رهاب العري (Gymnophobia)

يُعد رهاب العُري أو Gymnophobia أحد اضطرابات القلق النوعية التي تتجلى في خوفٍ شديد وغير منطقي من التعرّي أو رؤية الجسد العاري، سواء كان ذلك الجسد هو جسد الشخص نفسه أو أجساد الآخرين.

لا يقتصر هذا الاضطراب على الشعور بالخجل الاجتماعي، بل يمتد ليُحدث استجابات فسيولوجية ونفسية قد تُعطّل حياة المصاب اليومية، وعلاقاته الاجتماعية، وصحته النفسية على المدى الطويل.

إنه اضطراب نفسي يُصنف كرهاب محدد ضمن اضطرابات القلق، يُسبب معاناة شديدة ويُعيق الحياة اليومية، يُعرف بأنه خوف مفرط ومستمر من العري، يُثير نوبات هلع حتى في سياقات آمنة مثل غرف تغيير الملابس أو الفحوصات الطبية.

ما هو رهاب العُري؟

يُشتق مصطلح Gymnophobia من الكلمة اليونانية “gymnos” التي تعني “عاري”، و”phobos” التي تعني “خوف”.

يُعرف هذا الرهاب كخوف غير منطقي ومستمر من العري، يشمل القلق الشديد من رؤية الآخرين عراة، أو التعرض للعري الشخصي، أو كليهما.

وفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، يُصنف Gymnophobia كرهاب محدد ضمن فئة “آخر”، حيث يجب أن يستمر الخوف لأكثر من 6 أشهر، ويُسبب ضائقة كبيرة تُعيق الأنشطة اليومية.

يختلف رهاب العري عن الإحراج الطبيعي أو الخجل الثقافي، فالمصاب يدرك أن خوفه غير منطقي، لكنه لا يستطيع السيطرة عليه.

قد يتداخل مع اضطرابات أخرى مثل اضطراب تشوه صورة الجسم (Body Dysmorphic Disorder)، أو الرهاب الاجتماعي، لكنه يركز تحديداً على العري كمحفز رئيسي.

إحصائياً، الرهاب المحدد شائع (يُصيب 7-9% من السكان)، لكن رهاب العري نادر نسبياً بسبب طبيعته الخاصة، وغالباً ما يستفحل في المجتمعات المحافظة والمتشددة مثل المجتمعات الإسلامية والمسيحية المتأثرة بخطاب شيطنة العري اجمالا وخصوصا شيطنة جسد المرأة.

الأسباب العلمية وراء رهاب العُري

لا يوجد سبب واحد مباشر، بل تتداخل عدة عوامل نفسية وعصبية واجتماعية:

  1. الصدمات النفسية المبكرة
  • التعرض لتحرش أو اعتداء جنسي في الطفولة
  • التنمّر أو السخرية من الجسد
  • تجارب إذلال مرتبطة بالعري
  1. التربية الصارمة والنظرة السلبية للجسد
  • ربط الجسد بالخطيئة أو العيب
  • تنشئة دينية أو ثقافية متشددة تجاه العري
  • غياب التثقيف الجنسي الصحي
  1. اضطرابات صورة الجسد
  • تشوّه إدراك شكل الجسد
  • القلق المفرط بشأن العيوب الجسدية
  • ارتباط وثيق باضطرابات مثل اضطراب تشوّه الجسد (BDD)
  1. العوامل العصبية

تشير دراسات علم الأعصاب إلى فرط نشاط اللوزة الدماغية (Amygdala)، وهي المنطقة المسؤولة عن معالجة الخوف، ما يجعل استجابة القلق مبالغًا فيها عند التعرض لمحفزات مرتبطة بالعري.

هذه العوامل تتفاعل، مما يجعل الرهاب يتطور تدريجياً، ويُفاقم في سن المراهقة مع تغيرات الجسم.

أعراض رهاب العري

تظهر الأعراض عند التعرض للمحفز أو حتى التفكير فيه، مقسمة إلى:

أعراض جسدية:

  • تسارع نبضات القلب وضيق التنفس.
  • تعرق غزير، رعشة، دوخة، أو غثيان.
  • ارتفاع ضغط الدم أو نوبات هلع كاملة.

أعراض نفسية:

  • أفكار كارثية مثل “سيحكمون عليّ” أو “سأُهان”.
  • شعور بالعار الشديد أو الذعر غير المنضبط.

أعراض سلوكية:

  • تجنب الشواطئ، الصالات الرياضية، الحمامات العامة، أو العلاقات الحميمة.
  • ارتداء طبقات ملابس إضافية حتى في الطقس الحار.
  • عزلة اجتماعية أو صعوبة في الفحوصات الطبية.

هذه الأعراض تُعيق الحياة، مما يؤدي إلى اكتئاب أو اضطرابات أخرى إذا لم يُعالج.

الفرق بين رهاب العري والرهاب الاجتماعي

يُشخص Gymnophobia سريرياً بناءً على معايير DSM-5: خوف مفرط لأكثر من 6 أشهر، يُسبب ضائقة، ولا يُفسر بحالة طبية أخرى، ويعتمد التشخيص على مقابلة نفسية وتقييمات.

يختلف عن الرهاب الاجتماعي (الخوف من الحكم في المواقف الاجتماعية)، حيث يركز الرهاب الاجتماعي على التفاعل، بينما هذا النوع من الرهاب على العري تحديداً، حتى في غياب الآخرين (مثل الاستحمام وحده).

التشخيص الطبي لرهاب العري

يُشخَّص رهاب العري من قبل مختص في الصحة النفسية وفق معايير الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية DSM-5، وتشمل:

  • استمرار الخوف لأكثر من 6 أشهر
  • استجابة قلق فورية عند التعرض للمثير
  • تجنّب واضح يؤثر على نمط الحياة
  • عدم تناسب الخوف مع الخطر الحقيقي

علاج رهاب العري: طرق فعالة ومدعومة علمياً

يُعالج Gymnophobia بنجاح عالي، خاصة بالعلاج المبكر:

  • العلاج السلوكي المعرفي (CBT): الأكثر فعالية، يُحدد الأفكار السلبية ويُعدلها.
  • علاج التعرض: تدريجي (من التخيل إلى الواقع)، يُقلل الحساسية بنسبة 70-90%
  • العلاج الدوائي: مضادات القلق أو الاكتئاب (SSRIs) للأعراض الشديدة.
  • طرق مساعدة: تمارين الاسترخاء، اليوغا، أو مجموعات الدعم.

في النهاية يمكن الشفاء من هذا الرهاب بنسبة كبيرة خصوصا إذا خاض هذا الشخص تجارب التعري في حمامات الاستحمام العمومية والشواطئ بشكل متكرر وحارب الأفكار السلبية عن جسده وأجساد الآخرين.

التحرر من المعتقدات الدينية المتشددة يمكنه أن يساعد بشكل مذهل في علاج هذا الرهاب.