عندما يأتي بحر التضخم والغلاء وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، تجد الحكومات نفسها في كل دول العالم أمام وضعية اقتصادية ومالية معقدة، وضعية تحتاج إلى حلول متنوعة كي لا يصبح التضخم الوضع الجديد لفترة طويلة.
يشهد العالم أكبر موجة تضخم منذ عقود، وهي موجة قد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية واحتجاجات مدمرة قد تسقط فيها دول وحكومات وينهار الأمن.
إليك خيارات الحكومة في أي بلد لمواجهة الغلاء وارتفاع الأسعار.
دعم الإنتاج المحلي وتقليل الإستيراد من الخارج
شهدت دول شمال أفريقيا خصوصا المغرب ومصر وتونس قصص نجاح لصناعات مختلفة، وهذه الدول القريبة من القارة الأوروبية يمكنها أن تكون بديلا للصناعة المحلية والإقليمية في مجالات كثيرة.
أصبح المغرب رائدا في صناعة السيارات بأفريقيا، وتنتقل المزيد من الشركات الأوروبية والأمريكية وحتى الصينية التي تود شحن السيارات إلى الأسواق الأوروبية والأفريقية بسرعة نحو التصنيع في المملكة.
تستطيع مختلف الدول العربية استنساخ هذه التجربة الناجحة وتطبيقها في مجالات كثيرة، عوض الإعتماد على استخراج النفط والغاز والمعادن وبيعها.
من خلال استقطاب المصانع والشركات العالمية وتقديم إعفاءات ضريبية لها وتمكينها من الوصول على يد عاملة قادرة على المتدربة والإنتاج بتكلفة أقل، يمكن تقديم منتجات بأسعار أقل للأسواق المحلية، ومن جهة ستكون دول المنطقة قادرة على مضاعفة قيمة الصادرات إلى الأسواق الأوروبية المتعطشة لمنتجات تنتج بأرخص الأسعار وفي دول قريبة.
يعد التوجه الأمريكي الأوروبي إلى تقليل الإعتماد على الصين في الصناعة فرصة لدول المنطقة، وهناك تحركات مشجعة حاليا في كل من مصر والمغرب والسعودية والإمارات.
من المعلوم أن واحد من أسباب التضخم حاليا هي أزمة سلسلة التوريد، حيث توقفت مصانع صينية كثيرة بسبب سياسة الحكومة الصينية الصارمة في مكافحة فيروس كورونا، كما أن احتياطاتها من الإنتاج نفذت وتم بيعها كلها.
دعم الشركات الناشئة والصغيرة والمحلية
لا تطلب هذه الشركات أموالا لدعمها، ولكن من خلال خفض الضرائب المفروضة عليها، يمكنها أن تكون قادرة على توظيف مزيد من الأشخاص والأهم تقديم منتجات وخدمات أرخص.
تبحث هذه الشركات عن تقديم حلول جديدة لمشاكل كبيرة تواجه المستهلكين، وتعد الأسعار المنخفضة واحدة من الأساليب التي تلجأ إليها في سبيل الحصول على حصة سوقية أكبر.
يمكن للحكومة تقديم الدعم بشروط، واعفاءات وحوافز مرتبطة بالإنجازات وتقدم الشركة، وهذا لأننا نعلم أن البعض في مجال ريادة الأعمال يبحث عن تحقيق مكاسب شخصية ومن ثم يخرج من السوق.
واحدة من طرق دعم هذه الشركات هي الإعتماد عليها في المشاريع المحلية عوض الإعتماد على علامات تجارية عالمية وإقليمية، وهكذا تضمن الدول تقليل انفاق الاحتياط النقدي من العملات الصعبة في التعامل مع شركات أجنبية.
تثبيت الأسعار وزيادة الدعم الحكومي
في زمن العالم الرقمي يمكن للحكومة دعم الأسعار للفئات الفقيرة والمتوسطة، لكن للأسف لا تتوفر لدى الحكومات الكثير من البيانات الدقيقة عن الفئات التي يجب أن تستفيد من الدعم، لهذا يأتي نظام الدعم الحكومي ليكون شاملا ويستفيد منه الجميع بما فيها الفئات التي لا تحتاج إليه.
لهذا السبب ينتقد صندوق النقد الدولي عادة نظام الدعم الحكومي التقليدي وهو أمر منطقي، لكن في ظل الظروف الحالية وضعف التحول الرقمي، لا ينبغي رفع الدعم عن المواد الأساسية ودعم الطاقة لا يزال ضروريا أيضا، لكن يجب ان نتفق أن هذا يزيد من الإنفاق الحكومي وبالتالي زيادة الإقتراض الخارجي والديون.
توفر اليوم التكنولوجيا طرق جديدة من أجل اتاحة الدعم للفئات التي تحتاجه بالفعل، ويمكن خفض أسعار المواد الأساسية لهم إلى مستويات لا يمكن تصديقها.
