هكذا تجعلنا القروض البنكية الربوية عبيدا للفائدة وأهدافا للأزمة والفقر

القروض البنكية الربوية مغرية لكنها تنطوي على دمار مؤكد

ما أكثر البنوك الربوية والقروض ذات الفائدة المنخفضة أو المغرية، وما أكثر الإغراءات التي يقدمونها من مبالغ طائلة تتنامى مع أخذ المزيد من القروض، إضافة إلى التسهيلات وحتى التأمين الصحي والإجتماعي والكثير من المساعدات التي تتسابق هذه المؤسسات لتوفرها مع كل قرض تحصل عليه.

غالبا ما تدفعك الحاجة إلى هذه القروض، الحاجة نحو تعليم أفضل أو منزل خاص بك أو بناء عائلة من خلال الزواج، أو بناء شركة ناشئة خاصة بك أو عمل تجاري.

تلك الحاجات مشروعة بدون شك وحقك أن تسعى لتحقيقها لأجلك ولأجل عائلتك وأولادك، لكن الوسيلة هنا ليست مشروعة.

لو لم أكن من المجربين لهذه الوسيلة وعشت سنوات عدة في القروض الربوية لما جئت اليوم لأكتب هذا المقال، لطالما كانت التجربة في حياتي حاسمة وتجعلني أتأكد من صحة ما نسمعه من حكم.

 

  • الربا ليست تجارة بل حرام وظلم

نحن المسلمون نعلم جيدا أن الفائدة أو الربا مال حرام، وظلم للمقترض إذ هي ليست مكافأة مشروعة على قيامنا باقراضه المال الذي يريده ليعيده حسب الوقت المتفق عليه.

القانون الإلهي واضح في هذه المسألة عبر مختلف الأديان السماوية منها الإسلام والمسيحية واليهودية، إذا اقترض شخصا 100 دولار سيكون عليه أن يعيد نفس المبلغ دون زيادة ولا نقصان.

لكن على مر العصور اتخذ الناس القروض طريقة لتنمية ثرواتهم، إذ يقدم أصحاب المال القروض للمحتاجين ويحصلون على فائدة مع استرجاع المبلغ وبناء على ذلك يحصلون على المزيد من المال، والنتيجة كما نعرف أن طبقة صغيرة في بلد كبير هي التي تسيطر على الثروة بينما بقية الشعب أو القوم غارقون في الديون والفقر.

قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275].

لم يحرم الله عز وجل البيع والتجارة لكنه حرم الربا لأنه ظلم للمقترضين والمجتمع والقراء والمحتاجون ويزيد من التنافر بين الفقراء والأغنياء.

 

  • الحرب التي تنتظرك

آخر مرة ستبتسم فيها هي اللحظة التي ستأخذ فيها القرض الربوي، ستشعر بالسعادة وبأن المبلغ جيد ويكفي لتحقق غايتك، لكن لاحقا ستدرك بأن توقيعك على وثيقة الإلتزام هو توقيع على أنك أصبحت عبدا “للفائدة” أو “الربا”.

غالبا ستسدد القرض الأول وبالتدريج ستتورط إذ ستصبح القروض والديون أسلوب حياتك، الراتب وأي عائدات أخرى ستذهب في نفس الوقت الذي تحصل فيها عليها، لا بركة بعد اليوم في المال ولا الصحة ولا هناء فقط حزن وابتسامات مصطنعة وشقاء.

كل ما سيشغل بالك طيلة الوقت هي القروض التي تنتظر منك أن تسددها، ولن تنعم بالراحة ولا الطمأنينة إذ أن الفشل في تسديد الديون يعني خسارة ممتلكاتك وربما معاقبتك بالسجن.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278، 279].

هذا مجرد غيض من فيض، الحرب ستشتد كلما طال تعاملك بالقروض الربوية، وللأسف ستلاحظ أن لا شيء يتحقق بل إنك تبني حياتك على الوهم فحسب.

يشبه الأمر الدوران في حلقة مفرغة مملة، كل يوم ستسعى إلى جمع مبلغ مادي لتسديد القروض والديون التي تلاحقك، ستصبح تواريخ تسديد القروض هي التواريخ الأكثر أهمية في حياتك، لا عيد يهم ولا رمضان ولا جمعة ولا عطلة نهاية الأسبوع ولا صيف ولا شتاء، كل الفصول والأيام تدور حول القروض الربوية والديون المتنامية، وهكذا تغرق في دوامة من الدمار الممنهج.

بالتدريج ستقل العائدات والأرباح حيث كلها تذهب إلى تسديد القروض والديون والإلتزامات، ولن يكون غريبا إذا تخليت عن الكثير من إلتزاماتك العائلية لأجل تلك القروض.

كل هذا سيشكل ضغطا رهيبا عليك، ستشعر أن الكون كله يحاربك، فلا بركة ستبقى في أموالك وفي وقتك وفي صحتك.

أنت الآن عبد للفائدة والربا، أنت تعمل من أجلها وتسعى طيلة أيامك وفصولك لتسديدها، أوكسجين حياتك هي القروض الربوية، بمجرد أن تنقطع أو تفشل في تسديدها ستخسر كل شيء وسينتهي بك المطاف في السجن أو العيش معدوما.

 

  • هذا ما توصل إليه وارن بافيت

المستثمر الملياردير الأميركي وارن بافيت، هو من الأشخاص الذين ينصحون بالإبتعاد عن الإقتراض، ومن المعلوم أن نظام الإقتراض مبني تماما على الربا في الولايات المتحدة ولا توجد قروض حسنة، وقد أكد أنه يتلقى رسائل كثيرة من أناس يتابعونه يؤكدون له أنهم أخطأوا عندما اعتقدوا أنه بإمكانهم السيطرة على القروض.

العيش على بطاقات الائتمان والقروض لن يجعلك غنيا، بل عبدا لأسلوب حياة مريضة لا تؤدي إلى أي نتيجة مرضية.

قبل 3 أشهر استشهد وارن بافيت بفشل دونالد ترامب الذي ارتكب حماقة سابقا عندما أقدم على اقتراض ملايين من الدولارات و إعلان إفلاس كازينو “أتلانتيك سيتي تاج محل”.

وأكد وارن لطلابه أن الشخص الذكي لا يتجه إلى تلك الخطوة مهما ساءت الظروف، وأنه على مدار حياته لم يلجأ إلى الإقتراض.

 

نهاية المقال:

لو لم أكن مجربا لعدة سنوات لما وصفت نتائج القروض الربوية بهذه الدقة، من ساروا على هذا الطريق يعلمون جيدا أنها جحيم حقيقي، والمستثمر الأمريكي وارن بافيت لطالما حذر طلابه من القروض لأنه لا يمكن أن تسيطر عليها، الربا لا تستعبدنا فحسب بل تجعلنا أهدافا مشروعة للأزمات والفقر والمصائب الأخرى.

اشترك في قناة مجلة أمناي على تيليجرام بالضغط هنا.

تابعنا على جوجل نيوز 

التعليقات مغلقة.