
قد لا تصبح سوريا أفغانستان جديدة في نهاية المطاف وهذه المخاوف المشروعة مبالغ فيها، لأن ما يحدث في سوريا بأكمله هذه المرة مختلف تماما.
على العلن تقود هيئة تحرير الشام المرحلة الإنتقالية في سوريا والتي ستشهد وضع دستور جديد وقوانين ووضع الأساس لسوريا الجديدة، لكن في الواقع هناك من يرسم لهذا البلد مستقبلا.
تركيا لا تريد أفغانستان على حدودها
رغم أن تركيا أردوغان إسلامية الهوى وتدعم الجماعات الإسلامية وعلى رأسها الإخوان المسلمين، إلا أنها لن ترغب في تقديم نموذج إسلامي دموي بدوي في سوريا كي لا تكون هذه الضربة الأخيرة للإسلام السياسي.
لقد فضح الإخوان في مصر وداعش في سوريا والعراق والنصرة والقاعدة همجية الخلافة الإسلامية التي يريدون استعادتها وحتى فئة كبيرة من المسلمين لا يريدون لهذه الجماعات أن تنجح لأنها ستحول الدول إلى زرائب بدوية حقيقية.
إذا أصبحت سوريا أفغانستان أو اتجهت في هذا الطريق، لن يسكت الدروز والعلويون والشيعة والعلمانيين والحداثيين وحتى المسلمين السنة الحداثيين وستكون هناك حرب أهلية ثانية.
حينها ستثبت التجربة الإسلامية الناشئة فشلها وسيتعرض الإسلام السياسي في الشرق الأوسط للضربة القاتلة هذه المرة، وهو تيار تدهور بعد فشل الثورات العربية.
تدير أنقرة المشهد السوري لهذا السبب هناك توجيهات منهم للجولاني ومن معه بالمضي قدما في الخارطة المرسومة لهم، وأي خروج عن النص سيؤدي إلى اضطرابات كبرى.
طبيعة سوريا المختلفة عن أفغانستان
من المستبعد أن تكون سوريا أفغانستان جديدة فهي دولة متنوعة الأعراق والطوائف وشعبها ليس متشددا، كما أنها ليست دولة قبلية.
هذا التنوع الشديد في سوريا يجعلها دولة تميل أكثر إلى الحداثة والمدنية والعلمانية أكثر من القبلية والبدوية وحكم القبيلة أو الخلافة.
يعيش في سوريا السنة والشيعة والعلويين والدروز والبهائيين والملحدين والعلمانيين جنبا إلى جنب، كما أن المرأة السورية متحررة مقارنة بنظيرتها العربية وحققت مكاسب تعليمية وعملية من الصعب أن تتخلى عنها.
وكان نظام بشار الأسد بالرغم من كل سلبياته قادرا على استيعاب هذه الطوائف واحتفظت الأقليات بخصوصيتها الدينية والعقائدية.
ويمكن البناء على نظام سوريا السابق من الناحية المدنية والدولة الحداثية، مع تشديد قوة الديمقراطية من خلال تعدد الأحزاب والمعارضة الحقيقية.
الدول العربية ضد سوريا على شكل أفغانستان
لا تريد الحكومات العربية أن تكون سوريا الجديدة دولة على شكل أفغانستان وتعمل بمعاييرهم، لأن هذا من شأنه أن يشجع حركات الإسلام السياسي على قلب الطاولة في تلك الدول.
وتعد الإمارات ومصر والأردن والسعودية من أبرز الدول التي ترفض حاليا الأحزاب الإسلامية والدينية لكونها متشددة وضد ما يحدث في الشرق الأوسط من تحديث.
تخلت السعودية عن دعم الوهابية والسلفية في عهد الملك سلمان، خصوصا وأن هذا الفكر هو المسؤول عن ظهور داعش والنصرة وقبلهما القاعدة.
وقد انتشرت السلفية الجهادية في العالم وهددت الأنظمة المستقرة واستهدفت الأبرياء وحاولت تصدير حرية الأفراد وشكلت مشكلة من مشاكل الشرق الأوسط العديدة.
مع سقوط الميليشيات الشيعية الموالية لإيران وانحسار مشروعها التوسعي، لن تسمح الدول العربية لتلك الجماعات السنية المتشددة بملأ الفراغ.
إسرائيل مهددة بسبب الخلافة الإسلامية المزعومة
في نهاية المطاف إسرائيل دولة حقيقية قائمة على الديمقراطية والعلمانية، ويتضمن جيشها اليهود والدروز والمسلمين، وهي دولة معترف بها من قبل معظم دول العالم.
ليس لدى الدول العربية في النهاية سوى الجلوس معها والتعامل تجاريا واقتصاديا وماليا معها، وهذا ما تفعله مصر والأردن والإمارات والمغرب ودول ذات غالبية إسلامية مثل تركيا وأذربيجان.
الخلافة الإسلامية المزعومة تريد إبادة اليهود وتدعم مشروع فلسطين من النهر إلى البحر، وهو ما لن تسمح به إسرائيل ولن يسمح به المجتمع الدولي الذي لن يرغب في تكرار محرقة أخرى لليهود.
وجود دولة إسلامية متشددة في سوريا على شكل أفغانستان وتتبنى الأفكار الإسلامية المتطرفة اتجاه اليهود سيجعلها في مواجهة عسكرية ضد إسرائيل والأخيرة ستفوز في النهاية.
المجتمع الدولي ضد الأنظمة التي تهدد النظام العالمي الليبرالي
تدرك الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والصين وروسيا خطورة الإسلام السياسي الذي كان وراء أحداث 11 سبتمبر التي هزت العالم وما تلاها من تفجيرات في مدريد والدار البيضاء وفرنسا وألمانيا وروسيا.
ولن يسمح المجتمع الدولي لهذا المشروع السياسي أن يهدد النظام العالمي الليبرالي القائم حاليا، والذي يحث على أن تكون لكل دولة حدود خاصة بها وجيش دفاعي ويمنع الاحتلال للدول.
سقوط هذا النظام يعني أن القوي سيأكل القريب، ويصبح العالم غابة حيث ستحتل القوى الكبرى الدول الأصغر والأضعف، ولن يكون هناك نظام عالمي منظم للعلاقات.
وبالرغم من عيوب النظام العالمي الحالي والذي تحاول روسيا والصين تقويضه، إلا أنه أفضل من عصر الخلافات والامبراطوريات الإستعمارية، والخلافة الإسلامية تنتمي لعصر قد انتهى.
لن يكون هناك اعمار في سوريا بدون بناء دولة حقيقية
تعاني أفغانستان اليوم من حصار دولي تتجلى في المجاعة والفقر والفشل التي تعاني منه تلك الدولة التي اختارت حكم طالبان ولم يتحرك الشعب الأفغاني لإسقاطهم.
كذلك سوريا بحاجة إلى تجنب هذا الفخ وإلا لن ترفع الولايات المتحدة العقوبات ولن يكون هناك تطبيع دولي مع دمشق، وبالتالي مشاريع الإعمار الضخمة التي تنتظر سوريا لن تتحقق.
هذه المرة ستجد سوريا نفسها وحيدة حيث لا إيران ولا روسيا ولا المجتمع الدولي سيدعمها، كما أن تركيا لا تملك الإمكانيات المالية الضخمة لإعمار جارتها.