أحدث المقالات

سر دعم السعودية والإمارات لسوريا أحمد الشرع

منذ سقوط نظام بشار الأسد، الذي طالما سعت الدول...

إستونيا تعلن الحرب على أسطول الظل الروسي

سنخرق أي حكم قانوني - ونتحداكم أن توقفون،"، هذه...

المثلية الجنسية في زمن الفن المصري الجميل

كلنا تابعنا الهجوم العنيف على محمد رمضان بسبب أزيائه...

جيف بيزوس يوجه واشنطن بوست للدفاع عن الليبرالية

ضيّق جيف بيزوس، مالك صحيفة واشنطن بوست، نطاق المواضيع...

استحواذ الحكومة المصرية على شركة بلبن وعلاماتها التجارية

بعد اغلاق فروع شركة بلبن وعدد من العلامات التجارية...

هل أزمة كوبا 1962 تبرر الغزو الروسي لأوكرانيا 2022؟

هل أزمة الصواريخ الكوبية 1962 تبرر الغزو الروسي لأوكرانيا 2022؟

في خضم الجدل حول شرعية الغزو الروسي لأوكرانيا، يروج أنصار الكرملين لمقارنة تبدو جذابة ظاهريًا وتعتمد على أزمة نووية سابقة.

إذا كان للولايات المتحدة الحق في منع الصواريخ السوفيتية من التمركز في كوبا عام 1962، فلماذا لا يحق لروسيا منع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو؟ تبدو الحجة مقنعة للوهلة الأولى، لكنها في الواقع مقارنة مغلوطة ومضللة تتجاهل الفروق الجوهرية بين الحالتين.

فهم أزمة الصواريخ الكوبية 1962: تركيا مقابل كوبا

في عام 1961، قررت الولايات المتحدة نشر صواريخ “جوبيتر” النووية متوسطة المدى في تركيا، وهي دولة عضو في حلف الناتو وتتمتع بموقع استراتيجي قريب من الاتحاد السوفيتي، جاءت هذه الخطوة ردًا على تقارير استخباراتية تفيد بأن موسكو كانت تخطط لغزو تركيا، جارتها الجنوبية ذات الأغلبية المسلمة.

كانت صواريخ “جوبيتر”، التي يصل مداها إلى 2400 كيلومتر، قادرة على ضرب موسكو خلال دقائق، مما وضع القيادة السوفيتية في حالة تأهب.

بالنسبة للكرملين، كان هذا بمثابة تهديد استراتيجي مماثل لما شعرت به واشنطن عندما قرر السوفييت نشر صواريخهم الباليستية في كوبا.

في صبيحة 16 أكتوبر 1962، تلقت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) تقارير من طائرات التجسس الأمريكية “يو-2” التي كانت تحلق فوق كوبا، تؤكد وجود مواقع لإطلاق الصواريخ الباليستية السوفيتية، كانت هذه الصواريخ من طراز “R-12” و”R-14″، ويصل مداها إلى 4500 كيلومتر، ما يعني قدرتها على استهداف معظم المدن الكبرى في الولايات المتحدة.

شكّلت الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، التي تقع على بُعد 90 ميلاً من ساحل فلوريدا، خطراً مميتاً على سكان الولايات المتحدة.

بمجرد وصول هذه المعلومات إلى البيت الأبيض، دعا الرئيس الأمريكي جون كينيدي إلى اجتماع طارئ مع اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي لمناقشة الخيارات المتاحة.

بعد عدة أيام من الاجتماعات السرية، قرر الرئيس كينيدي فرض حصار بحري على كوبا لمنع وصول المزيد من الأسلحة السوفيتية إليها.

في 22 أكتوبر، ألقى كينيدي خطابًا متلفزًا أعلن فيه للعالم عن اكتشاف الصواريخ السوفيتية، ووصفها بأنها تهديد وجودي للأمن القومي الأمريكي.

في صباح 24 أكتوبر، اقتربت سفن الشحن السوفيتية المحملة بالمزيد من الصواريخ من خط الحصار الأمريكي، مما جعل العالم على شفا مواجهة نووية، إلا أن القيادة السوفيتية أصدرت أوامر للسفن بالتوقف قبل الوصول إلى منطقة الحصار، مما خفف التوترات بشكل مؤقت.

