بعيدا عن حروب الشرق الأوسط الدموية و الطائفية، هناك حرب مدمرة تدور بين أقوى دولتين في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تزال الرقم 1 رغم كل التحديات بما فيها العجز الاقتصادي الذي تعيشه بشكل صريح منذ 2008 ضد جمهورية الصين الشعبية التي رسمت حلم الريادة في العالم منذ تأسيسها سنة 1949 بعد التحرر من الإستعمار الياباني الغاشم و التي أكدتها إصلاحات 1978 الممهدة لصين اليوم لتصبح الرقم الثاني بلغة الاقتصاد و الأولى في الكثير من الجوانب مؤخرا.
إنفتاح الصين على العالم و تألقها في التجارة مع الحفاظ على قيمها و مبادئها يقلق الأمريكيين، فهي لم تذب كليا في الرأسمالية و لا تزال تحافظ على أسس الشيوعية و الإشتراكية و لديها طموحات مخيفة لواشنطن، أولها إنهاء حقبة أمريكا و بالتالي انتقال القوة العسكرية و المالية و التجارية من الغرب إلى الشرق.
الحرب الإلكترونية بين البلدين هي نتاج لهذا التنافس بينهما، و هي حديث الساعة في ظل الأحداث المتسارعة زمنيا و التي نسمع بها مؤخرا.
بذات الوقت هذه الحرب التي اندلعت خلال السنوات الأخيرة تعد ساحة حرة للقتال بين القوتين، دون دماء و قنابل أو خسائر في الأرواح لكن الخسائر الاقتصادية حاضرة بقوة في الجانب الأمريكي الذي يتعرض بالفعل للهجوم من بكين.
بعد أن أصبح واضحا أن هناك تنافس و صراع بين القوتين و لماذا هو قائم منذ قيام جمهورية الصين الشعبية سنتطرق في هذا المقال للحديث عن الدوافع الخمسة التي تقف وراء استمرار الحرب الالكترونية بين البلدين رغم تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ بوقف تلك الهجمات و هو ما لم يحدث في الحقيقة إلى الآن.
- التجسس و الحصول على بيانات عسكرية
يحاول كلا البلدين الإطلاع على حقيقة ما يملكه الآخر من أسلحة و قواعد عسكرية و لما لا الخطط و الأطماع؟ و فيما تعتمد الولايات المتحدة الأمريكية على الانترنت في الاتصالات الداخلية تستخدم الصين نقطة ضعف غريمها الغربي للوصول إلى هذه المعلومات.
بالعودة إلى سنة 2007 نجد أن الصين تمكنت من اختراق شبكة حواسيب البنتاجون و الوصول إلى وثائق داخلية و سرية لخطط عسكرية و كان حاسوب وزير الدفاع آنذاك روبرت جيتس واحدا من الحواسيب المتضررة في هجوم هز العلاقات المتوترة بين البلدين، و أظهر ضعف البنية التحتية للولايات المتحدة الأمريكية أمام الهجمات الإلكترونية الصينية.
و لم يكن ذلك الهجوم هو الأخير، فقد اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية أن كلا البلدين يحاولان الوصول إلى المعلومات العسكرية الأكثر دقة عبر التجسس و الاختراق الإلكتروني.
- هجمات إلكترونية لتوجيه رسائل قوية للصحافة المعادية
لطالما تعرضت العديد من الصحف الأمريكية لهجمات الكترونية مصدرها الصين، واشنطن بوست و نيويورك تايمز كانت أكثر الصحف تضررا من هذه الهجمات.
و تأتي بعد نشر تقرير ينتقد حقوق الإنسان في الصين أو يتحدث عن الزعماء الصينيين بشكل لا يرضي الحكومة الصينية.
و يأتي هذا الاختراق على شكل تهديدات في البريد الإلكتروني أو تعطيلا لأنظمة هذه المؤسسات و سرقة المعلومات الخاصة بالصحفيين العاملين فيها.
- هجمات لسرقة الأسرار التجارية للشركات الأمريكية
تشتكي واشنطن من الهجمات المتكررة التي تقوم بها بكين و شركاتها على المؤسسات الأمريكية من أجل شل أنظمتها للوصول إلى أسرارها.
و ترى أن اطلاق منتجات شبيهة جدا للأمريكية حتى قبل صدورها أحيانا هو نتيجة للمعلومات التي تحصل عليها الصين.
هذا يلحق الأذى فعلا بالاقتصاد الأمريكي و قدرة الشركات الأمريكية على المنافسة في الأسواق و قد أصبح الأمر خطيرا للغاية بالنسبة لواشنطن.
- هجمات لمعرفة نوايا الآخر قبل الزيارة إلى الصين
أتذكر شخصيا أنه قبل سنوات تم اختراق حاسوب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبيل زيارتها للصين بساعات، و الهدف من عملية التجسس كانت معرفة نوايا الجانب الألماني و مساعيه الحقيقية في تعزيز العلاقات الألمانية الصينية.
الإختراق شمل بريدها الرسمي و وثائق مخزنة على حاسوبها و رغم اللقاء الناجح ديبلوماسيا إلا أن ألمانيا كانت مستاءة حينها من تصرف بكين.
- هجمات لتجنيد جواسيس داخل الكيان الأمريكي
تتهم واشنطن الصين مرارا و تكرارا بأن جزء كبير من هجماتها هدفه الحقيقي هو ايجاد ثغرات في النظام الأمريكي عبر تجنيد موظفين في الوكالات الأمريكية للحصول منهم على معلومات دقيقة تهدد الأمن القومي الأمريكي.
هذا لا يعني أن واشنطن بريئة، فهي الأخرى تسعى للحصول على جواسيس من داخل النظام الشيوعي الصيني المتماسك لأغراض منها معرفة الحجم الحقيقي للجيش الصيني خصوصا و أنها تتهم خصمها دائما بالتكتم عن أنشطتها العسكرية.
نهاية المقال:
رغم الاتفاق بين البلدين للعمل على تجنب الصدامات الإلكترونية و الإحترام المتبادل حسب القوانين الدولية و تجنب حرب عسكرية لاحقا قد تتحول إلى نووية، لا تزال الحرب الإلكترونية قائمة و أخر حدث على هذا المستوى هو هجوم مجموعة تدعى Deep Panda على شركات تقنية و أدوية أمريكية للوصول إلى أسرار تجارية و هي نفس المجموعة التي تقف وراء تسريب بيانات 21 مليون موظف أمريكي و تتهمها واشنطن بأنها اليد الخفية لبكين.