أحدث المقالات

سر دعم السعودية والإمارات لسوريا أحمد الشرع

منذ سقوط نظام بشار الأسد، الذي طالما سعت الدول...

إستونيا تعلن الحرب على أسطول الظل الروسي

سنخرق أي حكم قانوني - ونتحداكم أن توقفون،"، هذه...

المثلية الجنسية في زمن الفن المصري الجميل

كلنا تابعنا الهجوم العنيف على محمد رمضان بسبب أزيائه...

جيف بيزوس يوجه واشنطن بوست للدفاع عن الليبرالية

ضيّق جيف بيزوس، مالك صحيفة واشنطن بوست، نطاق المواضيع...

استحواذ الحكومة المصرية على شركة بلبن وعلاماتها التجارية

بعد اغلاق فروع شركة بلبن وعدد من العلامات التجارية...

عبد الرحمن الكواكبي: الليبرالي الماسوني الذي حارب الإستبداد

عبد الرحمن الكواكبي: الليبرالي الماسوني الذي حارب الإستبداد العثماني

في زمن كانت فيه حرية الفكر جريمة، والمعارضة تهمة تستوجب النفي أو الموت، وقف عبد الرحمن الكواكبي شامخًا كصوتٍ صارخٍ في وجه الإستبداد العثماني.

من بين صفحات كتابه الشهير طبائع الاستبداد خرجت كلماتٌ لا تزال تتردد حتى اليوم، كأنها كتبت لكل عصرٍ يرزح تحت نير الطغيان. لكنه لم يكن مجرد ناقدٍ للاستبداد، بل كان أيضًا شخصيةً مثيرةً للجدل، ليبراليًا سبق عصره، ماسونيًا أثار التساؤلات، وإصلاحيًا رأى أن النهضة لا تتحقق إلا بتحرير العقول قبل الأوطان.

فما قصة هذا الرجل الذي تحدى السلطان والخرافة معًا؟ وكيف كانت أفكاره سابقةً لعصرها؟ وهل كانت الماسونية مجرد جزء من رحلته الفكرية أم أنها لعبت دورًا في تشكيل رؤيته التحررية؟

نبذة عن عبد الرحمن الكواكبي

عبد الرحمن الكواكبي (1855 – 1902) هو أحد أبرز المفكرين الإصلاحيين العرب في أواخر القرن التاسع عشر، اشتهر بمناهضته للاستبداد العثماني ودعوته للحرية والإصلاح السياسي.

عُرف بكتاباته الجريئة التي فضحت مظاهر الطغيان والفساد، خاصة في كتابه الشهير طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، الذي يعد من أهم الكتب التي حللت الاستبداد في الفكر العربي الحديث.

وُلِد الكواكبي في حلب، سوريا، لأسرة عربية ذات مكانة علمية ودينية، تلقى تعليمه في المدارس التقليدية، ودرس الفقه واللغة العربية والعلوم الحديثة، ما جعله يجمع بين التراث الإسلامي والفكر الإصلاحي الحديث.

بدأ حياته المهنية كصحفي، حيث أسس جريدة الشهباء، وهي من أوائل الصحف العربية في حلب، لكنها أُغلقت سريعًا بسبب انتقاده للحكم العثماني.

ألف كتاب طبائع الاستبداد، حيث شرح فيه كيف يؤدي الحكم الاستبدادي إلى الفساد والانحطاط، وقدم حلولًا للخلاص منه عبر التعليم والوعي.

كان من أوائل المفكرين العرب الذين نادوا بفصل الدين عن السياسة، معتبرًا أن الاستبداد يستغل الدين لترسيخ سلطته، ما يعني تأييده للعلمانية.

توفي عبد الرحمن الكواكبي عام 1902 في القاهرة، ويُعتقد أنه قُتل مسمومًا بأوامر من السلطات العثمانية بسبب كتاباته الجريئة ضد الاستبداد.

ليبرالية عبد الرحمن الكواكبي

يمكن اعتبار عبد الرحمن الكواكبي ليبراليًا استنادًا إلى أفكاره الواردة في كتابيه طبائع الاستبداد وأم القرى، حيث دعا إلى مبادئ تتقاطع مع الليبرالية الحديثة، مثل الحرية، والعقلانية، ورفض الحكم المطلق، وحقوق الأفراد، والفصل بين الدين والسياسة.

في كتاب طبائع الإستبداد كشف المفكر المسلم عن موقفه من الإستبداد بكل أنواعه والسياسي أيضا بالقول:

“من أقبح أنواع الاستبداد استبداد الجهل على العلم، واستبداد النفس على العقل، ويسمى استبداد المرء على نفسه، وذلك أن الله جلت نعمه خلق الإنسان حرا قائده العقل، ففكر وأبى إلا أن يكون عبدا قائده الجهل”.

كما يربط بين الاستبداد والفقر والتخلف، ويشير إلى أن الشعوب لا يمكن أن تزدهر إلا إذا نالت حريتها السياسية والاجتماعية.

إضافة لما سبق يرفض الكواكبي استغلال الدين في السياسة، ويؤكد أن الحكام المستبدين يستخدمون رجال الدين كأداة لإضفاء الشرعية على حكمهم.

