كابوس بوتين: الجزائر وأمريكا ضد فاغنر في مالي

كابوس بوتين: الجزائر وأمريكا ضد فاغنر في مالي

تواجه الجزائر معضلة استراتيجية في مواجهة وجود مجموعة فاغنر في مالي المجاورة، وهو ما انعكس سلبا على علاقتها مع روسيا الإستعمارية التي تحاول نشر الفوضى في أفريقيا.

وعلى الرغم من العلاقات التاريخية بين الجزائر وروسيا، فقد انتقد الرئيس عبد المجيد تبون علنًا استخدام المرتزقة الروس في كل من مالي وليبيا.

خسائر الجزائر من التحركات الروسية في مالي وغرب افريقيا

شهدت مالي والنيجر وبوركينا فاسو انقلابات عسكرية وصعود أنظمة متحالفة مع روسيا وقد جلبت قوات فاغنر، وهذا ما أشعل هذه الدول وجلب حالة من الفوضى إلى المنطقة.

في مالي تحديدا الضرر كبير من تحركات فاغنر المتحالفة مع النظام العسكري هناك، ففي حين تؤكد الجزائر على الحاجة إلى معالجة المظالم الاجتماعية والسياسية للطوارق المهمشين، ركزت المجلس العسكري المالي المدعوم من فاغنر على نهج عسكري أولاً.

وعلى الرغم من تحقيق بعض الانتصارات التكتيكية، مثل استعادة كيدال، إلا أن هذه الاستراتيجية فشلت في احتواء العنف المتصاعد.

ولم تؤد تكتيكات فاغنر العدوانية، بما في ذلك التهجير القسري لمجتمعات الطوارق واستهداف المدنيين، إلا إلى تفاقم المظالم المحلية، مما أدى مباشرة إلى تغذية جهود التجنيد من قبل الجماعات الجهادية مثل جماعة نصر الإسلام والمسلمين والدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى.

كانت التهديدات للجزائر واضحة بشكل صارخ في يوليو 2024 عندما نصب التحالف الذي يقوده الطوارق، والمعروف باسم الإطار الاستراتيجي للدفاع عن شعب أزواد، كمينًا لمرتزقة فاغنر والقوات المالية بالقرب من بلدة تينزاوتين الحدودية، على بعد 12 ميلاً فقط من الجزائر، مما أدى إلى معركة شرسة أسفرت عن مقتل العشرات من فاغنر والجنود الماليين.

تشير التقارير إلى أن فاغنر تكبدت واحدة من أفدح خسائرها في إفريقيا، حيث قُتل ما يصل إلى 50 من مقاتليها في المواجهة.

جلب الكمين المخاوف الأمنية للجزائر إلى الواجهة، وكشف عن هشاشة حدودها وعمق معضلة دبلوماسية حول كيفية مواجهة القوات المدعومة من روسيا في منطقة الساحل دون تعريض علاقتها الحاسمة مع موسكو للخطر.

موقف الجزائر من فاغنر في مالي

وقد دفعت العلاقات التاريخية العميقة بين الجزائر وروسيا، والتي يعود تاريخها إلى الدعم السوفييتي خلال حركة الاستقلال، البعض إلى التكهن بأن الجزائر سهلت ضمناً وجود فاغنر في مالي كجزء من استراتيجية أوسع لموازنة النفوذ الغربي، وخاصة الفرنسيين في منطقة الساحل.

ومع ذلك، في حين تحافظ الجزائر على شراكة قوية مع روسيا، فقد تزايدت مخاوفها بشأن وجود فاغنر، وبحلول عام 2023، بدأ تبون في انتقاد استخدام المرتزقة علناً، مؤكداً أن مثل هذه التدخلات، بدلاً من تقديم الحلول، تؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار.

وأكد تبون أنه يجب بدلاً من ذلك تخصيص الموارد لمعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع الاضطرابات الإقليمية، كما زعم على نحو مماثل فيما يتعلق بالصراع الليبي، حيث أدى تورط المرتزقة الأجانب إلى تفاقم الفوضى.

إن رد الجزائر على فاغنر يتعلق بالحفاظ على نفوذها الإقليمي بقدر ما يتعلق بالحفاظ على توازن دقيق مع موسكو، وفي حين انتقد تبون علنًا استخدام المرتزقة، فضلت الجزائر حتى الآن الدبلوماسية الهادئة، مشيرة إلى مخاوفها بشأن وجود فاغنر للمسؤولين الروس دون المخاطرة بمواجهة مباشرة.

وأكدت مصادر جزائرية أن التوترات موجودة وأن المسؤولين الجزائريين عبروا عن مخاوفهم بشأن الدور المزعزع للاستقرار الذي تلعبه فاغنر في مالي وليبيا.

وفي الوقت نفسه، ورد أن المسؤولين الروس سعوا إلى تدخل الجزائر في التفاوض على إطلاق سراح عملاء فاغنر الذين تم أسرهم في الكمين بالقرب من حدودها وما زالوا محتجزين لدى الانفصاليين الطوارق.

أمريكا تدعم جهود الجزائر لمكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا

وكان قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، الفريق أول مايكل لانجلي، قد زار الجزائر مرتين، الأولى في أواخر يوليو 2024 بعد تصاعد التوتر بين الجزائر وروسيا في مالي، والثاني في يناير 2025 الجاري.

ومما جاء في تصريحاته قوله: “إن الجزائر تتقاسم بعض المخاوف مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن توسع التنظيمات المتطرفة العنيفة في جميع أنحاء افريقيا وجنوب الصحراء وتحديدا بمنطقة الساحل”.

وتحارب الولايات المتحدة التنظيمات الإرهابية في أفريقيا سواء الإسلامية منها أو التابعة لروسيا والأخرى التي تمولها ايران لزعزعة استقرار القارة السمراء ونشر الفوضى.

وفي حين أبدت الجزائر استياءها من الدور المزعزع للاستقرار الذي تلعبه فاغنر في مالي، فإن المواجهة المباشرة مع موسكو تظل غير مرجحة بسبب العلاقات الاقتصادية والعسكرية الطويلة الأمد بين الجزائر وروسيا.

وبدلاً من ذلك، تعتمد الجزائر على الدبلوماسية الهادئة لحثها على فرض قيود على عمليات فاغنر، وفي الوقت نفسه تعزيز العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة للحفاظ على استقلاليتها الاستراتيجية.

ومع ذلك، إذا تدخلت الجزائر عسكريا، فمن المرجح أن تكون العملية محدودة النطاق، مع التركيز على حوادث بارزة مثل كمين تينزاوتين.

والهدف في النهاية هو استعادة التوازن الدقيق بين المجلس العسكري المالي المدعوم من فاغنر والمتمردين الطوارق، بدلا من الانخراط في حملة أوسع نطاقا أو استهداف قوات فاغنر بشكل مباشر.

اشترك في قناة مجلة أمناي على تيليجرام بالضغط هنا.

تابعنا على جوجل نيوز 

تابعنا على فيسبوك 

تابعنا على اكس (تويتر سابقا)