
تستمر المقاطعة في المغرب للعديد من المنتجات، وتشهد تونس والجزائر حراكا مشابها مع منتجات وشركات أخرى، والهدف واحد الاحتجاج بطريقة سلمية وحضارية ضد الغلاء وارتفاع الأسعار.
وبالطبع فما يحدث هنا ليس ابتكارا جديدا أو ظاهرة مبتكرة، فالتاريخ مليء بحالات المقاطعة، فبالعودة إلى بدايات الاسلام نجد أن قريش قد قاطعوا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه، بمنع البيع أو الشراء منهم أو الزواج منهم.
وخلال العقود الأخيرة رأينا مثلا مقتطعة منتجات الدنمارك لإساءتها إلى نبي الإسلام، أو حتى قيام بعض الأمريكيون الداعمون لإسرائيل بإنشاء محطات بنزين لا تبيع النفط العربي والتي تحمل عنوان (نفط خالي من الإرهاب).
رأينا حملات مقاطعة لمنتجات وخدمات لأسعارها المرتفعة أو لأن الشركات التي تقف خلفها تنهج سياسات احتكارية، أو حتى لسوء جودة الخدمات.
-
المقاطعة قانونية ولا تعد مخالفة أو من الممنوعات
تعد المقاطعة الإقتصادية واحدة من أشكال الاحتجاج السلمي، وهي مقبولة وقانونية على مر التاريخ ولا توجد أي قوانين تمنعها أو تجرمها.
وتعد شكلا من أشكال التنديد بارتفاع الأسعار أو الجودة السيئة للمنتجات أو الخدمات الرديئة، ويمكن ممارستها ضد الشركات والخدمات والمؤسسات والمنتجات وحتى أحيانا تمارس ضد الصحافة لأنها متحيزة أو أنها لا تنقل الحقيقة.
في المقاطعة يعمل المقاطعون على تجنب شراء منتج أو استخدام خدمة معينة أو التعامل مع جهة محددة، وهذا بشكل جماعي منظم وحضاري وبعيدا عن خطاب الكراهية.
-
المقاطعة ليست ارهابا … ربما الإرهاب هي الممارسات الاحتكارية
فيما نؤمن بحق الشركات في الدفاع عن حقوقها والبحث عن كيفية زيادة عائداتها وأرباحها والتوسع، نعتقد أيضا أن الممارسات الاحتكارية وزيادة الأسعار دون مبررات هي أمور غير مقبولة.
المقاطعة الإقتصادية ليست ارهابا بل احتجاجا سلميا غير قاتل للأفراد أو مدمر للمحلات التجارية ومراكز البيع، ولا علاقة لها بالقتل أو زهق أرواح الناس، لذا أستغرب ممن يصفون هذه الظاهرة بأنها ارهاب.
وتعد اليابان التي نهجت هذا السلوك عام 1971 ضد التلفزيون الملون واحدة من الدول التي يتم الاقتداء بها في السياسات الاقتصادية وطريقة الاحتجاج ضد السياسات أو السلوكيات الممنوعة.
-
لكن متى تصبح المقاطعة مخالفة ومشبوهة؟
تدخل المقاطعة الإقتصادية مجال الشبهات والخلافات عندما تستخدم في خدمة شركات معينة على حساب أخرى، مثلا أن يتم دعوة الناس إلى مقاطعة منتج معين خدمة لمنتج من شركة أخرى رغم أن المنتج الاول ليس سيئا على مستوى الجودة وليس مبالغ في سعره.
وتصبح المخالفة غير قانونية عندما تستخدم في تصفية الحسابات السياسة من خلال دعوة مقاطعة شركة معينة لأن مؤسسها شخص سياسي ولديه حزب معين، هنا لم يعد المطلب اقتصاديا بل سياسيا يخدم تيارا ضد تيار آخر.
الصراعات السياسية عادة ما تفسد الاقتصاد والتجارة، لهذا يدعو البعض إلى تحريم زواج السلطة والمال أو فك الربط بين السياسة والإقتصاد.
المقاطعة يجب أن تركز على الأهداف التي وجدت لها، واستخدامها أو توجيهها ضد شخصية سياسية أو لأغراض انتخابية يجب أن لا يكون وإلا فإن هذا يعطي للسلطات أو الشركات المستهدفة الحق في الدفاع عن نفسها بسبل قضائية وقانونية وستفوز!
إذا كانت المقاطعة قد بدأت ضد الغلاء فلتبقى كذلك، لكن في حالة استمرارها وظهور أهداف أخرى غير محاربة الغلاء تتحول إلى فوضى وتصبح سلاحا فتاكا يخدم السياسة وليس الإقتصاد ومعيشة الناس.
نهاية المقال:
تبقى المقاطعة الإقتصادية قانونية وحق مشروع للجميع في اعتقادي، لكنها تفقد مصداقيتها وتصبح مشبوهة في حالة واحدة هي الفخ الذي يمكن للجهات المستهدفة أن تستغلها في شن هجوما مضادا ناجحا.