ويبدو من كتاباته أنه ليبرالي يقدس الحرية والإرادة الحرة وقد وجد لها عشرات المبررات في القرآن، خصوصا فيما يتعلق بالحكم السياسي القائم على التشاور والديمقراطية وليس على رأي الفرد الواحد.

يؤمن الكواكبي بأن الإنسان له حقوق طبيعية، مثل الحرية والعدالة والمساواة، وهي مبادئ ليبرالية أساسية والتي قتم عليها فيما بعد ميثاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

عبد الرحمن الكواكبي ضد الإستبداد السياسي

يؤكد الكواكبي أن إصلاح المجتمعات الإسلامية لا يمكن أن يتم إلا من خلال ثورة فكرية، داعيًا إلى التعلم من تجارب الأمم المتقدمة، حيث يقول: “إنّ الأمة التي لا تشعر بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية”.

ويُعدّ عبد الرحمن الكواكبي من أوائل المفكرين العرب الذين حللوا الاستبداد السياسي بعمق، واعتبروه السبب الرئيسي في تخلّف الشعوب وانحطاطها.

فقد كرس كتابه الشهير طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد لتفكيك بنية الطغيان، محذرًا من آثاره المدمرة على المجتمع والدولة.

رأى الكواكبي أن الاستبداد ليس مجرد مشكلة سياسية، بل هو نظام متكامل يقوم على الجهل والتخويف وقمع الحريات، حيث يقول: “الاستبداد أصل لكل فساد، فهو الذي يقتل الأمة أخلاقياً قبل أن يقتلها مادياً”.

وأكد أن الحاكم المستبد لا يحكم بمفرده، بل يستعين بطبقة من المنتفعين، مثل رجال الدين الفاسدين والقضاة المنحازين والإعلام الموجّه، لترسيخ سلطته على حساب الشعب.

وقد هاجم الكواكبي الاستبداد العثماني بشدة ويعتبره سبب تخلف العالم الإسلامي، حيث يرى أن النظام السلطوي يكرّس الجهل ويمنع النهضة، وفي حديثه عن شكل الحكم المثالي، يقول: “الحكومة العادلة هي التي تجعل الحكم خاضعًا لمراقبة الأمة، بحيث لا يستبد فرد أو فئة بمصيرها”.

يرفض الكواكبي استغلال الدين في السياسة، ويؤكد أن الحكام المستبدين يستخدمون رجال الدين كأداة لإضفاء الشرعية على حكمهم، حيث يقول: “المستبد يتخذ الدين أداةً لتخدير الأمة، فلا يبقى لها همّ سوى الجنة والنار، وينسى الناس حقوقهم في الدنيا”.

وفي كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد كشف عن طبيعة النظام السياسي الذي يؤيده بالقول: “وقد ظهر مما تقدم أن الإسلامية مؤسسة على أصول الحرية برفعها كل سيطرة وتحكم بأمرها بالعدل والمساواة والقسط والإخاء، بحضها على الإحسان والتحابب. وقد جعلت أصول حكومتها: الشورى الأرستقراطية أي شورى أهل الحل والعقد في الأمة بعقولهم لا بسيوفهم، وجعل أصول إدارة الأمة: التشريع الديمقراطي أي الاشتراكي حسبما يأتي فيما بعد”.

لم يكتفِ الكواكبي بتشخيص المرض، بل قدم الحل، معتبرًا أن أول خطوة للتحرر من الاستبداد هي نشر التعليم والوعي السياسي، حيث قال: “العلم هو العدو الأكبر للاستبداد، فهو يُنير العقول ويكسر القيود”.

عبد الرحمن الكواكبي والماسونية: حقيقة أم افتراء؟

تثار الكثير من التساؤلات حول انتماء عبد الرحمن الكواكبي إلى الماسونية، خاصة أنه عاش في فترة شهدت نشاطًا كبيرًا لهذه الجماعة في العالم العربي، حيث انضم إليها عدد من المفكرين والمصلحين الذين رأوا فيها فرصة لتحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي.

الماسونية هي منظمة سرية نشأت في أوروبا، وتوسعت لاحقًا إلى مختلف أنحاء العالم، وكان لها تأثير في الثورات الأوروبية التي صنعت أوروبا الديمقراطية كما انضم إليها رموزا مضادة للإستعمار في الشرق والغرب.

في كتابه “الماسونية في عماء التاريخ/ خرافات وأغاليط وحقائق” أكد الباحث صقر أبو فخر أن عبد الرحمن الكواكبي ماسوني مثل الأفغاني وعبده والبستاني ويعقوب صنوع والأمير عبد القادر الجزائري.

بعض خطاباته وأفكاره تتشابه مع المبادئ التي تروج لها الماسونية، مثل رفض الاستبداد والدعوة إلى الحرية والتسامح الديني.

استخدمت الماسونية خطابًا يدعو إلى الأخوة الإنسانية، وهو ما جذب بعض المثقفين الباحثين عن العدالة والمساواة، وقد يكون عبد الرحمن الكواكبي قد انجذب إليهم مثل بقية القوميين العرب.

اشترك في قناة مجلة أمناي على تيليجرام بالضغط هنا.

تابعنا على جوجل نيوز 

تابعنا على فيسبوك 

تابعنا على اكس (تويتر سابقا)