تستمر المقاطعة في المغرب ضد الغلاء ويتم التلويح بأنها ستتوسع لتشمل المزيد من المنتجات والشركات الفترة المقبلة، بالتوازي مع ذلك تشهد كل من الجزائر وتونس حملات مشابهة، فيما تمددت أيضا إلى موريتانيا ضد شركات الإتصالات هناك.
أشرت سابقا إلى أن المقاطعة ليست ممنوعة أو غير قانونية، ولا داعي لوصف المقاطعين بأنهم يخدمون أجندات خارجية أو لهم علاقة بالإرهاب، وقد حددت أيضا متى تصبح المقاطعة مخالفة أو مشبوهة، خصوصا إن كانت تستخدم لتصفية حسابات سياسية أو استخدامها من شركات ضد الأخرى في المنافسة.
المقاطعة يمكن أن تأتي بنتائج ايجابية على المدى القصير، لكنها ستفشل في ايقاف ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة على المدى الطويل وهذا ما يخبرنا به التاريخ.
-
هكذا ستتصرف الشركات مع المقاطعة على الأغلب!
كي نكون منطقيين، فإن الواقع يقول ومنذ زمن طويل أن التكاليف والأسعار في تزايد، وهذه موجة عالمية وواحدة من سمات الإقتصاد العالمي.
قد تتدخل الدولة أو تقدم الشركات على تخفيض أسعار منتجاتها وخدماتها استجابة لمطالب المقاطعين، ومع انتهاء المقاطعة ومرور بضعة أشهر أو عدة سنوات ستعود الأسعار للإرتفاع بوثيرة ملحوظة.
لذا فإن نجاح المقاطعة على المدى القصير، سيعقبه فشلا ملحوظا على المدى الطويل، بالتالي فتراجع الأسعار سيبقى ميزة مؤقتة.
رأينا العديد من الشركات المستهدفة تقدم على تخفيض أسعار منتجاتها، واللافت في ذلك أنها توفر تخفيضاتها كعروض تخفيض مؤقتة.
بعض الشركات الأخرى قررت تخفيض أسعار منتجاتها من أجل كسب ود المستهلكين، وتحقيق أرباح جيدة من بيع كميات أكبر، ولاحقا ستعود للرفع من أسعار منتجاتها بالتدريج.
-
شيء عادي في ظل تزايد أسعار كل شيء
في المقالة السابقة التي نشرتها بعنوان “5 أسباب لتزايد تكلفة المعيشة وأسعار السلع والخدمات باستمرار!” وضحنا لماذا التكاليف المعيشية في تزايد.
الحياة مع مرور الوقت تصبح أصعب من أي وقت مضى، في كل شيء، على مستوى التعليم والمتطلبات المهنية، وتكاليف الحياة وما يجب انفاقه للحصول على منتجات أو سلع او خدمات محددة.
ما ينجح بالأمس لم يعد ينجح اليوم، كذلك أسعار الأمس وتكاليف الماضي أقل بكثير من تكاليف وأسعار الحاضر.
المتأمل في القيمة السوقية للاعبين بكرة القدم كيف ارتفعت بصورة صاروخية ونتحدث حاليا عن لاعبين بقيمة 200 مليون يورو بعد أن كان هذا جنونا قبل 5 سنوات فقط، يوضح الآن أن التكاليف تزداد.
غير بعيد عن كرة القدم التي وضحنا من خلالها ما يحدث من تضخم الأسعار، نجد أيضا أن تكلفة تنظيم كأس العالم في ازدياد، فقد نظمته ألمانيا بقيمة 6.2 مليار دولار عام 2006 وقفزت القيمة إلى 13 مليار دولار عام 2014 في البرازيل، فيما أنفقت روسيا 20 مليار دولار لتنظيم الحدث هذا العام!
هذا ما يحدث في كل الصناعات والمجالات، تضخم التكاليف وانعكاسها على الأسعار بشكل متواصل، مع وجود استثناءات بالطبع مثل اشتداد المنافسة وكثرة المعروض ليتفوق على الطلب، وهو ما نراه في صناعة النفط على سبيل المثال لا الحصر، وأيضا أثناء الأزمات الإقتصادية التي تمس قطاعات معينة أو الإقتصاد العالمي بأكمله فتتراجع الأسعار لفترة محددة.
-
المقاطعة ليست الحل الأفضل
فيما يطالب كثيرون بتدخل الدولة من أجل تنظيم الأسعار، أجد في المقاطعة فائدة جيدة ومهمة، وهي ارسال رسالة للشركات بأنه لا مكان للاحتكار والممارسات التجارية الغير العادلة.
الدولة يمكنها أن تتدخل بطريقة ايجابية، ليس من خلال فرض أسعار محددة على الشركات، فهذا يعيدنا إلى الاشتراكية، وهو ما أشرت إليه في مقال سابق بعنوان “المقاطعة تكشف عن تفضيل المغاربة للإشتراكية على الرأسمالية” وهو تفضيل أيضا متنامي في الدول الشقيقة بشمال أفريقيا وبقية دول العالم العربي.
تدخل الدولة للتحكم في الإنتاج وامتلاك أدواته وتحديد الأسعار يعزز من نفوذ السلطة ويقتل المنافسة، وهو ما سيترتب عنه نتائج ليست في صالح المجتمع.
المغرب وبقية دول المنطقة تبنت الرأسمالية أو اقتصاد السوق، ونحن لا نقول بأنه اقتصاد مثالي، لكن على الأقل فهو أفضل من الاشتراكية، ولو كان هذا غير صحيح، فلماذا تخلت روسيا عنه؟ وعدلت الصين من اقتصادها لينفتح على الرأسمالية؟
نهاية المقال:
تبدو المقاطعة سلاحا فعالا على المدى القصير ويمكن أن تنجح في تحذير الشركات من أي ممارسات تجارية سيئة، لكن على المدى البعيد أنا متأكد من أنها ستفشل ولن توقف ما يحدث في العالم.