تصاعدت حدة الأزمة عندما أرسل الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف رسالتين متناقضتين إلى كينيدي. في الرسالة الأولى، عرض تفكيك الصواريخ في كوبا مقابل ضمانات أمريكية بعدم غزو كوبا، أما الرسالة الثانية، فكانت أكثر عدائية، حيث طالبت الولايات المتحدة بسحب صواريخها من تركيا أيضًا.

في 27 أكتوبر، أسقطت القوات السوفيتية طائرة تجسس أمريكية من طراز يو-2 فوق كوبا، مما زاد من احتمالات اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة، إلا أن كينيدي قرر تجاهل الرسالة العدائية والرد فقط على العرض الأول، ما مهد الطريق لحل دبلوماسي.

في 28 أكتوبر 1962، أعلن خروتشوف رسميًا عن موافقته على تفكيك وإزالة الصواريخ السوفيتية من كوبا، مقابل تعهد أمريكي بعدم غزو كوبا سرًا أو علنًا، كما وافقت واشنطن على سحب صواريخ جوبيتر من تركيا، لكن هذا الاتفاق ظل سريًا ولم يُعلن عنه إلا بعد سنوات.

من غزو القرم 2014 إلى الغزو الروسي لأوكرانيا 2022

على عكس أزمة الصواريخ الكوبية، التي انتهت بحل دبلوماسي، كان الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022 تتويجًا لسنوات من التوترات المتصاعدة والطموحات الجيوسياسية لموسكو.

لفهم السياق الحقيقي لهذا الغزو، يجب العودة إلى عام 2014، عندما بدأت روسيا أولى خطواتها لضم الأراضي الأوكرانية، في خطوة كشفت عن نواياها التوسعية منذ وقت مبكر.

في فبراير 2014، اندلعت احتجاجات شعبية واسعة في أوكرانيا ضد الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش، الذي فر إلى روسيا بعد تصاعد الغضب الشعبي ضده في ما عرف بثورة الميدان الأوروبي.

أراد الشعب الأوكراني المتحضر الديمقراطية والتوجه غربا ومكافحة الفساد الذي تعاني منه الديمقراطية الناشئة التي تسيطر روسيا على حكامها.

بعد سقوط الحكومة الموالية لموسكو، بدأت روسيا في استغلال الوضع لفرض نفوذها العسكري في أوكرانيا:

في 27 فبراير 2014، سيطرت قوات روسية بدون شارات رسمية، تعرف لاحقًا باسم “الرجال الخضر الصغار”، على مباني الحكومة والبرلمان في شبه جزيرة القرم.

في 16 مارس 2014، نظمت موسكو استفتاءً مزيفًا في القرم، أعلنت فيه أن 97% من السكان صوتوا لصالح الانضمام إلى روسيا، وهو ما رفضته أوكرانيا والمجتمع الدولي.

في 18 مارس 2014، وقع فلاديمير بوتين مرسومًا بضم القرم رسميًا إلى روسيا، في خطوة أدانتها الأمم المتحدة وفرضت على إثرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على روسيا.

هذا الحدث شكل نقطة تحول في السياسة الخارجية الروسية، حيث أثبت أن الكرملين مستعد لاستخدام القوة العسكرية للاستيلاء على أراضٍ تابعة لدولة ذات سيادة، وهي سابقة خطيرة في العلاقات الدولية الحديثة.

بعد ضم القرم، لم تتوقف الطموحات الروسية عند هذا الحد، بل امتدت إلى منطقة دونباس شرق أوكرانيا، حيث دعمت موسكو الانفصاليين الموالين لها في جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك غير المعترف بهما دوليًا.

في 12 أبريل 2014، بدأت الجماعات الانفصالية المدعومة من روسيا في السيطرة على المباني الحكومية في دونيتسك ولوهانسك، وأعلنتا استقلالهما لاحقًا.

في 17 يوليو 2014، أسقطت القوات الانفصالية المدعومة من روسيا طائرة الركاب الماليزية MH17 بصاروخ روسي، مما أسفر عن مقتل 298 شخصًا.

