تُعد قصة ريتشارد دينيس واحدة من أكثر القصص إلهامًا في عالم التداول، حيث حول مبلغًا متواضعًا قدره 1600 دولار إلى ثروة طائلة بلغت 200 مليون دولار في غضون عشر سنوات تقريبًا.
لم يكتفِ دينيس بتحقيق النجاح الشخصي فحسب، بل أثبت أيضًا أن التداول الناجح يمكن تعلّمه، من خلال تجربة شهيرة عُرفت باسم “التورتلز” (Turtles).
في هذه المقالة، سنستعرض رحلة دينيس من بداياته المتواضعة إلى أن أصبح أسطورة في عالم تداول السلع، مع التركيز على استراتيجياته، فلسفته، وتجربته الفريدة التي لا تزال تُلهم المتداولين حتى اليوم.
بدايات ريتشارد دينيس المتواضعة في شيكاغو
وُلد ريتشارد دينيس في عام 1949 في حي فقير بجنوب شيكاغو، ضمن عائلة أيرلندية كاثوليكية متواضعة، كان والده يعمل منظفًا في شركة مرافق عامة، وهو المعيل الوحيد للعائلة.
في سن السابعة عشرة، بدأ دينيس حياته المهنية كرسول أوامر في بورصة شيكاغو التجارية (Chicago Mercantile Exchange).
بعد بضع سنوات، انتقل إلى التداول لحسابه الخاص في بورصة ميدأمريكا للسلع (MidAmerica Commodity Exchange)، وهي سوق لتداول العقود الصغيرة.
وللالتفاف على قاعدة تتطلب أن يكون المتداولون في سن 21 عامًا على الأقل، عمل دينيس كرسول لنفسه، واستعان بوالده للتداول نيابة عنه في قاعة التداول، مما أكسبه لقب “أمير الحفرة” (Prince of the Pit).
حصل دينيس على درجة البكالوريوس في الفلسفة من جامعة ديبول، ثم قبِل منحة دراسية للدراسات العليا في الفلسفة بجامعة تولين، لكنه قرر العودة إلى التداول.
اقترض 1600 دولار من عائلته، أنفق 1200 دولار منها لشراء مقعد في بورصة ميدأمريكا، تاركًا له 400 دولار فقط كرأس مال للتداول.
بحلول عام 1970، نجح في زيادة رأس ماله إلى 3000 دولار، ووصف هذا المبلغ بأنه “مبلغ جيد مقارنة بـ400 دولار”.
بحلول عام 1973، تجاوز رأس ماله 100,000 دولار، وفي عام 1974، حقق ربحًا قدره 500 ألف دولار من تداول فول الصويا، ليصبح مليونيرًا قبل أن يبلغ السادسة والعشرين من عمره.
تجربة التورتلز: هل يمكن تعليم التداول؟
كان دينيس مقتنعًا بأن التداول الناجح يمكن تعلّمه، وهي فكرة أثارت نقاشًا مع صديقه وشريكه في التداول ويليام إيكهاردت، الذي اعتقد أن النجاح في التداول يعتمد على الموهبة الفطرية.
لتسوية هذا النقاش، قرر دينيس إجراء تجربة غير مسبوقة، في عامي 1983 و1984، قام بتوظيف وتدريب 23 شخصًا (21 رجلاً وامرأتين) لم يكن لديهم خبرة سابقة في التداول، وأطلق عليهم اسم “التورتلز”، درّبهم لمدة أسبوعين فقط على نظام تداول بسيط يعتمد على اتباع الاتجاهات (Trend-Following System).
تضمن النظام شراء الأصول عندما ترتفع الأسعار فوق نطاقها الأخير، والبيع عندما تنخفض دون هذا النطاق، علّم دينيس التورتلز تقليص حجم الصفقات خلال الفترات الخاسرة، والتوسع في الصفقات الرابحة بنسبة تصل إلى ثلث أو نصف إجمالي التعرض، مع الحفاظ على تعرض إجمالي لا يتجاوز 24% من رأس المال.
