عندما قررت روسيا غزو أوكرانيا كان السبب واضحا وهو منع الجارة الغربية من الإنضمام إلى الناتو، ومن الواضح أن بوتين لم يتوقع أن حربه العبثية ستؤدي إلى انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو وتوسع الحلف الأطلسي شرقا.
قبل أسابيع أعلنت كل من فنلندا والسويد رغبتهما في الإنضمام إلى دول حلف الأطلسي أو الناتو، وتوعدت حينها روسيا البلدين وعملت أيضا على قطع الغاز، ورغم كل ذلك أصر البلدين والرأي العام هناك على أن الناتو خيار أفضل لهم.
وقبل الحروب الروسية ضد أوكرانيا، لم تكن فكرة الإنضمام إلى حلف الناتو تحظى بشعبية كبيرة أو قبول لدى الشعبين السويدي والفنلندي، وقد تغير الحال وهناك رأي مخالف هو السائد.
كل دول شرق أوروبا المحايدة لروسيا تسعى حاليا نحو الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو، فهناك فكرة سائدة لدى الأوروبيين وهي أن روسيا دولة امبريالية استعمارية لديها أطماع في جيرانها الغربيين.
ولتجنب الأخطاء التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية، حيث تساهلت أوروبا مع أدولف هتلر وتغاضت عن أول مغامراته وعمليات الإجتياح، لابد من ردع بوتين في أوكرانيا وتتحد أوروبا ضد أطماعه.
بدلاً من تعزيز روسيا ودفع الناتو إلى حدوده التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، يواجه بوتين الآن تحالفًا أكثر توحداً من أي وقت مضى منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، وهو أكثر تصميماً على كبح الانتقام الروسي.
في قمة الناتو في مدريد هذا الأسبوع، يبدو الطريق الآن واضحًا أمام الحلف للتوسع ليشمل هاتين الدولتين، وهما أقوى دولتين في شمال أوروبا حاليا.
بدون الحرب في أوكرانيا، لم يكن توسيع حلف شمال الأطلسي ليشمل دول الشمال محل اهتمام أحد، لم تخض السويد حربًا لمدة 200 عام، وقد عملت فنلندا منذ فترة طويلة على ترسيخ سياسة عدم الانحياز العسكري، على الرغم من أن كلا البلدين أعضاء في الاتحاد الأوروبي.
لكن الغزو الروسي غير المواقف العامة بسرعة وبشكل دراماتيكي، أرسل كلا البلدين على الفور الإمدادات والأسلحة إلى أوكرانيا.
وجدت استطلاعات الرأي العام في فنلندا والسويد مع بدء الحرب دعمًا للانضمام إلى الناتو بنسبة 65 بالمائة في فنلندا و 57 بالمائة في السويد.
تتمتع كلتا الدولتين بجيوش قوية يمكن دمجها بسهولة في عمليات الناتو، وكلا الدولتين ديمقراطيات قوية، وهي شرط أساسي للعضوية.
عملية الحصول على عضوية الناتو ليست تلقائية، تتطلب الدول الأعضاء الجدد موافقة بالإجماع من جميع الدول الأعضاء الموجودة في الناتو والتي يبلغ عددها 30 دولة.
في الولايات المتحدة، سيتطلب التوسيع دعم 67 من أعضاء مجلس الشيوخ على الأقل، ومع ذلك قال الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، إنه يتوقع أن يكون لدى البلدين عملية صعود سريعة، خاصة مع تخلي تركيا عن اعتراضاتها يوم الثلاثاء.
تُعد كل من السويد وفنلندا جزءًا من شراكة الناتو من أجل السلام، حيث من خلال تقوية هذا الحلف يمكن منع أي تهور من روسيا على وجه التحديد وهو البلد الذي سريعا ما يستغل أي رخاء أو نجاح اقتصادي ولو صغير ليدخل الحرب.
تدور المناقشة في القمة حول حلف الناتو الأكبر والأقوى على خلفية وثيقة المفهوم الاستراتيجي الجديدة للحلف ورؤية لمساره في العقد المقبل.
في الآونة الأخيرة قبل عام، كانت تلك الوثيقة على وشك التركيز بشكل أوسع على الصين، وتغير المناخ والأمن السيبراني وهي أولويات مهمة يجب التأكد منها، لكنها حلت محلها الأحداث على الأرض التي تخلق فرصة للتحالف للتركيز على مهمته الأساسية المتمثلة في حماية الحرية والأمن في أوروبا بالوسائل السياسية والعسكرية.
كما تتناول الإستراتيجية المحدثة بشكل صحيح الأشكال الأحدث من الحرب، بدءًا من الذكاء الإلكتروني والذكاء الاصطناعي إلى المعلومات المضللة.
ستساعد التغييرات المدخلة على الناتو الدول الأوروبية الأعضاء في تركيز اهتمامها على التحديات الأمنية التي تواجهها القارة، كما ينبغي أن تؤكد على أن جميع الأعضاء يجب أن يدفعوا نصيبهم العادل.
لسنوات، اعتمد الرؤساء الأمريكيون على أوروبا لإنفاق المزيد على الدفاع عن نفسها، تهدف دول الناتو إلى إنفاق 2٪ من إجمالي الناتج المحلي لديها في الدفاع.
ومع ذلك فإن قلة من الدول تفي بهذه العتبة المعتدلة، مما يؤدي إلى شعور واسع النطاق بأن الأمريكيين كانوا يدعمون الدفاع الأوروبي وتحرر تلك الحكومات لإنفاق المزيد من الأموال على أشياء مثل دول الرفاهية السخية، وهي النقطة التي استغلها دونالد ترامب لضرب إلتزامات الولايات المتحدة اتجاه الحلفاء.
لكن مع تعهد ألمانيا انفاق 100 مليار يورو سنويا على التسلح وبناء أوروبا قوية عسكريا، لن يكون هناك خلاف أوروبي أمريكي، حيث ستسعى الولايات المتحدة لتكون المزود الأساسي بالسلاح لهذه الدول، ما يحقق لشركاتها العسكرية الكثير من المكاسب.
إقرأ أيضا:
تحالف روسيا وايران نتيجة أطماعهما الإمبريالية وتشابه ظروفهما
أخطاء الجزائر المعزولة: ضد اتفاقيات إبراهيم ومع روسيا ضد أوروبا
مشكلة تراجع عدد سكان روسيا وتفكك الإتحاد الروسي
هل يصبح الدولار ضعيفا بسبب العقوبات على روسيا؟
هزيمة روسيا في أوكرانيا أصبحت حقيقة