انتشرت على منصّات التواصل الاجتماعي العربية صورة خريطة اسرائيل الكبرى على البدلة العسكرية الإسرائيلية ويتم تداولها منذ أشهر طويلة.
هذا أثار موجة من الادعاءات بأن هذه الخريطة تعكس أهدافاً توسعية رسمية لدى دولة إسرائيل وذريعة لاستثارة الرأي العام العربي ولحثّ الحكومات على شنّ حرب ضدها.
سياق انتشار صورة خريطة اسرائيل الكبرى على البدلة العسكرية الإسرائيلية
الصورة التي نحن بصددها تُظهر رقعة ملصقة على كم زي عسكري إسرائيلي. تحمل الرقعة خريطة تمتد من النيل إلى الفرات، مع كتابة باللغة العبرية تقول “ארץ ישראל השלמה”، والتي تُترجم إلى “أرض إسرائيل الكاملة”.
ظهرت هذه الصورة لأول مرة خلال فترة تصاعد التوترات في قطاع غزة، حيث بدأت تنتشر عبر منصات مثل فيسبوك وإكس (تويتر سابقاً) مصحوبة بتعليقات تحذر من “الطموحات التوسعية الإسرائيلية”.
بعض المنصات الإخبارية العربية، مثل “Middle East Monitor” الذي تموله قطر وجماعة الإخوان المسلمين، تناولت الصورة ضمن تقارير تسلط الضوء على ردود الفعل الشعبية الغاضبة في الدول العربية، لكن دون تقديم أي تحليل دقيق لمصدر الصورة أو مدى صحتها.
هذا الانتشار السريع ساهم في تعزيز الرواية التي تتهم إسرائيل بالسعي للسيطرة على المنطقة بأكملها، دون أي محاولة جادة للتحقق من الحقائق.
تحليل الرقعة: هل هي رسمية أم فردية؟
عند فحص الرقعة عن كثب، يتبين أنها لا تتبع التصاميم الرسمية التي يعتمدها الجيش الإسرائيلي، الرقع العسكرية الرسمية عادةً ما تكون موحدة وتحمل رموزاً محددة مثل علم إسرائيل، اسم الجندي، أو شعار الوحدة العسكرية.
أما هذه الرقعة، فهي تحمل طابعاً رمزياً واضحاً يرتبط بالمفهوم الديني لـ”أرض الوعد”، وليس بالسياسة العسكرية الرسمية.
خبراء جمع الرقع العسكرية (morale patches) أشاروا إلى أن مثل هذه الرقع يمكن تصنيعها بسهولة عبر متاجر إلكترونية مثل Etsy أو Amazon، حيث يتيح العديد من المواقع تصميم رقع مخصصة بناءً على طلب العميل.
هذا يعني أن الرقعة قد تكون من صنع فردي، وليست جزءاً من الزي الرسمي المعتمد من قبل الجيش الإسرائيلي حيث لم يتم رصدها على أرض الواقع.
قوانين الزي العسكري في إسرائيل: ما المسموح وما الممنوع؟
للتحقق من مدى صحة وجود مثل هذه الرقعة على زي جندي إسرائيلي، لا بد من النظر في القوانين التي تحكم الزي العسكري في جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF).
بحسب التوجيهات الرسمية الصادرة عن الجيش، هناك ضوابط صارمة تحدد الشعارات والرقع المسموح بارتدائها، الرقع الرسمية تقتصر على ثلاثة عناصر فقط: علم إسرائيل، اسم الجندي، وشارة الوحدة العسكرية التي ينتمي إليها.
أي إضافة أخرى، سواء كانت دينية، سياسية، أو أيديولوجية، تُعد مخالفة تأديبية، العقوبات على هذه المخالفات قد تشمل الإنذار، الفصل المؤقت، أو حتى الحرمان من الراتب.
في تقرير نشرته صحيفة “Times of Israel“، أُشير إلى أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، أصدر تعليمات صارمة بمنع أي رموز غير معتمدة، بل وأزال بنفسه رقعاً تحمل شعارات دينية من أزياء بعض الجنود خلال جولاته التفقدية.
حقيقة خريطة اسرائيل الكبرى على البدلة العسكرية الإسرائيلية
تفحص الخبيرون وعشّاق جمع الرقع (morale patches) هذه الرقعة وتبيّن أنها تصوّر الحدود التوراتية التاريخية لأرض “الوعد” من نهر النيل إلى نهر الفرات، وليس حدود دولة إسرائيل الحديثة.
يمكن لمن يرغب اقتناء مثل هذه الرقع أن يشتريها من متاجر إلكترونية متخصّصة في بيع “باتشات” غير رسمية أو حتى يصنعها حسب الطلب، بعيداً عن أي سياسة عسكرية رسمية.
للحصول على صورة أوضح، قمنا بالبحث في المنتديات الإسرائيلية مثل r/Israel وr/Jewish على موقع Reddit في هذه المنتديات، أكد العديد من المستخدمين أن الصورة لا تعكس سياسة رسمية، بل هي على الأرجح مزيفة أو مصنوعة بشكل فردي.
أحد المستخدمين، الذي زعم أنه جندي سابق في الجيش الإسرائيلي، أشار إلى أن أي جندي يرتدي مثل هذه الرقعة سيواجه عقوبة فورية من قائده، لأنها تُعتبر خرقاً للقوانين العسكرية.
مستخدم آخر أضاف أن هذه الرقع قد تكون شائعة بين بعض الأفراد المتطرفين دينياً، لكنها لا تمثل بأي شكل من الأشكال موقف الجيش أو الحكومة الإسرائيلية.
توظيف حساسية قضية خريطة اسرائيل الكبرى
لفهم هذا الجدل، لا بد من العودة إلى السياق التاريخي والديني الذي يُستخدم غالباً كمرجعية لمثل هذه الخرائط، مفهوم “أرض الوعد” مستمد من النصوص التوراتية التي تتحدث عن حدود أرض الميعاد التي وعد الله بها بني إسرائيل، والتي تمتد من النيل إلى الفرات بحسب التفسيرات الدينية التقليدية.
هذا المفهوم، على الرغم من أهميته الدينية والرمزية بالنسبة للبعض، لا يعكس بأي شكل من الأشكال السياسة الرسمية لدولة إسرائيل الحديثة التي تأسست عام 1948.
فإسرائيل كدولة معترف بها دولياً لها حدود محددة لا تتجاوز المناطق التي أُقرت بموجب قرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك الأراضي المحتلة عام 1967 والتي لا تزال محل نزاع، الخلط بين المفهوم الديني التاريخي والسياسة الحديثة هو أحد الأسباب التي أدت إلى سوء الفهم الذي غذّى انتشار مثل هذه الصورة.
هناك عدة عوامل ساهمت في انتشار هذه الصورة وتصاعد الجدل حولها. أولاً، الدعاية السياسية لعبت دوراً كبيراً، حيث استغل البعض الصورة لتصوير إسرائيل كدولة تسعى للهيمنة على المنطقة، مما يغذي مشاعر الخوف والعداء لدى الجمهور العربي.
ثانياً، غياب التحقق الدقيق من المعلومات ساهم في انتشار الصورة دون تدقيق، حيث أعاد العديد من المستخدمين والمنصات الإخبارية نشرها دون البحث في مصدرها.
ثالثاً، سوء الفهم التاريخي والديني أدى إلى الخلط بين المفاهيم التوراتية وبين السياسات الحديثة لدولة إسرائيل، مما جعل البعض يعتقد أن هذه الخريطة تعكس أهدافاً سياسية ملموسة.