منذ اعلان مدريد عن تغيير مهم في موقفها من النزاع حول الصحراء والإعتراف بمقترح الحكم الذاتي المغربي، تبدو الجزائر في حالة صدمة، وهناك حديث عن احتمال قطع الغاز عن اسبانيا.
لقد توقع حكام الجزائر أن آخر دولة يمكن أن تعترف بالمقترح المغربي هي الدولة التي استعمرت سابقا الصحراء المغربية والتي استرجعها المغرب منها في مسيرة كبرى مهيبة تدعى المسيرة الخضراء.
محاولات ضغط الجزائر على اسبانيا
يبدو أن إيطاليا قد تبنت استراتيجية مماثلة لتنويع إمداداتها من الطاقة، حيث يأتي ما يقرب من 40 في المائة من وارداتها من الغاز حاليًا من روسيا.
لكن على عكس برلين، ركزت روما في الغالب على المفاوضات مع دول شمال إفريقيا، وقعت إيطاليا ومصر الأسبوع الماضي اتفاقية لتوريد 3 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال سنويًا.
وتأتي هذه الصفقة في أعقاب ترتيب إيطاليا مع الجزائر لشراء 9 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا من شركة سوناطراك المملوكة للدولة.
تعني هذه العقود الجديدة في شمال إفريقيا أنه اعتبارًا من الشتاء المقبل، ستتمكن إيطاليا من استبدال نصف وارداتها من الطاقة الروسية.
ومع ذلك، أثار اتفاق روما مع الجزائر مخاوف في مدريد، حيث تستورد إسبانيا حاليًا 47 في المائة من غازها من الجزائر، المفاوضات بين إسبانيا والجزائر لزيادة إمدادات الطاقة السابقة متوقفة منذ شهور ويبدو أنها تعاني من تدهور علاقتهما التي أعقبت تحول إسبانيا مؤخرًا نحو المغرب في نزاع الصحراء الغربية.
يقال إن إسبانيا قلقة من أن أمن الطاقة قد يتعرض للخطر من خلال صفقة الجزائر مع إيطاليا (لا سيما بالنظر إلى القدرة الإنتاجية المحدودة لهذا البلد الواقع في شمال إفريقيا).
في الأيام الماضية، التقى مسؤولون إسبان وإيطاليون لمناقشة صفقة الغاز، ومن المحتمل أن يكون هناك مزيد من المحادثات بين الجانبين.
تنويع مصادر الغاز بالنسبة لإسبانيا
في إسبانيا، يمثل الغاز الروسي 8 في المائة فقط من إمدادات الطاقة، ويبدو أن الدولة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الغاز الطبيعي المسال ولديها أجهزة إعادة غاز أكثر من أي دولة أوروبية أخرى (تمثل 35 في المائة من إجمالي قدرة الاتحاد الأوروبي).
ومع ذلك، فإن أجهزة إعادة الغاز هذه غير مستخدمة بشكل كافٍ في الوقت الحالي، وفي الوقت نفسه، فإن شبكة الغاز الإسبانية ضعيفة الاتصال بالشبكة الأوروبية الأوسع، مما يمنع إسبانيا من أن تصبح نقطة وصول لشحنات الغاز الطبيعي المسال المتجهة إلى دول أوروبية أخرى، ومع ذلك إذا حسنت شبكتها، فستكون إسبانيا نقطة الهبوط المثالية لمثل هذه الشحنات.
تستورد اسبانيا بشكل متزايد الغاز من الولايات المتحدة الأمريكية وقطر وتبحث عن موردين آخرين مثل نيجيريا ودول افريقية أخرى، وهي تراقب باهتمام جهود المغرب لاكتشاف احتياطيات مهمة من الغاز في مياهه الإقليمية الجنوبية.
الغاز سلاح ذو حذين مع الدول الأوروبية
بينما استطاعت الجزائر قطع الغاز عن المغرب وتسبب ذلك في غضب أوروبي وخصوصا اسباني، حيث أدى ذلك إلى تقليص الصادرات وتعقيد عملية التصدير، إلا أن الجزائر قد أكدت على أن توتر علاقتها مع مدريد لن يذهب إلى قطع الغاز عن اسبانيا.
في تصريحات وزير الخارجية الإسبانية، خوسيه مانويل الباريس، جاء: “من بين كل هذه التصريحات، ما أحتفظ به، هو الضمان الكامل لتزويد إسبانيا بالغاز الجزائري واحترام العقود الدولية”.
وترتبط الشركة الجزائر بعقود طويلة الأمد مع اسبانيا، لذا لن يكون قانونيا إلغاءها، كما أن ذلك سيترتب عنه غرامات وتعويضات كبيرة ستدفعها الدولة الجزائرية.
وإذا تشجعت الجزائر وأقدمت على ذلك أو حاولت استخدام هذه الورقة للضغط على مدريد، فستنظر أوروبا إلى ذلك على أنه محاولة لابتزاز واضحة، وستتراجع الثقة في الجزائر كشريك تجاري مهم.
وببساطة عوض أن يتغير موقف مدريد، سيخسر حكام الجزائر ما تبقى لهم من مصداقية في أوروبا، وسينظر إليهم على أنهم حلفاء لروسيا يحاولون ابتزاز القارة العجوز وتعطيل أمنها الطاقي.
ومن جهة أخرى سيخسر الغاز الجزائري سوقا مهما، يعود بالمليارات من الدولارات على الدولة الجزائرية التي هي بحاجة ماسة إلى تلك الأموال لتعويض خسائر سنوات انهيار النفط والغاز.
تعد العلاقات الأوروبية مع الجزائر أضعف بكثير من العلاقات مع المغرب، حيث تعد الدولة من نواح كثيرة شريكًا أكثر إشكالية وحرجًا: إذ تفتقر حكومتها إلى الدعم الشعبي، ومناخ الإستثمار فيها سيء، وفشلت في متابعة الالتزامات التي تم التعهد بها في اتفاقية الشراكة لعام 2002 مع الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، يظل الاتحاد الأوروبي شريكًا مهمًا للجزائر، ما دامت الأخيرة تزود دول جنوب أوروبا بالغاز وتساعد على تأمين الطاقة.
إقرأ أيضا:
الغاز النيجيري ونفط نيجيريا كابوس روسيا في أوروبا
خيارات ألمانيا لمواجهة توقف تدفق الغاز الروسي
كيف ساهم تهور الجزائر في اعتراف اسبانيا بمغربية الصحراء؟