
أصبح عبد المجيد تبون الرئيس الجزائري منذ ديسمبر 2019، وهو الذي جاء بعد حراك شعبي سلمي احتجاجا على الأوضاع الإقتصادية السيئة في البلاد ورغبة في الوصول بالبلاد إلى بر الأمان عوض الإعتماد على عائدات الغاز والنفط وتضييعها بين صفقات التسلح وعمليات الفساد.
كان هذا الحراك متأخرا مقارنة بالثورات العربية التي شهدتها العديد من الدول في المنطقة، لكنه كان حراكا سلميا وكانت أهداف الشعب الجزائري واضحة ومشروعة، وهم يدركون جيدا أن القيادة العسكرية في البلاد صارمة وهي التي انتصرت في الحرب الأهلية الجزائرية (1991-2002) والتي قتل فيها أكثر من 200 ألف جزائري.
بالنسبة لشعبي المغرب وتونس، كان هذا الحراك بالنسبة لهما يعني الكثير، بالنسبة للشعب التونسي فهم يعرفون أن القيادة العسكرية في الجزائر ضد الديمقراطية في تونس، بينما الشعب المغربي أمله حينها أن يأتي نظام حكم ديمقراطي وعلى الأقل أن يكون عقلانيا يتجاوز الخلاف مع المغرب حول الصحراء وتنتقل العلاقات إلى مستويات جيدة.
لكن وصول عبد المجيد تبون قتل هذه الآمال، فهذا الرجل الذي ترشح في الانتخابات على أنه مستقل، سبق له وأن كان في حزب جبهة التحرير الوطني اليساري الحاكم، وكان رئيس وزراء الجزائر الأسبق في حكومة 2017 للفترة من 25 مايو 2017، إلى 15 أغسطس 2017 في عهد الرئيس بوتفليقة ووزير للسكن والعمران في عدة حكومات جزائرية ووزير للاتصال وتبوأ مناصب مختلفة في الدولة.
لذا فإن وصوله إلى سدة الحكم تعني أنه لم يتغير شيء، فقط تم اسقاط الرئيس السابق والتخلص من بعض المقربين منه، لكن من يحكمون الجزائر في الخفاء لم يشملهم التغيير.
ومقارنة مع عهد الرئيس المخلوع الراحل عبد العزيز بوتفليقة، تميز عهد عبد المجيد تبون بزيادة التسلح الجزائري والتوتر مع المغرب، والكثير من الخرجات الإعلامية المثيرة للجدل والوعود الكلامية للشعب الجزائري.
وقد ساعدت إجراءات مكافحة وباء كورونا في الجزائر الحكومة على قمع المعارضين واعتقال عدد منهم واخماد الحراك الذي شهدته الدولة عام 2019.
مر عام فقط على تنصيب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مكان عبد العزيز بوتفليقة، لتشهد الصحراء المغربية توترا عسكريا فيما هو معروف إعلاميا، بأزمة الكركرات، والتي بدأت 13 نوفمبر 2020، وشهدت المنطقة اشتباكات خطيرة بين الجيش المغربي وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
في تلك الأيام تصاع التوتر ليس فقط بين قيادة البلدين، ولكن أيضا بين الشعبين، وأصبح الغضب في المغرب شعبيا مما تحاول البوليساريو فعله ومن وراءها الجزائر التي استهدفت في تلك العملية تجارة المغرب مع دول جنوب الصحراء، وحتى المغاربة المتعاطفون مع الجزائر أو من يرون أن السياسة فخ للتفريق بين الشعبين، اتخذوا موقفا صارما اتجاه الجزائر.
ولم يتقلص هذا التوتر العسكري على الحدود مع موريتانيا، حتى أقدم المغرب في ديسمبر من العام نفسه على التطبيع مع إسرائيل في 10 ديسمبر 2020، وهو ما استفز الجزائريين أكثر، واعتبرته القيادة الجزائرية تهديدا وإدخال إسرائيل إلى شمال أفريقيا.
ورغم أن المغرب لديه علاقات تاريخية مع إسرائيل من قبل وكذلك موريتانيا وتونس، إلا أن الجزائر ترفض ذلك علنا على الأقل، بينما تتمتع بعلاقات جيدة مع ايران ومنذ 2018 والمغرب يحذر من أن الجزائر تساعد الدولة الشيعية في التمدد نحو شمال أفريقيا وكذلك في غرب أفريقيا.
