الهجرة حق إنساني تكفله المواثيق الدولية، إلا أن شعب غزة محروم حتى من هذا الخيار، محاصرون في قطاع دمرته الحرب التي أشعلتها حماس بهجومها المتهور في السابع من أكتوبر.
وفي ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها شعب غزة، أصبحت قضية حق الهجرة لشعب غزة واحدة من أبرز القضايا التي تستدعي الانتباه العالمي.
القطاع الذي تعرض لحروب متكررة وحصار مستمر، يعاني اليوم من نقص حاد في الخدمات الأساسية، من الكهرباء والمياه إلى الرعاية الصحية والتعليم وظروف الحياة الكريمة.
ومع تزايد معاناة السكان بسبب البرد القارس والظروف الاقتصادية المتردية، يصبح من الضروري إعادة النظر في حقهم المشروع في البحث عن حياة أفضل خارج حدود هذا الحصار.
الهجرة ليست مجرد خيار، بل هي حق إنساني مشروع يضمنه القانون الدولي لكل شخص يسعى للنجاة من الأزمات والصراعات، ومع ذلك، فإن منع شعب غزة من مغادرة أرضهم بحثاً عن الأمان والاستقرار يمثل ظلمًا لا يغتفر، يتعارض مع القيم الإنسانية والقوانين الدولية.
فكيف يمكن للعالم أن يبقى صامتًا أمام معاناة ملايين البشر الذين يبحثون فقط عن فرصة للحياة؟ إن الحديث عن حق الهجرة لشعب غزة ليس مجرد نقاش سياسي أو قانوني، بل هو دعوة للضمير الإنساني لتحمل المسؤولية وإيجاد حلول عادلة ومستدامة لهذه الأزمة المستمرة.
وترفض مصر والأردن فتح الحدود للفلسطينيين من غزة لأنهم يعرفون ببساطة أن معظم الساكنة في القطاع سيهربون من الجحيم إلى بلدان أفضل حالا وتتوفر فيها الخدمات الأساسية.
أيضا إذا فتحت العديد من الدول الأخرى فرصة لاستقطاب الفلسطينيين وإصدار التأشيرات لهم وفق معايير معينة، سيكون هناك بالفعل طلب كثيف للهجرة إلى تلك الدول.
وترغب مصر والدول العربية في إعادة اعمار القطاع دون السماح لأهلها بالسفر إلى أي مكان خوفا من الحقيقة المؤلمة، سيسافر معظم الفلسطينيين ولن يعود معظمهم إلى القطاع الفلسطيني.
لذا ينبغي التمييز جيدا بين التهجير والحق في الهجرة لأن ما تدافع عنه هذه المقالة هي الحق الذي يملكه كل شخص في العالم وينبغي أن يتمتع به.
التهجير القسري للفلسطينيين هو عملية إجبار السكان المحليين على ترك منازلهم وأراضيهم تحت ضغط عسكري أو سياسي أو اقتصادي، هذه الممارسة ليست فقط مخالفة للقيم الإنسانية، بل تعتبر أيضًا جريمة دولية بموجب القانون الدولي الإنساني.
وفقًا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، يُحظر نقل المدنيين أو تهجيرهم قسرًا من أراضيهم المحتلة، كما أن التهجير القسري قد يُعتبر جريمة ضد الإنسانية بموجب ميثاق روما الذي أسس المحكمة الجنائية الدولية.
في حالة الفلسطينيين، تمثل عمليات التهجير القسري انتهاكًا صارخًا لهذه القوانين، حيث تعرض آلاف الفلسطينيين للطرد من منازلهم منذ النكبة عام 1948 وحتى اليوم.
هذا الواقع يجعل الحديث عن حق الهجرة أمراً مختلفًا تمامًا، إذ يجب التمييز بين الإرادة الحرة للفرد في البحث عن حياة أفضل وبين الإجبار على مغادرة الأرض.
على النقيض من التهجير القسري، فإن حق الهجرة هو حق مشروع ومكفول قانونيًا لكل فرد، تنص المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “كل شخص له الحق في حرية التنقل والإقامة داخل حدود الدولة، وكذلك الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده الخاص، والعودة إليه”.
هذا الحق لا يعني فقط حرية التنقل داخل الدولة، بل يشمل أيضًا القدرة على مغادرة الوطن بحثًا عن فرص أفضل أو الأمان الشخصي.
بالنسبة لسكان غزة، الذين يعانون من حصار مستمر وظروف حياتية قاسية، فإن حق الهجرة يمثل خيارًا مشروعًا لتحقيق الاستقرار والحياة الكريمة.
رغم وجود هذا الحق القانوني، إلا أن سكان غزة يواجهون قيودًا صارمة على حرية التنقل بسبب الحصار المفروض عليهم منذ سنوات، الحواجز العسكرية والإجراءات الأمنية المشددة تجعل من الصعب للغاية على المدنيين مغادرة القطاع، حتى لأسباب طبية أو تعليمية.
وهذه القيود تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي يؤكد على أهمية توفير بيئة آمنة ومستقرة للجميع، كما أنها تتنافى مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني التي تدعو إلى حماية المدنيين وضمان حقوقهم الأساسية.
في حين أن القانون الدولي يمنع إجبار الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم قسرًا، إلا أنه لا يمكن حرمانهم من حقهم الإنساني في البحث عن حياة كريمة في مكان آخر.
لهذا منع شعب غزة من الهجرة ليس فقط انتهاكًا لحقوق الإنسان، بل هو أيضًا شكل من أشكال العقاب الجماعي الذي يعمق المعاناة الإنسانية في القطاع.