
مات ما لا يقل عن 5 ملايين شخص من الجوع في الاتحاد السوفياتي بين عامي 1931 و 1934، بما في ذلك 3.9 مليون أوكراني، لقد كانت مأساة كبيرة تسبب فيها جوزيف ستالين وعلى ما يبدو فإن فلاديمير بوتين قد يرتكب مجزرة أخرى مشابهة لكنها ستكون عالمية.
الآن بعد ما يقرب من قرن من الزمان، أرسلت موسكو الجنود مرة أخرى للاستيلاء على الحبوب الأوكرانية، ويُقتل المزارعون وقد نُهبت حظائرهم ومخازنهم، ومرة أخرى يُجبر الشعب الأوكراني على دفع ثمن جنون القيصر المجاور له.
أوكرانيا بلد ملعون بسبب الجغرافيا: فهي تقع إلى جانب روسيا، وبالتالي فهي ساحة معركة بين الغرب وموسكو، ومن الصعب أن تظل مستقرة لعقود طويلة.
أقل شهرة هو أن أوكرانيا تعاني أيضًا من خصوبتها، البلد مغلف بما يسمى “التربة السوداء” (تشيرنوزم)، والتي تحتوي على الدبال ومجموعة متنوعة من العناصر الدقيقة التي تجعلها أكثر تربة خصوبة في العالم.
ينمو فيها كميات هائلة من الشعير والقمح والذرة وفول الصويا وبذور اللفت وعباد الشمس، حوالي 2٪ فقط من تربة العالم هي تربة سوداء وحوالي 25٪ منها يوجد في أوكرانيا.
يوجد في البلاد حوالي 42 مليون هكتار من الأراضي الزراعية، يُزرع منها ما يقرب من 32 مليونًا كل عام أي ما يعادل تقريبًا ثلث الأراضي الصالحة للزراعة في الاتحاد الأوروبي بأكمله، إنها قوة عظمى زراعية.
وفقًا لوزير الزراعة السابق، رومان ليشينكو، “ليس من المبالغة القول إن أوكرانيا تستطيع إطعام العالم” وهنا تكمن المشكلة.
اعتبر ستالين أوكرانيا “سلة خبز” الاتحاد السوفيتي وعندما حلم هتلر بفكرة مجنونة للإمبراطورية قائمة على مبدأ المجال الحيوي كانت السيطرة على التربة السوداء لأوكرانيا هدفا من أجل تأمين الأمن الغذائي لهذا البلد.
منذ الغزو الروسي في 24 فبراير، تم تدمير أحياء مدينة والبنية التحتية العامة، كما سرقوا معدات زراعية وقصفوا مواقع تخزين الطعام وسرقوا آلاف الأطنان من الحبوب.
إنه هجوم نظامي ومخطط له وأكثر وضوحًا في جنوب البلاد، وقد أبلغ المزارعون في منطقتي خيرسون وزابوريزهزيا عن سرقات متعددةـ في العديد من القرى ورد أن الجنود الروس سرقوا 1500 طن من الحبوب من وحدات التخزين التي قادوها بعد ذلك إلى شبه جزيرة القرم.
ثم هناك مشكلة أن أوكرانيا لا تستطيع تصدير الحبوب التي لديها، وقد تم اغلاق الميناء في أوديسا خوفًا من الهجمات الروسية.
سرقت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014 ومعها أهم ميناء في أوكرانيا، الآن تريد ماريوبول ومعها وصول أوكرانيا إلى بحر آزوف وتتجه نحو ميكولايف وبعد ذلك في النهاية، تأمل أن تسيطر على أوديسا.
في غضون ذلك يقصف الجيش الروسي كلتا المدينتين ما يجعل موانئهما غير صالحة للاستعمال، وهو ما يعني أن أوكرانيا لا تستطيع تصدير منتجاتها.
هذا يخلق مشكلة ذات شقين، أولاً أوكرانيا لديها 320 مليون طن من الحبوب عالقة في البلاد من محصول العام الماضي، والتي تقدر التقارير أنها تكلف أوكرانيا حوالي 15 مليار دولار من العائدات، ومما زاد الطين بلة أن المحصول الجديد جاهز في أواخر يونيو، مما يعني أنه سيتعين تخزين المزيد إذا تعذر بيعه.
لكن كييف عادة ما تبيع حبوبها على الفور، لذا فهي لم تكلف نفسها عناء الإستثمار في التكنولوجيا المناسبة للتخزين طويل الأجل، والآن فإن الحبوب معرضة لخطر التعفن.
يخلق هذا معًا مشكلة ثانية تنتشر إلى ما هو أبعد من أوكرانيا، تعتمد العديد من الدول الأفريقية على الحبوب الأوكرانية.
حوالي 40٪ من حبوب الطحين في مصر تأتي من أوكرانيا، إذا لم يتحقق هذا فلن تكون هناك مجاعة ولكن من المحتمل أن يكون هناك جوع واسع الانتشار، سيكون تأثير هذا على البلاد وكذلك على الاستقرار السياسي في المنطقة، من شبه المؤكد أن يكون كارثيا.
ولاشك أن الدول العربية من أكبر الخاسرين في الحرب الروسية، في الوقت الذي يطبل فيه العرب لمغامرة بوتين، يواجهون ارتفاع الأسعار وخطر نفاذ القمح وتوقف المطاحن عن العمل في الأسابيع والأشهر القليلة القادمة.
لا يزال الجيش الروسي يقاتل مثلما فعل الجيش الأحمر خلال الحرب العالمية الثانية، فيما تظل تكتيكاته غبية بنفس القدر، وكذلك وحشيته لا تخضع للرقابة.
كلما زادت روسيا من إثارة ذكريات المجاعة الكبرى، زاد الشعور القومي بها في الأوكرانيين، فكلما زادت سرقتها واغتصابها وقتلها أصبحت أوكرانيا مصممة أكثر على المقاومة حتى النهاية إذا لزم الأمر.
بينما يشتري العالم النفط الروسي ويمول حربه، فإن العديد من الدول تشتري أيضًا حبوبها، والتي يكاد يكون من المؤكد أن بعضها مسروق من أوكرانيا.
وبدءًا من شهر مارس، أبرمت موسكو صفقات جديدة مع مصر وتركيا وسوريا وإيران ولبنان وليبيا، لكن هذه الدول كلها بحاجة إلى القمح ولا يهم الدولة التي يمكن استيراده منها.
إقرأ أيضا:
المجاعة في الكتاب المقدس هي أكثر من مجرد لعنة
توقعات نوستراداموس 2022 من الروبوتات إلى المجاعة
5 مراحل السقوط من الأمن الغذائي إلى المجاعة
الزراعة في الفضاء ومطر الأرز لمنع المجاعة القادمة
المجاعة تتفوق على الوباء في زمن كورونا