قبل أكثر من 10 سنوات تحدث الرئيس السوري بشار الأسد عن خطة ربط البحار الخمسة والتي تجعل من سوريا محورا لها ويستفيد العراق منها أيضا.
لكن هذا المشروع الإستراتيجي لم يتحقق، جاءت الثورات العربية وظهر صراع آخر كبير في المنطقة وهو الصراع على الغاز الطبيعي، بين الأنبوب الإيراني الذي سيمر عبر العراق نحو سوريا ثم إلى أوروبا والأنبوب القطري الذي سيمر عبر شمال سوريا نحو تركيا ثم إلى أوروبا.
اليوم ومع سعي الصين والهند ودول جنوب شرق آسيا سريعة النمو لإيجاد طرق شحن بضائعها بسرعة نحو الغرب وبأقل تكلفة، يتضح أن الشرق الأوسط سيكون محطة مهمة في طريق تلك القطارات والشاحنات.
ما هي خطة ربط البحار الخمسة ومن يقف وراءها؟
كانت سوريا قبل الحرب الأهلية بلدا مستقرا ذات تعليم جيد في المنطقة وتتنامى به الصناعات المختلفة، وطريق تركيا نحو العالم العربي، لكن رفض هذا البلد خطة الغاز القطري الذي سيغرق أوروبا ويحررها من التبعية لروسيا على مستوى الطاقة، جعل تغيير النظام في دمشق أمنية للكثير من الدول وأبرزها تركيا.
طرح بشار الأسد خطة ربط البحار الخمسة، وهي مبادرة اقتصادية منه لربط الشرق والغرب وتنمية التجارة والمنطقة بشكل شامل.
ويبدو من خطته أن سوريا هي مركز التجارة العالمية كما كانت في الماضي بالفعل، ومن جهة أخرى ستستفيد دول مثل الأردن والعراق وحتى السعودية وايران من هذه المبادرة.
افترضت المبادرة بحسن نية، أن كل هذه الدول المتعارضة فيما بينها ستتعاون اقتصاديا وتقيم طرقا تجارية متنوعة من وإلى أوروبا.
والبحار الخمسة هي بحر قزوين، والأسود، والمتوسط، والخليج العربي، والأحمر، ما يعني أن التجارة في المنطقة ستزدهر ولن تتراجع أهمية قناة السويس.
تنمية سوريا والعراق والأردن ودول أخرى:
الحقيقة أن سعي الصين والدول الأسيوية الأخرى إلى ربط آسيا وأوروبا تجاريا وبشكل أفضل سيعود بالكثير من التنمية على دول المنطقة.
في الأسابيع الماضية عقدت الصين اتفاقا ضخما مع ايران، وهو اتفاق تجاري يتضمن انفاق المليارات من الدولارات على تحسين البنية التحتية من خلال بناء السكك الحديدية وتشييد الطرقات لنقل السلع من الصين إلى ايران وداخل هذا البلد الكبير.
لكن هل تتوقف الطرقات هناك؟ التالي هو العراق، بلد آخر يحتاج إلى تنمية كبرى وتشييد الطرقات والسكك الحديدية لنقل السلع، منها ما يمر نحو تركيا ومنها ما يمر إلى سوريا.
هذه المبادرة التي تتطلب مشاركة كبرى وفعالة من الصين والهند وايران وتركيا والسعودية والأردن وسوريا ولبنان وإسرائيل ومصر وفلسطين ستمكن من بناء شبكة كبرى من الطرقات والسكك الحديدية لنقل السلع.
ولا يتوقف الأمر عند تبادل السلع والتجارة بل أيضا نقل الطاقة من المصدرين المهمين مثل السعودية وقطر والإمارات بما فيها الطاقات المتجددة، وهي مشاريع متنامية في المنطقة وستكون محور الصراع الطاقي في أوروبا مستقبلا.
من منطقة حروب إلى منطقة تجارة عالمية؟
إذا تحققت هذه الرؤيا فإن الحروب العسكرية لن تجد لها مكانا في الشرق الأوسط، ستكون التجارة هي لغة التجاور بين هذه الدول، وستعود التنمية الشاملة على الشعوب بالكثير من المكتسبات.
ستتحول المنافسة من السباق نحو التسلح إلى السباق نحو إقامة المصانع والتصنيع وتحسين الصناعات المحلية واستخدام الشبكة الكبرى لشحن السلع إلى أوروبا ومنها أيضا إلى أمريكا الشمالية ولا ننسى أيضا أمريكا اللاتينية.
ستستفيد دول شمال أفريقيا من هذا الحراك التجاري، فهي الأخرى تأمل نحو استغلال مقدراتها في انتاج الطاقات النظيفة وتصديرها، وأيضا ستصبح طرقا مهما نحو أفريقيا للسلع الغربية والشرقية، وطرقا أيضا لتصدير السلع الأفريقية إلى تلك الأسواق.
سيكون وضع دول المنطقة مثل دول جنوب شرق آسيا التي تتسابق في التجارة والتي استفادت شعوبها من التنمية الصناعية والتجارية.
في الوقت الحالي لا تبدو هذه الصورة الوردية ممكنة، لكن من يتابع المبادرات التجارية التي يعلن عنها في أبوظبي وتل أبيب وبكين وطهران ورؤية 2030 في السعودية، يمكن أن يلاحظ بأن مشروع ربط البحار الخمسة لا يزال ممكنا.
إقرأ أيضا:
مبادرات بديل قناة السويس من إسرائيل والإمارات
أهمية قناة السويس ولماذا هذا الممر هو الأفضل؟
مؤامرة السفينة الجانحة بقناة السويس ضد مصر
تداعيات جنوح سفينة قناة السويس على التجارة العالمية