منذ أواخر 2020 والتوتر بين المغرب والجزائر يأخذ منحى تصاعديا خطيرا، لم نرى مثيلا له منذ عقود، وتحولت الشبكات الاجتماعية إلى ساحة لتبادل الشتائم والتهم ورسائل التكفير وتزييف الأخبار والسخرية بين الشعبين.
رغم ذلك كانت خطابات الملك المغربي مسالة اتجاه الجزائر وطلب من المغاربة الذين يسيئون إلى الشعب الجزائري بالكف عن ذلك، وكان خطاب العرش 2021 شاهد على احدى مبادراته الإيجابية في 30 يوليو 2021، لكن لم تمر سوى بضعة أيام حتى أعلنت الجزائر في 24 أغسطس 2021 قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب ليرتفع التصعيد ويكون الحديث عن حرب عسكرية احتمالا واردا للغاية، ثم قررت الجزائر في أكتوبر من العام نفسه قطع الغاز الطبيعي عن المغرب بعد انتهاء الاتفاق الذي يقتضي تصدير جزء منه إلى المغرب بينما تستخدم الجزائر الخط الذي يمر عبر المملكة لتصدير الغاز إلى اسبانيا.
كل هذه التطورات الخطيرة والمتسارعة، ورفض الجزائر أي وساطة عربية أو دولية لحل الأزمة، وتصعيدها المستمر، حدث في عهد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون المستمر في الحكم.
رغم معاناة الجزائريين مع كورونا عام 2021 بصورة أكبر وانهيار الخدمات في عدد من المستشفيات ونفاذ الأوكسجين، ثم أزمات الحريق في أغسطس، إلى جانب تدهور المستوى المعيشي وارتفاع البطالة، إلا أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد نجح في تحقيق هدف مهم للغاية وإنجاز عظيم للقيادة العسكرية في البلاد، وهي اقناع الشعب الجزائري بأن التهديد الحقيقي على البلاد خارجي ومصدره الجارة الغربية تحديدا.
هذه الأفكار المسمومة تساعد القيادة الجزائرية على اكتساب شعبية داخلية جيدة، وتفادي أي حراك شعبي أو مظاهرات قد تهدد نظام الحكم العسكري الذي لا يريد الإنتقال إلى نظام ديمقراطي أو على الأقل نظام أفضل، يركز على الشأن الداخلي ويعتبره أساس النجاح.
تنفق الجزائر مليارات الدولارات ليس فقط على التسلح الذي يعد شأنها الخاص ولكن على شراء الذمم والمواقف الأفريقية الموالية لها ضد المغرب، وتدعم جبهة انفصالية منذ عقود طويلة، دون أن تنجح تلك الجبهة في تحقيق أي انجاز أو تنال الشرعية الدولية، وقد استغلت افتتاح بطولة إفريقيا للاعبين المحليين “الشان” المقامة حاليا بالجزائر من أجل بث تصريحات معادية للمملكة التي تغيب منخبها بسبب رفض التصريح لطائرة المنتخب بدخول الأجواء الجزائرية.
ورغم أن هذه السياسة حاليا ناجحة للرئيس الجزائري الذي يعتبره كثيرون دمية في يد النظام العسكري، إلا أنه مع أي انهيار لأسعار الطاقة مستقبلا، ستنكشف مجددا الحقيقة الاقتصادية المرعبة، وهي أن الإعتماد بشكل أساسي على صادرات النفط والغاز وتحكم القطاع العام في كل شيء وضعف القطاع الخاص كلها عوامل لا تصب في صالح جزائر أقوى ومستقرة على المدى الطويل.
إقرأ أيضا:
لماذا بورصة الجزائر صغيرة ومن أسوأ البورصات العربية؟
بورصة المغرب العملاقة أكبر من سوق الجزائر 110 مرة
التلفزيون الجزائري لا يعبر عن رأي شعب الجزائر الحر
الجزائر بوابة ايران في شمال أفريقيا
حرب المعسكرين: ايران والجزائر وروسيا ضد إسرائيل والمغرب وأمريكا
أين تذهب أموال الغاز والنفط الجزائري؟ الجواب في قانون المالية 2023
كيف ستدمر العقوبات الأمريكية الجزائر وما مصير الدينار؟
خلافات الجزائر مع دول الخليج ومصر والأردن والمغرب
قصة انبوب الغاز الجزائر اسبانيا ميدغاز