
تعد زيارة محمد بن زايد لتركيا واستقباله من رجب طيب أردوغان بحفاوة وترحاب، صدمة لأنصار السياسة العدائية بين البلدين، وهي لحظة مهمة في مسيرة التسوية الشاملة وتطبيع العلاقات بين خصوم الشرق الأوسط.
وتعتبر ملفات الإقتصاد والتجارة بين البلدين في طليعة القضايا التي يناقشها الطرفين، في أول زيارة منذ سنوات طويلة، وبعد توتر كبير للعلاقات بين أبوظبي وأنقرة على غرار ملفات سياسية عديدة.
تأتي هذه الزيارة بعد دعوة رسمية من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي يسعى إلى الوصول نحو علاقات اقتصادية جيدة مع مختلف الأطراف.
أهمية الإقتصاد في سياسة الإمارات:
قد تتساءل عن سر انفتاح الإمارات هذه الأيام على سوريا وإسرائيل وتركيا وايران بعد أن كانت العلاقات في الماضي متوترة أو غير طبيعية.
والحقيقة أن الدولة الخليجية لديها سياسة واضحة تقوم على أن المصالح الاقتصادية هي من الأمن القومي للبلاد وركيزة جهود الساسة وقادة البلاد.
بدون اقتصاد جيد تعرض الإمارات نفسها لمشاكل كبرى مثل الإضطرابات الداخلية والتفكك وإلى عصر ما قبل تأسيس الإمارات العربية المتحدة.
ولكن أيضا بدون علاقات جيدة مع دول الجوار والقوى الإقليمية الأخرى، لا يمكن لأبوظبي ان تستقطب الإستثمارات وتلعب دورا مهما في التجارة العالمية كما يلعب مطار دبي مكانة مهمة في السفر الدولي وبالقارة الأسيوية.
ولا شك أن أبوظبي قد حاربت الفوضى المتمثلة في الثورات، وهي تفضل أن تقوم الحكومات بتحسين معيشة المواطنين وحل المشاكل لقطع الطريق على الفوضى وسقوط الأنظمة والتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية العربية.
وتعد تركيا قوة إقليمية وخصما حيث تتبنى صيغة سياسية معاكسة، إذ انتقل أردوغان من سياسة صفر مشاكل، إلى دعم الثورات العربية والتدخل في سوريا وليبيا، لكنه اصطدم مع الزخم الدولي الذي تصنعه الإمارات وحلفائها.
زيارة محمد بن زايد لتركيا وبدء صفحة جديدة:
كان أردوغان قد وعد في الأشهر الماضية بالتركيز على الإقتصاد التركي والتنمية الداخلية، فيما يبدو تراجعا عن أحلامه لإعادة أمجاد الدولة العثمانية.
الواقع العربي والإسلامي لا يسمح حاليا بتأسيس دولة خلافة، بل إن الدولة العثمانية لم تكن دولة مثالية وكانت استعمارية في نظر الكثير من المؤرخين.
تدرك الدول في المنطقة أن عصر الحروب العسكرية والتدخلات في شؤون بعضها البعض لم يأتي لها إلا بالمشاكل المالية والإقتصادية والضحايا.
والأهم من كل ذلك، أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تركت أفغانستان، قد أرسلت رسالة واضحة إلى دول المنطقة، بأنه ينبغي عليهم تسوية خلافاتهم، فهي ستركز على الصين وروسيا.
وتعد زيارة محمد بن زايد لتركيا بمثابة صفحة جديدة في المرحلة الجديدة للمنطقة، وهنا نتحدث عن التسوية الشاملة حيث أشد الخصوم الذين قد لا تتوقع تصالحهم أو تقاربهم سيقدمون على ذلك.
نهاية حرب الغاز الروسية القطرية:
دعمت قطر المعارضة السورية من أجل تمرير أنبوب الغاز الخاص بها عبر سوريا إلى تركيا ومنه إلى أوروبا، وهو ما سمحت به روسيا التي تدخلت لمساندة حليفها بشار الأسد والذي رفض المشروع في لقاء سابق جمعه مع قادة قطر وتركيا.
وعلى ما يبدو انتصرت روسيا وحلفائها في هذه الحرب وتم افشال المخطط، لكن لا يزال بإمكان الدوحة تحقيق هذا الحلم بالتعاون مع إسرائيل حيث يمكنها تمرير الغاز عبر الدولة الحديثة في الشرق الأوسط ومنه عبر البحر إلى أوروبا.
لكن وزارة البيئة الإسرائيلية رفضت منذ أيام مشروع للنفط مع الإمارات، وقد تتخذ موقفا ضد هذا المشروع القطري أيضا لأن كليهما يهددان البيئة وهما مشروعين تجارين مهمين لكن على حساب المناخ.
الآن مع انتهاء هذه الحرب وادراك تركيا أنه من صالحها نهاية الحرب في سوريا، ليعود اللاجئين إلى بلادهم، في وقت تتصاعد فيه مشاعر الكراهية التركية القومية للعرب واللاجئين المقيمين هناك، أصبحت مندفعة للمشاركة في التسوية الشاملة.
بحث الإمارات وتركيا عن مكاسب اقتصادية بعد كورونا:
تضرر البلدين كما بقية العالم من أزمة كورونا التي جاءت مع أزمة اقتصادية مرشحة للإستمرار لسنوات إضافية وبحر ضخم من التضخم.
في هذا الوقت تعاني تركيا من انهيار الليرة وهي بحاجة إلى استثمارات بالمليارات من الدولارات والتي ستحيي من جديد التنمية الإقتصادية التي يراهن عليها حزب العدالة والتنمية للإستمرار في الحكم.
ومن جهة أخرى تعمل الإمارات على الإستثمار في الكثير من الدول حول العالم، فهي نشيطة في الإستثمار بكل من مصر واثيوبيا والمغرب وإسرائيل والأردن، وتعد تركيا بلدا توفر فرصا للإستثمارات الخليجية.
المتتبع للإستثمارات الخارجية التي تقودها أبوظبي يرى أنها متنوعة في مجالات كثيرة، وهي بذلك تنافس الدول التي لديها صناديق استثمارية ضخمة مثل النرويج واليابان والسعودية.
وستستمر الإمارات في الأسهم التركية والبورصة المحلية هناك وكذلك مشاريع الطاقة خصوصا الطاقة المتجددة، ومشاريع البنية التحتية والعقارات وشركات التكنولوجيا الإماراتية.
لكن في المقابل أيضا تشير مذكرات التفاهم والإتفاقيات إلى أن من حق تركيا الإستثمار في الإمارات التي توفر فرصا جيدة وستعمل على زيادة مشترياتها من النفط والغاز الإماراتي.
وحسب مسؤولين أتراك فإن: “المشاكل مع دولة الإمارات أصبحت الآن وراءنا، نحن ندخل فترة تقوم بشكل كامل على التعاون والمنفعة المتبادلة”.