في 5 سبتمبر 2014، تم توقيع اتفاق مينسك 1 بين أوكرانيا والانفصاليين برعاية روسيا، لكنه لم يصمد طويلًا.

في 12 فبراير 2015، تم توقيع مينسك 2، وهو اتفاق آخر لوقف إطلاق النار، لكنه لم ينفذ بالكامل، واستمرت الاشتباكات لسنوات.

خلال هذه الفترة، دعمت روسيا الانفصاليين بالأسلحة والتمويل والتدريب، لكنها لم تتدخل عسكريًا بشكل مباشر، مما جعل الغزو الشامل لأوكرانيا عام 2022 تطورًا جديدًا غير مسبوق.

في عام 2021، بدأت روسيا أكبر عملية حشد عسكري على حدود أوكرانيا منذ الحرب الباردة، ووفقًا للتقارير الاستخباراتية الغربية، بدأت موسكو في التخطيط لغزو شامل قبل أشهر من تنفيذه.

الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا بدون مبرر مقنع

رغم أن الناتو رفض انضمام أوكرانيا من قبل وكذلك الإتحاد الأوروبي الذي لاحظ أنها دولة ديمقراطية ناشئة تعاني من الفساد الحكومي إلا أن روسيا تجاهلت ذلك واتجهت إلى الغزو لأوكرانيا.

في أبريل 2021، حشدت روسيا أكثر من 100,000 جندي بالقرب من الحدود الأوكرانية تحت ذريعة “التدريبات العسكرية”.

في ديسمبر 2021، قدمت روسيا مطالب إلى الناتو تطالب بمنع أوكرانيا من الانضمام إلى الحلف وسحب قوات الناتو من شرق أوروبا، وهو ما رفضه الحلف.

في 21 فبراير 2022، اعترف بوتين رسميًا بـ”استقلال” جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك، وأمر بإرسال قوات إلى المنطقة تحت ذريعة “حفظ السلام”.

في فجر 24 فبراير 2022، أعلن بوتين بدء “عملية عسكرية خاصة”، والتي تحولت إلى أكبر حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

شنت القوات الروسية هجومًا شاملاً على العاصمة كييف، بهدف الإطاحة بالحكومة الأوكرانية وتنصيب نظام موالٍ لموسكو، واجهت القوات الروسية مقاومة شرسة في ثاني أكبر مدينة أوكرانية، مما أجبرها على التراجع لاحقًا.

لم يكن لدى أوكرانيا أي فرصة للانضمام إلى حلف الناتو وتشكيل تهديد لروسيا، لأن الانضمام يتطلب موافقة جميع أعضاء الناتو بالإجماع، وبشكل غير رسمي، لا توجد نزاعات إقليمية بين أوكرانيا وحلف الناتو، ولكن يمكن لأي دولة عضو في الناتو أن تطلب أي نوع من الشروط من أوكرانيا للسماح لها بالانضمام إلى الناتو.

نظراً لدخول أوكرانيا في نزاع إقليمي مع روسيا في دونباس منذ عام 2014، وحكم أوربان الموالي لروسيا للمجر، واعتماد ألمانيا الكبير على الغاز الروسي، وضعفها العام، فإن هذا يعني عملياً أن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العقود المقبلة، ولن تُشكّل تهديداً لروسيا، بل ستكون نقطة انطلاق لغزو عسكري لدول الناتو.

إضافةً إلى ذلك، يحظر الدستور الأوكراني وجود قواعد عسكرية أجنبية، لذا، على عكس كوبا، لن تسمح أوكرانيا حتى بإقامة أي منشآت تابعة للناتو على أراضيها.

الغزو الروسي لأوكرانيا سيحدث في كل الأحوال

لم يكن الغزو الروسي مجرد رد فعل على تهديد أمني، بل كان جزءًا من رؤية أيديولوجية أوسع لتوسيع النفوذ الروسي، وقد عبر عدد من المفكرين الروس الموالين للكرملين عن هذه الطموحات بشكل صريح:

  • ألكسندر دوغين، الذي يوصف بأنه “عقل بوتين”، دعا إلى إنشاء إمبراطورية روسية جديدة تضم أوكرانيا وأجزاء أخرى من أوروبا الشرقية.
  • سيرغي كاراجانوف، أحد مستشاري الكرملين، اعتبر أوكرانيا “جزءًا لا يتجزأ من روسيا”، وقال إن الغزو ضروري لإعادة توحيد الأمة الروسية.
  • فلاديمير سولوفيوف، أحد أبرز الإعلاميين الروس، وصف الحرب بأنها “صراع حضاري ضد الغرب” وليست مجرد نزاع إقليمي.

