في قلب لعبة مورتال كومبات السورية المليئة بالمفاجآت واللكمات الساخرة، تنسج الأحداث قصة مسرحية هزلية لا يُستهان بها.
في هذا المشهد الكاريكاتيري، نجد قيادة جديدة ذات ميول إسلامية متشددة تتخذ من القمع وسيلةً لإعادة كتابة قواعد اللعبة السياسية، فهي لا تهدف فقط إلى إبادة المخالفين على أساس الدين، بل تُعلن أيضًا عن خطة حكم تمتد لخمس سنوات تُختتم بانتخابات مُعدة مسبقًا في إطار دستور إسلامي صريح يخلو تمامًا من أي إشارة إلى الديمقراطية.
وعلى جبهة أخرى، تتصاعد مخاوف إسرائيلية من “تحركات تركية” مشبوهة قرب تدمر، مما يُثير احتمال مواجهة من نوع جديد، مواجهة تجمع بين تركيا وإسرائيل في ساحة معركة تحولت إلى رقعة شطرنج لصراع قوى إقليمية وعالمية.
وفي نفس الوقت، تشهد الساحة الدولية عرضًا من التحديات والمفاجآت التي تُضفي على هذه الكوميديا السياسية طابعًا عالميًا، ومنها التوترات اللبنانية السورية.
وبينما تحاول القيادة الجديدة إبادة المخالفين بقسوة لا تُضاهى، تتصاعد مخاوف الدول المجاورة، إذ أصبح المشهد السوري مسرحًا للتصادم المحتمل بين تحركات تركية مشبوهة قرب تدمر وخطوات إقليمية من قبل حزب الله وإيران الذين يتطلعون إلى إسقاط النظام الجديد.
الأمر الذي يجعل من سوريا رقعة شطرنج ضخمة تجمع بين قوى محلية وعالمية، وكلها تلعب دورها في معركة لا تعرف الرحمة ولا تسامحاً.
لا تقتصر الفكاهة الساخرة على مجرد التصريحات السياسية، بل تمتد إلى المواقف اليومية للمواطنين الذين أصبحوا يشاهدون هذه المسرحية بتوتر ممزوج ببعض السخرية؛ فهم الآن يتساءلون: هل سنشهد مواجهة تركية إسرائيلية في قلب الصحراء السورية؟ أم أن المشهد سيتحول إلى عرض ترفيهي كوميدي على الطريقة العالمية، حيث تتلاقى الأيدي الخبيثة وتتناثر الأوراق السياسية على سجادة الحرب؟
وبينما يتحول الموقف إلى لعبة قاتلة تعتمد على الخطط المسبقة، يظل السؤال معلقًا في الأجواء الساخنة: من سيفوز في هذه الجولة الأخيرة من “مورتال كومبات السورية”؟
في هذه اللعبة، حيث تُحاك الخُطط كأنها نصوص لفيلم خيال علمي ساخر، يظل السؤال قائمًا: كيف تُبنى الديمقراطية في بلد لا يعتنق شعبه قيم الليبرالية، ويفضل نسبة معتبرة من أفراده أن تُفرض عليهم أشكال الحكم الديني؟
ففي سوريا، يبدو أن الديمقراطية كفكرة تائهة في زوايا قاعات السلطة التي تُعتبر أنظمة الحكم الأخرى مجرد “خيال علمي” بعيد عن الواقع.
الشعب هنا، كما يُقال، لا يزال يتسابق بين الخيارات التي تُعيده إلى ورطة الماضي، حيث تُعلي من قيمة السلطة المطلقة وتُقلل من قيمة الحرية والتعددية.
وفي وقت تتنافس فيه الفصائل والحركات على مسرح “مورتال كومبات السورية”، تبرز حقيقة مُرة بأن الديمقراطية تحتاج إلى إيمان راسخ بمبادئ الليبرالية، لا إيمانٍ مُجهض بأوهام الحُكم الديني الذي يُنظمه القليلون.
إذ إن أولئك الذين يرون أن النظام الديني هو السبيل الوحيد للحياة الكريمة، يميلون إلى تبني طرق الحكم التي تعتمد على العقيدة أكثر من الحوار، مما يجعل فكرة الانتخابات والتمثيل الشعبي مجرد مشاهد في فيلم ساخر لا ينتهي.
ولعل المفارقة الأكثر إثارة للسخرية هي أن بعض الأصوات التي تطالب بالديمقراطية تضرب بجناحيها في ميدان السياسة فقط لتُثبت في النهاية أن قواعد اللعبة التي يؤمن بها الشعب لا تترك مجالاً إلا للحكم الديني الذي يُعتبر بمثابة “تجسيد حقيقي” للإيمان والولاء، في حين يُنظر إلى الليبرالية على أنها غريبة عن تراثه وثقافته.
وهنا، تتجلى صورة مأساوية ساخرة؛ حيث لا يبقى الأمر إلا أن يُطرح تساؤل فلسفي بليغ: هل يمكن للديمقراطية أن تزدهر في بيئة تنشد العودة إلى “الحقبة الذهبية” للسلطة الدينية؟