الفائدة منخفضة للغاية لفترة طويلة حتى أنه اخترع فقاعة الإسكان عملياً)، من “النشوة غير العقلانية” في ديسمبر 1996، فر العديد من المستثمرين من السوق، لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ ارتفع مؤشر ناسداك بنسبة مذهلة بلغت 288% قبل أن تنفجر فقاعة دوت كوم أخيراً.
دعونا نستوعب هذه الحقيقة: فقد خسر المستثمرون الذين تصرفوا بناء على تحذير جرينسبان أموالاً أكثر من أولئك الذين ركبوا موجة الانهيار بأكملها.
لذا فإن أول ما يجب أن نتعلمه هو أننا لا نستطيع استخدام هذه المؤشرات لتوقيت السوق.
عامل تسريع التكنولوجيا
ماذا لو لم تكن التقييمات المرتفعة لسوق الأوراق المالية بمثابة علامة تحذيرية بل إنها انعكاس لمدى سرعة تحول التكنولوجيا لاقتصادنا؟
لا تقوم سوق اليوم بتسعير الأرباح الحالية فحسب بل إنها تراهن على أن التكنولوجيا ستغير كل شيء، وهذا يفسر لماذا تبدو سوق الأوراق المالية مرتفعة للغاية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي:
نحن نشهد تحولاً جوهريًا في كيفية خلق القيمة.
انظر إلى عمالقة التكنولوجيا اليوم – أمازون وجوجل وإنفيديا ونتفليكس وميتا وتيسلا والعديد غيرها قدراتهم التكنولوجية لا تدفع النمو فحسب بل إنها تخلق تأثيرًا مركبًا على الأرباح المستقبلية التي تكافح المقاييس التقليدية لالتقاطها.
الإمبراطورية العالمية الأميركية
لم تعد الشركات الأميركية أميركية فحسب بل إنها تدير العالم، فهي موجودة بخدماتها في كل دول العالم وتقدم أفضل الخدمات الممكنة للمستخدمين وهي متقدمة على مستوى الإبتكار.
تولد أغلب شركات مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ما بين 40% و60% من إيراداتها من الأسواق الدولية، وهذا يعني أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي لم يعد يقيد نموها.
دعونا نلقي نظرة على بعض الأرقام المجنونة:
ماكدونالدز: 69 مليون عميل يومي في أكثر من 100 دولة
آبل: 72 مليار دولار إيرادات سنوية من الصين وحدها
نتفليكس: عدد المشتركين الدوليين أكبر من المشتركين المحليين
عندما تكون 17 من أكبر 20 شركة في العالم أميركية، ربما حان الوقت لإعادة التفكير في معنى المبالغة في تقدير القيمة.
إقرأ أيضا: دليل الإستثمار: شراء الأسهم الأمريكية وبيعها بالعالم العربي