مثل اليابان حظيت الصين بدعم أمريكا والغرب في تحقيق المعجزة الاقتصادية الصينية خصوصا بعد الإنفتاح الصيني على الرأسمالية وتخلي بكين عن الإتحاد السوفيتي في الحرب الباردة.
يعتقد معظم الناس أن معجزة الاقتصاد الصيني حصلت فقط بفضل إرادة الدولة الصينية وكانت معجزة ذاتية، وهذا غير دقيق، لقد احتاجت الصين إلى التكنولوجيا والدعم الأمريكي وحصلت عليه.
إصلاحات دينج شياو بينج والتكامل العالمي
بعد وفاة ماو تسي تونغ في عام 1976، بادر دينج شياو بينج بسلسلة من إصلاحات السوق التي فتحت الصين أمام الاستثمار الأجنبي والأسواق العالمية.
ولم تكن هذه الإصلاحات مجرد تحول نحو الرأسمالية، بل كانت في إطار سياق اشتراكي، يشار إليه غالبًا باسم “الاشتراكية ذات الخصائص الصينية”.
وقد سمح هذا النهج للصين بتسخير رأس المال والتكنولوجيا الأجنبية مع الحفاظ على سيطرة الدولة على قطاعات رئيسية من الاقتصاد.
على عكس ماو تسي تونغ الذي ترك وراءه بلدا متأزما وفقيرا يعاني من المجاعة التي قتلت حوالي 45 مليون صينيا، كان دينج شياو بينج مندفعا إلى اصلاح الإقتصاد الصيني واقتباس بعض مميزات الاقتصادات الرأسمالية.
في يناير 1979، قام دينج بزيارة تاريخية إلى الولايات المتحدة، ليصبح بذلك أول زعيم صيني كبير يقوم بهذه الزيارة.
كانت هذه الزيارة بالغة الأهمية لأنها أضفت طابعًا رسميًا على العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة، والتي تأسست في وقت سابق من ذلك الشهر.
خلال هذه الزيارة، التقى دينج بالرئيس جيمي كارتر وأكد على أهمية التعاون بين البلدين من أجل تنمية الصين، وأعرب عن اعتقاده بأن البلدان المتحالفة مع الولايات المتحدة تميل إلى الازدهار، في حين تظل البلدان المعارضة فقيرة، مما يشير إلى تحول استراتيجي نحو الغرب.
سياسة الصين للإنفتاح على الغرب
في عام 1978 كان الناتج المحلي الإجمالي للصين 200 مليار دولار أمريكي فقط وهو ما كان حوالي 4٪ فقط من إجمالي الناتج المحلي العالمي ولكن اليوم ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى 17 تريليون دولار أمريكي.
وهذا يمثل حوالي 177٪ من إجمالي النشاط الاقتصادي في العالم أجمع وهذا النهضة الاقتصادية في السنوات الأربع الماضية ترجع إلى حد كبير إلى صناعة واحدة.
بعد أن بدأت الصين فترة الانفتاح والإصلاح في عام 1978 تحت قيادة دين شينج، تحولت البلاد من اقتصاد مخطط مركزيًا إلى اقتصاد أكثر توجهاً نحو السوق مما أدى إلى تحول اقتصادي كبير في الواقع العديد من الشركات الأجنبية التي دخلت الصين في تلك الفترة الزمنية.
منذ ذلك الحين عملت الصين على جذب المصانع والشركات العالمية خصوصا من الولايات المتحدة وأوروبا، واستطاعت بالفعل جذب الشركات لأنها تقدم يدا عاملة رخيصة ودعما حكوميا للمصانع من خلال إعفاءات ضريبية مغرية.
واليوم جنرال إلكتريك، أبل، أديداس، تيسلا، سامسونج، جنرال موتورز، ديل، نايكي، بي إم دبليو، مايكروسوفت، سوني، إتش آند إم، زارا، كاتربيلر، كل هذه الشركات العالمية تصنع منتجاتها في الصين.
والأسباب هي التكلفة والكفاءة وسلاسل التوريد الراسخة، خصوصا وأن العلامات التجارية تبحث عن التصنيع بتكلفة رخيصة وتحقيق الربح من منتجاتها.
مواجهة اليابان الصاعدة باستخدام الصين
كانت اليابان في العقدين الأخيرين من القرن العشرين تهدد بالفعل بتجاوز الإقتصاد الأمريكي، وكانت منتجات الشركات اليابانية موجودة في كل منزل تقريبا من سوني وشارب خصوصا في الإلكترونيات.
لقد استغل الغرب قدرات التصنيع الصينية ليس فقط لإنتاج فعال من حيث التكلفة ولكن أيضا كوسيلة لممارسة الضغط على اليابان.