يرى القوميون الروس أن كييف هي “أم المدن الروسية”، حيث نشأت الدولة السلافية الشرقية الأولى، كييفان روس، في القرن التاسع.

وفقًا للرواية الروسية، فإن أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا ينحدرون من نفس الجذور الحضارية، مما يجعل انفصال أوكرانيا عن روسيا “مصطنعًا” في نظرهم.

خلال الحقبة السوفيتية، كانت أوكرانيا جزءًا أساسيًا من الاتحاد السوفيتي، ولعبت دورًا رئيسيًا في الاقتصاد والصناعة والثقافة السوفيتية.

بعد استقلالها، تحولت أوكرانيا تدريجياً نحو الغرب، خاصة بعد الثورة البرتقالية 2004 وثورة الميدان الأوروبي 2014، مما زاد من قلق موسكو التي تفضل استعباد الأوكرانيين.

وتخشى أيضا روسيا أن تصبح أوكرانيا نموذجًا ديمقراطيًا ناجحًا لدول ما بعد الإتحاد السوفيتي، مما قد يهدد نظام بوتين الاستبدادي حيث سيدفع ذلك الشعب الروسي للثورة ضد النظام الحالي.

وتحاول روسيا فرض الثقافة الروسية في المناطق التي احتلتها، عبر تغيير المناهج الدراسية، وإجبار السكان على حمل الجنسية الروسية، ومعاقبة من يتحدث الأوكرانية.

في خطاب بوتين قبل الغزو في 21 فبراير 2022، أنكر وجود “هوية أوكرانية مستقلة”، معتبرًا أن أوكرانيا كيان مصطنع خلقه الغرب.

ثورة الميدان الأوروبي 2014: نقطة التحول التي دفعت روسيا إلى غزو أوكرانيا

في نوفمبر 2013، اندلعت مظاهرات حاشدة في العاصمة الأوكرانية كييف بعد قرار الرئيس آنذاك، فيكتور يانوكوفيتش، تعليق توقيع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، والانحياز إلى روسيا.

  • المتظاهرون رأوا أن القرار جاء نتيجة ضغوط روسية، واعتبروه خيانة لطموح أوكرانيا الأوروبي.
  • المظاهرات، التي بدأت سلمية، تصاعدت بعد قمع أمني شديد، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى.

في فبراير 2014، وتحت ضغط الشارع، هرب يانوكوفيتش إلى روسيا، وشكل البرلمان الأوكراني حكومة مؤقتة موالية للغرب.

منذ اللحظة الأولى، اعتبرت موسكو أن ما حدث لم يكن ثورة شعبية، بل مؤامرة مدبرة من الغرب لإسقاط الرئيس الأوكراني متجاهلة تماما أن ما حدث إرادة شعبية.

بعد سقوط يانوكوفيتش، شهدت أوكرانيا صعودًا لأحزاب قومية مثل حزب سفوبودا وكتيبة آزوف، التي وصفتها موسكو بأنها نازية جديدة تهدد الروس في أوكرانيا.

هذا الصعود للقوميين هو أكبر دليل على ان الأوكرانيين يريدون الخروج من الفلك الروسي وبناء دولة متقدمة حقيقية على النموذج الغربي الليبرالي.

لكن لأن روسيا تكره الديمقراطية وليست دولة ليبرالية حيث تعتقل المعارضين وتقتلهم تصرفت على نفس النحو مع أوكرانيا، وهذه القصة برمتها.

وبناء على ما سبق يبدو استخدام أزمة الصواريخ الكوبية لتبرير شرعية الغزو الروسي لأوكرانيا ما هي إلا مغالطة فادحة وهذه المقالة هي للرد عليها.

اشترك في قناة مجلة أمناي على تيليجرام بالضغط هنا.

تابعنا على جوجل نيوز 

تابعنا على فيسبوك 

تابعنا على اكس (تويتر سابقا)