في ظل التحولات الاقتصادية العالمية التي فرضتها الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة في عهد الرئيس دونالد ترامب، برزت الهند وإسرائيل كدولتين استثنائيتين في التعامل مع هذا التحدي.
بينما أعلنت الولايات المتحدة في أبريل 2025 عن تعريفات جمركية تتراوح بين 10% و50% على الواردات من أكثر من 185 دولة، تمكنت الهند وإسرائيل من صياغة استراتيجيات ذكية للتخفيف من التأثيرات السلبية، بل وحتى تحويل الأزمة إلى فرصة.
الاستباقية الهندية: خفض الرسوم وتنويع الأسواق
في مواجهة الرسوم الجمركية الأمريكية التي فرضتها إدارة ترامب في أبريل 2025، أظهرت الهند استباقية ملحوظة جعلتها واحدة من أكثر الدول مرونة في التعامل مع هذا التحدي.
بدأت الهند خطواتها الاستراتيجية قبل الإعلان الرسمي عن التعريفات، حيث ركزت على تحسين علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة من خلال خفض الرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من المنتجات الأمريكية، مثل السيارات الكهربائية والمعدات الزراعية.
هذه الخطوة لم تكن مجرد رد فعل، بل جزءًا من خطة مدروسة لتجنب التصعيد التجاري مع واشنطن، التي تعد سوقًا رئيسية للصادرات الهندية مثل الأدوية والمنسوجات.
لم تكتفِ الهند بتخفيف الرسوم كبادرة حسن نية، بل عملت على تنويع أسواقها التصديرية لتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة. فقد عززت شراكاتها مع دول آسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وفتحت قنوات تجارية جديدة مع الاتحاد الأوروبي وأفريقيا.
على سبيل المثال، زادت الصادرات الهندية إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 15% في الربع الأول من 2025، وفقًا لتقديرات حديثة، مما عوض جزءًا من الخسائر المحتملة الناتجة عن الرسوم الأمريكية.
كما استثمرت الهند في تعزيز صناعاتها المحلية، مثل تكنولوجيا المعلومات والطاقة المتجددة، لتقليل الاعتماد على الواردات الأمريكية التي أصبحت أكثر تكلفة.
هذا النهج المزدوج – خفض الرسوم وتنويع الأسواق – أتاح للهند مرونة اقتصادية قللت من تأثير السياسة الأمريكية العقابية.
وبينما واجهت دول أخرى مثل الصين تراجعًا في حصتها السوقية بالولايات المتحدة، تمكنت الهند من الحفاظ على استقرار تجارتها الخارجية، بل وحققت نموًا طفيفًا في بعض القطاعات.
هذه الاستباقية تعكس رؤية اقتصادية طويلة الأمد، جعلت من الهند نموذجًا يُحتذى به في التعامل مع الأزمات التجارية العالمية.
إسرائيل والورقة الاستراتيجية: إلغاء الرسوم مقابل التفاوض
عندما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أبريل 2025 عن فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات من معظم دول العالم، بما في ذلك إسرائيل بنسبة 17%، اتخذت إسرائيل خطوة جريئة ومبكرة للرد على هذا التحدي.
فقد قررت الحكومة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، إلغاء العوائق على المنتجات الأمريكية والعمل على منع العجز التجاري.
هذا القرار لم يكن مجرد استجابة دفاعية، بل ورقة استراتيجية مدروسة تهدف إلى تعزيز موقف إسرائيل التفاوضي مع واشنطن، وتجنب تصعيد اقتصادي قد يضر بالعلاقات الثنائية طويلة الأمد.
عبرت أوساط اقتصادية، مثل اتحاد المصنعين، عن صدمتها من الرسوم الأمريكية، معتبرة أن إلغاء الرسوم على الواردات الأمريكية قد يضر بالصناعات المحلية التي تعتمد على الحماية الجمركية.
ومع ذلك، يرى المسؤولون أن هذه التضحية قصيرة الأمد قد تكون ضرورية لضمان استقرار العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، التي تستحوذ على حوالي 30% من صادرات إسرائيل، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والدفاع.
في المقابل، يبدو أن إسرائيل تراهن قرار وزير المالية سموتريتش بإلغاء جميع الرسوم الجمركية على الواردات الزراعية الأمريكية وذلك لتقليل النسبة التي تفرضها الولايات المتحدة.
بهذا المعنى، استخدمت إسرائيل إلغاء الرسوم هذه كورقة ضغط دبلوماسية، مستفيدة من موقعها كحليف رئيسي لواشنطن، ورغم المخاطر الاقتصادية الداخلية، فإن هذه الاستراتيجية تعكس فهمًا عميقًا لديناميكيات العلاقة مع الولايات المتحدة، حيث يتجاوز التعاون الاقتصادي مجرد الأرقام إلى اعتبارات جيوسياسية أوسع.
التكيف الاقتصادي للهند وإسرائيل مع الرسوم الأمريكية
استغلت الهند الرسوم الأمريكية كحافز لتسريع تنويع اقتصادها، بدلاً من الاعتماد بشكل كبير على السوق الأمريكية، التي تستحوذ على حوالي 17% من صادراتها، عملت الهند على تعزيز شراكاتها التجارية مع دول أخرى.
على سبيل المثال، وقّعت اتفاقيات تجارية جديدة مع أستراليا ودول الخليج، مما زاد من صادراتها من المنسوجات والمنتجات الزراعية بنسبة ملحوظة.
كما استثمرت بكثافة في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، حيث أطلقت مبادرات مثل “صنع في الهند” لتعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات الأمريكية المكلفة.
هذه الخطوات لم تحمِ الاقتصاد الهندي من الصدمات فحسب، بل فتحت أسواقًا جديدة، حيث ارتفعت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 15% في النصف الأول من 2025، وفقًا لتقديرات اقتصادية.
من جهة أخرى تفكر شركات مثل آبل بنقل أعمالها لصناعة منتجاتها إلى الهند حيث تكلفة الإنتاج هناك أرخص من الصين التي لم تعد المصنع المفضل للشركات الأمريكية والغربية منذ أزمة كورونا.
من جهة أخرى وفقا للبيانات الإسرائيلية، فإن نحو 99٪ من السلع المستوردة من الولايات المتحدة معفاة بالفعل من الرسوم الجمركية لعقود، وتعتز اسرائيل خفض الرسوم الجمركية وتخفيف الحواجز التجارية مع الولايات المتحدة.