لذا شجعت الولايات المتحدة الأمريكية الصين ودعمت نقل التكنولوجيا والتصنيع إليها لمواجهة اليابان التي تتمتع بعملة هي الأرخص مقارنة بالدولار واليوان.
وقد فشلت اليابان في النهاية بسبب أزمة الديون وتراجع الإبتكار لديها والتفوق التكنولوجي الأمريكي الذي أصبح واضحا في العقود الأخيرة.
وكان انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001 بعد 15 عاما من المفاوضات الدفعة الأقوى التي حصلت عليه الصناعة الصينية ليتحول البلد الأسيوي إلى مصنع العالم.
مواجهة الإتحاد السوفيتي باستخدام الصين
كان المشهد الجيوسياسي خلال أواخر القرن العشرين مواتياً لصعود الصين اقتصادياً، فقد سعت الولايات المتحدة إلى موازنة النفوذ السوفييتي في آسيا من خلال التعامل مع الصين، الأمر الذي أدى إلى زيادة العلاقات التجارية.
ومع فتح الصين لأسواقها، أصبحت مركزاً تصنيعياً حيوياً للشركات الأميركية التي تسعى إلى حلول إنتاجية فعالة من حيث التكلفة.
لقد أثار تحسن العلاقات الصينية الأميركية انزعاج القيادة السوفييتية. فقد اعتبرت هذه القيادة هذا التقارب تحدياً مباشراً لنفوذها في آسيا وحصاراً استراتيجياً محتملاً من جانب تحالف أميركي صيني.
ورداً على ذلك، كثف السوفييت وجودهم العسكري على طول الحدود الصينية السوفييتية ودعموا المشاعر المعادية للصين في مناطق مختلفة، بما في ذلك تشجيع الحركات الانفصالية الأويغورية.
ولقد بلغت التوترات ذروتها مع اندلاع المواجهات العسكرية على طول الحدود، وخاصة أثناء الصراع الذي نشب في جزيرة تشنباو (جزيرة دامانسكي) عام 1969.
وكان العداء بين الصين والاتحاد السوفييتي مدفوعاً بالشكوك والاتهامات المتبادلة، وهو ما زاد من تعقيده انخراط أميركا المتزايد مع الصين.
نهاية المعجزة الاقتصادية الصينية على يد أمريكا
منذ عام 2018، انخرطت الولايات المتحدة في مواجهة اقتصادية واسعة النطاق مع الصين، اتسمت في المقام الأول بالتوترات التجارية والجهود الرامية إلى فصل سلاسل التوريد.
وقد اتفاق الديمقراطيون والجمهوريون في أكبر اقتصاد في العالم على أنه يجب إيقاف الصعود الصيني، وذهب الفريقين إلى حرب تجارية ضد بكين.
ومنذ ذلك الوقت بدأت الشركات الأمريكية والأوروبية والمتعددة الجنسية، تنقل مصانعها إلى بلدان أخرى مثل الهند والمكسيك وفيتنام وكندا وهي دول صديقة للولايات المتحدة الأمريكية.
اليوم تحولت المكسيك إلى أكبر مصدر للسلع إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتأتي كندا في المرتبة الثانية من حيث ترتيب الشركاء التجاريين وتراجعت الصين إلى المركز الثالث.
وتعاني بكين أكثر في ظل رئيس يرى أن الإشتراكية هي الحل وهو مستبد وقد حارب الأثرياء وأصحاب الأموال مثل جاك ما، ويشبه نفسه بالزعيم الفاشل اقتصاديا ماوتسي تونع.
ومنذ أن تولى القيادة الصينية تراجعت معدلات الإنجاب إلى مستويات خطيرة، كما أن فقاعات الديون بدأت تنفجر وأولها فقاعة العقارات وقبلها فقاعة قطاع كرة القدم.
تعاني الصين من تحديات مع خسارة بورصتها لأكثر من 6 تريليون دولار في السنوات الأخيرة، وارتفاع معدلات البطالة وتراجع الأجور الحقيقية.
إقرأ أيضا:
لماذا تشتري الصين طائرات ايرباص الفرنسية وتتجاهل الصينية؟
كيف أصبحت المكسيك أكبر شريك تجاري لأمريكا؟
لا روسيا المهزومة ولا الصين المريضة ستنفع ايران ضد اسرائيل
الرئيس الإسلامي الذي باع المالديف للصين وطرد قوات الهند
افلاس البنوك الصينية: انهيار 40 بنكا و 3800 مؤسسة في خطر
5 أسباب لتجنب شراء ملابس شي ان (Shein) الصينية
لماذا سينهزم محور الشر الجديد كما انهزمت دول المحور؟