
تراجع وباء كورونا بفضل تزايد عمليات التلقيح وعدد الملقحين حول العالم، لكن في ذات الوقت سقط الملايين من الناس حول العالم في فخ الفقر وحققت المجاعة مكاسب غير مسبوقة منذ عقود.
ولم تعد المجاعة محصورة في دول شرق أفريقيا أو وسط القارة السمراء حيث النزاعات المسلحة والجماعات الإرهابية تنتشر وكذلك الجفاف، بل هي موجودة في أغلب قارات العالم.
المجاعة متفوقة على الوباء حاليا:
عالميا هناك 5 وفيات بسبب كورونا مقابل 11 قتيلا في المجاعة كل دقيقة، وهذا يعني أن الجوع أكثر فتكا للأرواح من الوباء الذي يحاربه العالم.
هذه ليست دعوة للتوقف عن محاربة الوباء، ربما بعد تحقيق المناعة الجماعية والقضاء عليه وعودة السياحة الدولية والسفر لما كانت عليه من قبل سيستعيد الملايين من الناس وظائفهم وسيتراجع الفقر مجددا ومعه الجوع.
تجمع المنظمات العالمية المتخصصة في مكافحة الفقر والجوع، على أنه ينبغي للمجتمع الدولي مواجهة المشكلتين المتناميتين لأنهما يهددان السلم الدولي.
الكثير من المجتمعات معرضة للفوضى بسبب الجوع، وثورات الربيع العربي ليست بعيدة عنا، حيث جاءت بعد الأزمة المالية العالمية لسنة 2008 والتي شهدت فيما بعد ارتفاع أسعار الأغذية وانتشار البطالة.
الوضع الحالي مشابه لظروف بداية العقد الماضي، وهناك غضب شعبي متنامي حول العالم، يمكن رصده في الشبكات الإجتماعية، لكن هل سيؤدي إلى الفوضى؟ لا نعرف لكن على الأرجح نعم.
الجفاف ينتشر في العالم ومعه الجوع:
حالات الجفاف هذا العام هي امتداد لنقص المياه لعدة سنوات، لأسباب تختلف من بلد إلى آخر، ومع ذلك بالنسبة لمعظم المنطقة، فإن حالات الجفاف تتقدم في التقويم الخاص بتغير المناخ مما يوفر طعمًا للتحديات المقبلة في تأمين سلعة ثمينة بشكل متزايد: المياه.
وقالت ليزا فيسسيدي، خبيرة الطاقة والمناخ في منظمة حوار الدول الأمريكية التي تتخذ من واشنطن مقراً لها: “إنها مشكلة متصاعدة، وحقيقة أننا نشهد المزيد والمزيد من هذه الأحداث، والمزيد من الأحداث المتطرفة، ليس من قبيل الصدفة”، وأضافت: “هذا بالتأكيد لأننا نشهد آثار تغير المناخ”.
تعد أمريكا اللاتينية واحدة من العديد من المناطق التي ضربها الجفاف الشديد في جميع أنحاء العالم، توجد الآن البقع الساخنة الحادة بما يكفي للتسبب في خسائر المحاصيل على نطاق واسع ونقص المياه وارتفاع مخاطر الحرائق في كل قارة خارج القارة القطبية الجنوبية.
يعمل المزارعون في ولاية أريزونا على الحد من استخدام المياه وسط التدهور الكارثي لنهر كولورادو، يذبل شمام كاليفورنيا في كرومهم، يُلقى باللوم جزئيًا على الجفاف في مدغشقر فيما تسميه الأمم المتحدة أول مجاعة مناخية في العالم.
يقول العلماء إن مثل هذه الكوارث ستزداد سوءًا مع ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، ويتوقع أحدث تقييم مناخي من اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة أن ثلث مناطق اليابسة في العالم ستعاني على الأقل من الجفاف المعتدل بحلول نهاية القرن.
في أمريكا اللاتينية يهدد تأثير الجفاف بالارتفاع إلى مليارات الدولارات، في جميع أنحاء المنطقة يتم قياس سعر الجفاف التاريخي في المحاصيل المفقودة، وتباطؤ التعدين، وارتفاع تكاليف النقل ونقص الطاقة في منطقة تعتمد بشكل كبير على الطاقة الكهرومائية.
أمريكا اللاتينية والمجاعة:
في البرازيل تراجع استهلاك اللحوم وينتشر الجوع، في أغسطس بلغ معدل التضخم خلال عام 9,68%، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 14%.
تناول 67% من المشاركين في استطلاع رأي بالبرازيل كميات أقل من اللحوم الحمراء، وقال 35% إنهم يستهلكون كميات أقل من الأرز والفاصوليا السوداء التي تعد أساسية.
