منذ بدء غزو روسيا لأوكرانيا كان واضحا أن الحلف الروسي الصيني بدأ يبحث عن مكاسب عسكرية من أجل اثبات صعوده وتأكيد نهاية عصر أحادية القطب الأمريكي.
ومنذ عقود تطالب بكين باستعادة السيطرة على جمهورية الصين الوطنية أو ما يسمى تايوان، وقد أصبح مطلبا مهما في السنوات الأخيرة بعد استعادة هونغ كونغ التي كانت خاضعة للاستعمار البريطاني حتى عام 1997 وماكاو التي كانت خاضعة للبرتغال.
لماذا تريد الصين احتلال تايوان المستقلة؟ ولماذا تهدد بشن هجوم عسكري ويزداد احتمال حدوث ذلك في السنوات القادمة؟
تاريخ الصين مع تايوان وإرادة الشعبين الصيني والتايواني
انقسمت تايوان والصين خلال حرب أهلية في عام 1949، لكن الصين تدعي أن الجزيرة هي أراضيها الخاصة، ولم تستبعد استخدام القوة العسكرية للاستيلاء عليها، مع الحفاظ عليها قضية سياسية داخلية.
منذ أن تولت الرئيسة التايوانية تساي إنغ ون منصبه في عام 2016، رفضت بكين جميع الاتصالات مع حكومتها.
تقول تساي إن تايوان ليست بحاجة إلى إصدار مثل هذا الإعلان لأنها بالفعل مستقلة بحكم الأمر الواقع، وقد رفضت تلبية مطلب الصين الأساسي بالاعتراف بتايوان كجزء من الأمة الصينية.
لقد أقامت علاقات تايوان القوية تقليديًا مع الولايات المتحدة واليابان وحلفاء آخرين حيث سعت إلى تعزيز قدرة القوات المسلحة على مقاومة الغزو الصيني المحتمل.
لا تسمح الصين بإجراء اقتراع مستقل حول هذه المسألة، لكن المشاعر العامة تميل بقوة لصالح حججها حول الحاجة إلى وحتمية الوحدة بين الجانبين.
يتماشى هذا بشكل صارم مع دعاية الحزب الشيوعي التي لا هوادة فيها بشأن هذه القضية والنبرة القومية القوية التي تبناها منذ التخلي عن الماركسية الأرثوذكسية.
في المقابل، انخفض دعم التوحيد إلى نسب من خانة واحدة في استطلاعات الرأي العام التايوانية، حيث فضلت الغالبية العظمى استمرار الوضع الراهن المتمثل في الإستقلال الفعلي.
يُعرّف معظمهم الآن على أنهم تايوانيون حصريًا، حيث تدعم الحكومة والعديد من المنظمات الاجتماعية هذا الرأي، الكنيسة المشيخية، التي تعرض أبناؤها للهجوم في كنيسة كاليفورنيا، ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالحركة المؤيدة للديمقراطية وتعزيز الهوية المستقلة لتايوان.
بينما يؤيد جزء مهم من الشعب الصيني ضم تايوان إلى البلاد، فإن الشعب التايواني لا يريد ذلك حفاظا على حقوقه ومكتسباته من حرية التعبير والديمقراطية وهي أمور لا توفرها الصين لشعبها.
تايوان أهم بلد في تصنيع الرقاقات الأمريكية
أحد أسباب عدم فشل القوات الروسية في احتلال أوكرانيا بالكامل هو أن الكرملين محروم من الرقاقات، قادت الولايات المتحدة وحلفائها في حظر تصدير أشباه الموصلات إلى روسيا.
نظرًا لأن موسكو تفتقر إلى قدرة تصنيع الرقائق المتقدمة الخاصة بها، فلا يمكن للجيش الروسي تجديد ذخائره الموجهة بدقة بدون الواردات، وبدلاً من ذلك تلجأ القوات الروسية إلى “القنابل الغبية” القديمة والمدفعية وهي أقل دقة بكثير.
إن ميزة الغرب في أشباه الموصلات تعمل على تآكل قدرة الكرملين القتالية بشكل ملموس، لكن نقطة ضعفه أن الولايات المتحدة المتفوقة في هذه الصناعة وتصميم الرقاقات واشباه الموصلات تصنع معظمها في تايوان.