كان هذا النظام يولد خسائر خلال الفترات التي تكون فيها الأسواق مستقرة، لكنه يحقق أرباحًا كبيرة خلال التحركات الكبيرة في السوق.
بعد التدريب، منح دينيس كل متداول مليون دولار من أمواله الخاصة لإدارتها، وبعد خمس سنوات، حقق التورتلز أرباحًا إجمالية بلغت 175 مليون دولار، وهو إنجاز مذهل أثبت صحة نظرية دينيس بأن التداول الناجح يمكن تعلّمه من خلال الانضباط والالتزام بالقواعد.
استراتيجية ريتشارد دينيس في التداول
على الرغم من أن القواعد الدقيقة لاستراتيجية دينيس موثقة في كتب ومواقع متخصصة، إلا أن منهجيته العامة يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- اختيار الأسواق: ركز دينيس على اختيار الأسواق المناسبة للتداول. التداول في أسواق قليلة يقلل من فرص الاستفادة من الاتجاهات، بينما التداول في أسواق ذات حجم تداول منخفض أو بدون اتجاهات قوية قد يكون غير مجدٍ.
- حجم الصفقات: كان دينيس يعتبر تحديد حجم الصفقة العامل الأكثر أهمية في التداول. المبتدئون غالبًا ما يخاطرون بمبالغ كبيرة، مما يزيد من احتمالية خسارتهم. نظام دينيس يعتمد على إدارة المخاطر بحذر.
- نقاط الدخول: استخدم دينيس إشارات دخول واضحة تحدد السعر وحالة السوق بدقة، سواء للشراء أو البيع، بناءً على تحليل الاتجاهات.
- وقف الخسائر: أكد دينيس على أهمية تحديد نقطة الخروج من الصفقات الخاسرة مسبقًا، لتجنب الخسائر الكبيرة.
- نقاط الخروج من الصفقات الرابحة: كان دينيس يرى أن تحديد وقت الخروج من الصفقات الرابحة أمر حاسم لتحقيق الأرباح. أي نظام تداول لا يتناول هذا الجانب يُعتبر ناقصًا.
- التكتيكات: أعطى دينيس أهمية للتنفيذ الفعال للصفقات، خاصة في الحسابات الكبيرة التي قد تؤثر فيها عمليات الدخول والخروج على أسعار السوق.
نهاية مسيرة ريتشارد دينيس
على الرغم من نجاحاته الباهرة، واجه دينيس تحديات كبيرة، في عام 1987، تكبد عملاؤه خسائر فادحة خلال انهيار سوق الأسهم المعروف باسم “الإثنين الأسود” (Black Monday).
في العام التالي، قرر دينيس الابتعاد عن إدارة أموال العملاء، محتفظًا بثروة تقدر بحوالي 200 مليون دولار، تحول بعدها إلى السياسة، حيث استثمر في قضايا ومرشحين يعكسون فلسفته التي وصفها بأنها “مزيج فريد من الأسواق الحرة اقتصاديًا والسياسات الاجتماعية الليبرالية”.
لا يزال إرث ريتشارد دينيس حيًا في عالم التداول، لم يقتصر نجاحه على تحويل 1600 دولار إلى 200 مليون دولار، بل امتد إلى إثبات أن التداول الناجح يعتمد على الانضباط، القواعد، ونظام مدروس وليس على الموهبة الفطرية.
إذا كنت تطمح لأن تصبح متداولًا ناجحًا، فقد تكون نصيحة دينيس بمثابة دليلك: التزم بالقواعد، تحكم في المخاطر، ولا تدع العواطف تسيطر على قراراتك.
قصة دينيس ليست مجرد قصة نجاح مالي، بل هي درس في الإيمان بالنفس، التعلم المستمر، والجرأة لتحدي المألوف.
أفضل منصات التداول الموثوقة
 | إبدأ الآن | شراء وبيع الأسهم الأمريكية |
|---|---|---|
 | إبدأ الآن | مراجعة اكسنيس |
 | إبدأ الآن | مراجعة XM |
 | إبدأ الآن | مراجعة FBS |
 | إبدأ الآن | مراجعة AvaTrade |