قبل أيام احتل المشردون مقر البورصة البرازيلية بسبب المجاعة حيث يعاني 19 مليون برازيلي من الجوع، وعبر هؤلاء عن غضبهم من الظروف التي تمر منها البلاد.
بينما تعاني تشيلي من جفاف مستمر منذ 13 عامًا، وهو الأطول والأكثر شدة منذ 1000 عام، تقبع البرازيل في أسوأ جفاف منذ 91 عاما ويعاني 19 مليون برازيلي من الجوع.
بسبب الجفاف انخفض ممر بارانا – باراغواي المائي، الذي يمر عبر الأرجنتين وحتى باراغواي، إلى أدنى مستوياته منذ 77 عامًا ويهدد الأمن الغذائي حيث يشكل أكثر من 90 في المئة للصادرات والواردات إلى البلاد.
تسمح قناة الحياة هذه للسفن بنقل 96 في المائة من الواردات والصادرات الدولية للبلاد، يتعين على سفن الشحن أن تخفف حمولاتها بشكل كبير.
في الأرجنتين تتعرض البلاد لضربة مزدوجة، تشهد المناطق الشمالية والوسطى أنماط الطقس الأكثر جفافاً التي تؤثر على أجزاء من البرازيل، حتى عندما تتعرض مناطق الأنديز فيها للظروف التي تسرق الرطوبة من وسط تشيلي.
في بلد معروف منذ فترة طويلة باسم سلة الخبز العالمية، حيث 70 في المائة من الصادرات عبارة عن سلع غذائية مثل فول الصويا والذرة، يضرب الجفاف المزارعين والاقتصاد الأوسع تمامًا كما تكافح البلاد للخروج من الركود الذي زاد سوءًا بسبب جائحة.
ارتفاع أسعار الغذاء عالميا:
تواجه المملكة المتحدة احتمال نقص الغذاء بسبب ارتفاع أسعار بيع الغاز بالجملة بنسبة 250٪ منذ بداية العام، بما في ذلك زيادة بنسبة 70٪ منذ أغسطس.
وفي الوقت ذاته انخفضت صادرات القمح الروسي بعد أن قفزت أسعاره في أغسطس إلى مستويات غير مسبوقة وتراجع الإنتاج بسبب المناخ.
في تركيا، تراجعت شعبية الرئيس رجب طيب أردوغان بسبب الإقتصاد وتكلفة المعيشة، وتسارع تضخم الغذاء للشهر الرابع في أغسطس، إلى 29%.
أظهرت بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أن أسعار الغذاء عالميا ارتفعت بنسبة 33% في أغسطس على أساس سنوي، وبهذا يتحقق ارتفاعا في أسعار الغذاء لأعلى مستوى منذ 60 عاماً.
عربيا يعد المغرب والإمارات وقطر وسلطنة عمان الأقل تضررا على العكس تتصدر الجزائر والسعودية المتضررين من زيادة الأسعار.
وليس من المرجح حل الأزمة قريباً بسبب الطقس القاسي وارتفاع تكاليف الشحن وتزايد التضخم، وتضرب موجات الجفاف دولا أخرى مثل الجزائر وتونس وتايوان.
المجاعة تهدد العالم كله:
عانى أكثر من 768 مليون شخص حول العالم من الجوع في عام 2020، بزيادة قدرها أكثر من 100 مليون مقارنة بالعام السابق.
في أكثر من 43 دولة، قد يتسبب خطر المجاعة في تجويع 41 مليون شخص، ويطالب برنامج الغذاء العالمي بمبلغ 6 مليارات دولار لمعالجة هذا الوضع العصيب.
يقول العلماء أن 50٪ من الغذاء الذي ننتجه قد يُفقد بسبب تغير المناخ، وهذا يعني أن الإنتاج الغذائي في السنوات القادمة قد يتراجع ما يفتح الباب لحدوث مجاعة عالمية واسعة النطاق.
طلب برنامج الغذاء العالمي 5.5 مليار دولار للتعامل مع المجاعة المستمرة، إذا لم يتم تقديم تلك المساعدة الإنسانية، فقد يؤدي ذلك إلى نزاعات مسلحة ومجاعات قد يستغرق سنوات لحلها.
أصبحت مدغشقر أول دولة تعاني من المجاعة بسبب التغير المناخي، ويقاوم الناس هناك الجوع بأكل التراب الأبيض والحشرات، أما في اليمن فإن المجاعة تهدد الآن 16 مليون يمني.
إقرأ ايضا:
المجاعة تتفوق على الوباء في زمن كورونا
الحشرات الصالحة للأكل خيار أوروبا لتجنب المجاعة القادمة
كل شيء عن المجاعة في جنوب السودان
توقعات 2021: المجاعة العالمية على الأبواب