لقدت تعلمت أوروبا وأمريكا درسا مهما من غزو روسيا لأوكرانيا، وهو أن الإعتماد على العدو في مواد معينة هي خطوة قاتلة، وهي الورطة التي تعاني منها أوروبا في ملفي الغاز والنفط مع روسيا.
إذا نجحت الصين في غزو تايوان واحتلالها، فهذا سيعرض الرقاقات واشباه الموصلات التي تأتي من تايوان للخطر وستعاني الشركات والتكنولوجيا الأمريكية والغربية من ذلك.
لا تزال الأموال الأوروبية الخاصة بالنفط والغاز تتدفق إلى الكرملين. ومن المفارقات، أنه حتى مع قيام أعضاء الاتحاد الأوروبي بإرسال مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، فإنهم يواصلون دفع أكثر من 20 مليار دولار شهريًا لروسيا مقابل الوقود الأحفوري.
الحقيقة الصعبة هي أن سلاسل التوريد التي تعتمد على منشآت ضخمة كثيفة رأس المال لا يمكن إعادة توجيهها بسرعة عندما تبدأ المدافع في الهدير.
يمكن أن تسرع البلدان لتجميع الإمدادات البديلة معًان وقد شاهدنا تدافع ألمانيا لبناء محطات للغاز الطبيعي المسال وإبرام صفقة توريد مع قطر، لكن التكاليف الثابتة الهائلة تعني أن الإقتصادات الأوروبية الرائدة مثل ألمانيا وإيطاليا تقع إلى حد كبير تحت رحمة الترتيبات القائمة، ويأسف القادة الأوروبيون الآن لأن القارة الأوروبية جعلت نفسها تعتمد إلى حد كبير على النفط والغاز الروسي.
اهم شركة في تايوان محل نزاع أمريكي صيني
تعد شركة “TSMC” التايوانية من أهم الشركات في العالم، وهي تسيطر على تصنيع 56% من الرقائق الإلكترونية العالمية، وهي أشباه الموصلات التي تعد مهمة في كل جهاز ذكي وإلكتروني اليوم.
في حال سيطرة بلد ميعن على هذه الصناعة والتقنيات الموجودة فيه فإنه سيضمن التفوق في العقود القادمة بعصر التكنولوجيا.
وإلى يومنا هذا تعد الولايات المتحدة الأمريكية المتفوقة في هذا الشأن، وتحاول الصين تحقيق اختراق من خلال سرقة الحقوق الفكرية وتقليد المنتجات.
ولأن الصناعة ليست كافية بالنسبة للصين تحتاج إلى السيطرة على التكنولوجيا العالمية والخدمات كي تصبح القوة العالمية الأولى.
نعم الصين هي مصنع العالم لكن قطاع الخدمات والتكنولوجيا أكبر من الصناعة ومربح للغاية ويعود بعائدات مضاعفة، وهنا تبدو الصين ضعيفة مقارنة مع الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الغنية.
لذا إذا احتلت الصين تايوان فإنها تضع يدها بالفعل على التكنولوجيا واسرار التقنيات الغربية، ويمكنها تعطيل شركات السحابة والكمبيوتر وشركات الخدمات التي تحتاج إلى رقاقات بشكل متزايد.
اقتصاد تايوان مهم وكبير
نعم هذه الجزيرة الصغيرة التي تدعى تايوان لديها اقتصاد أكبر بكثير من دول عربية وعالمية كثيرة، في عام 2020 وصل الناتج الداخلي الخام لتايوان إلى 760 مليار دولار.
وتعمل أكبر شركة في البلاد وهي شركة “TSMC” التايوانية بإنشاء أكثر من مصنع إضافية لإنتاج أشباه الموصلات وهي التي ستنفق هذا العام 44 مليار دولار على إنتاجها.
يعادل حجم إنفاق “تي إس إم سي” التقديري حوالي 5% من اقتصاد تايوان البالغ 760 مليار دولار، لهذا ستحقق البلاد نموا متزايدا رغم الظروف العالمية السيئة.
إقرأ أيضا:
تأثير انخفاض عدد سكان الصين على الإقتصاد الصيني
فخ التفكير العاطفي لدى العرب من روسيا إلى الصين وأمريكا
أطماع الصين في موارد سيبيريا بعد هزيمة روسيا
لماذا يؤيد رئيس الصين سياسة صفر كوفيد والإغلاق الشامل؟
روسيا دولة فقيرة متوسطة القوة مقارنة مع أمريكا والصين