ينبغي أن تكون هناك معايير محددة، وأبرزها المهنة والدخل الشهري والسنوي، وحجم العائلة والحالة العائلية، وهذا كي يستفيد فقط الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة.
لن يكون صادما بالنسبة لي، إن كان نظام الدعم الذي نؤيده أفضل، من حيث العدالة وأيضا سيقلل من انفاق الحكومة على دعم المواد الأساسية.
التشجيع على زيادة الرواتب
في زمن التضخم ترتفع عادة الرواتب وهذا عادة في مختلف الدول ولدى الشركات التي تقدر هذه الظرفية، إن كانت الحكومة ستقلل الدعم أو تخصصه لفئات معينة، يجب تحسين الرواتب ودفع الشركات لذلك من خلال تقديم إعفاءات ضريبية لأي شركة تقدم على ذلك.
يمكن تحسين الرواتب خلال الأزمة الاقتصادية، ومع تراجع الأسعار والتعافي من التضخم يمكن خفضها قليلا، او إيقاف ارتفاعها لفترة مهمة.
وللعلم فإن تحسين الرواتب من الأفضل أن يركز بالأساس على الفقراء ومنخفضي الدخل، إذ سينفق هؤلاء عادة الزيادة في تلبية الإحتياجات الأساسية.
مكافحة الإحتكار للحد من التربح من الشركات
في حين أننا لن نكون قادرين على الإصلاح الفوري لعقود من توحيد الشركات والتراخي في تنظيم مكافحة الإحتكار، إلا أنه من خلال تبني خطط شجاعة والمساءلة يمكن تغيير هذا الواقع.
ينبغي أن تعرف الحكومات أن الإحتكار يؤدي إلى ارتفاع الأسعار والتحكم في العروض والجودة، وعلى المدى الطويل يهدد الاستقرار الاجتماعي.
يصبح هذا خطيرا أكثر في القطاعات الأساسية مثل الطاقة والزيت والسكر والقمح والألبان والبنوك والكهرباء والماء الصالح للشرب، غياب المنافسة يدفع الشركات التي تسيطر على القطاعات إلى رفع الأسعار أو تقديم منتجات بسعر أعلى من السعر العادل.
في المنافسة الشديدة تلجأ الشركات إلى تقليل هامش الربح لديها وبالتالي تقليل الأسعار التي تعرض بها منتجاتها، وهذا يساعد على تقليل الأسعار بشكل عام.
تطوير الموانئ وتحسين جودة الشحن
في الولايات المتحدة الأمريكية أمرت إدارة بايدن بالفعل الموانئ بالبقاء مفتوحة 24 ساعة في اليوم وعلى مدار الأسبوع، كما أن تغيير قوانين تقسيم المناطق للسماح بتخزين حاويات الشحن بشكل أكثر كثافة، سمح لميناء لونج بيتش بكاليفورنيا بتكديس الحاويات ضعف ارتفاعها من قبل.
تعد هذه الإجراءات البسيطة مهمة، وهذا لزيادة الإستيراد والتصدير وتسهيل الشحن الدولي والمحلي، وتلبية الطلبات المتراكمة ومعالجتها بسرعة.
في الداخل يجب بناء مزيدا من الطرقات واطلاق مشاريع القطارات السريعة ودعم قطاع النقل لتقليل تكاليف الشحن والتوزيع للمنتجات والسلع.
من خلال زيادة الطرق ووسائل النقل إضافة إلى دعم الشركات العاملة في هذا المجال، يمكن بالفعل تقليل التكاليف النهائية بنسبة مهمة.
إذا كانت الدولة لا تريد دعم أسعار الوقود، يمكن جعل الدعم حصريا لوسائل النقل العامة وشاحنات النقل، وازالته بالنسبة لأصحاب السيارات من الطبقتين المتوسطة والغنية.
فرض ضريبة الثروة
يمكن فرض ضريبة على الأكثر ثراء، وهي نسبة قليلة من الناس ضمن عدد السكان، يمكنهم المساهمة في الميزانية العمومية بمبالغ طائلة، وهذا بالطبع دون قهرهم أو دفعهم إلى نقل أموالهم نحو بلدان أخرى.
تعد ضريبة الثروة من القضايا الحساسة التي يتم مناقشتها في المزيد من دول العالم، وتحتاج إلى التعامل بعدالة ودون تحقير للطبقة الثرية أو تصوير الضريبة على أنها عقاب لهم.
إقرأ أيضا:
يمكن أن نقلل التضخم والغلاء باستخدام التكنولوجيا
أسباب ارتفاع التضخم في أمريكا والصين والعالم
أزمة التضخم الإقتصادي العالمي 2022
5 طرق للإستفادة من التضخم وحماية المدخرات المالية
كيفية حماية شركتك من التضخم الإقتصادي وانهيار العملة