بعد أن سيطرت جبهة النصرة على الحكم في سوريا، اتبعت مسارين واضحين، الأول هو الإنفتاح على المجتمع الدولي واتباع التقية السنية أن يتحقق التمكين، والثاني هو الهجوم العلويين في الساحل السوري وقتل أكثر من 1700 شخصا في فترة قصيرة ومن ثم الهجوم على الدروز.
وتحاول الإمارات التي تحارب التيارات الإسلامية المتطرفة ومعها السعودية دعم دمشق شرط الإندماج في الشرق الأوسط الجديد حيث الدول الوطنية هي السائدة ولن تعود الخلافة الإسلامية.
رغم ذلك يبدو للمراقبين أن سوريا انتقلت من دكتاتورية الأسد إلى قبضة قادة جبهة النصرة الذين يحاولون إعادة انتاج دولة إسلامية قائمة على التقية حتى التمكين.
مخاوف الدروز والأكراد والعلويين والمسيحيين المشروعة
لدى الدروز والأكراد والعلويين والمسيحيين والعلمانيين، وكل من لا يتفق مع المشروع الإسلامي السني المتشدد، مخاوف حقيقية ومشروعة. هؤلاء لا يسعون للانفصال، ولا لتقسيم البلاد، بل يرغبون ببناء دولة تضمن لهم الكرامة والمساواة وحرية الاعتقاد والعيش بسلام.
لكن في نظر حكومة النصرة، يكفي أن تكون مختلفًا — لا تصلي مثلهم، لا تفكر مثلهم، أو لا تؤمن بمشروعهم — لتُصنَّف عدوًا محتملًا، ويُفتح ضدك باب “الردة” أو “الموالاة للنظام” أو “الانفصال”، تمهيدًا لتبرير القضاء عليك.
إن المشكلة الحقيقية تبدأ من الفكر الإسلامي الإقصائي الذي يخيف الأقليات ويمنعها من تسليم السلاح خصوصا بعد أن رأى الجميع كيف تعرض العلويون للإذلال وقتلت عائلات كاملة ولا يزال العدوان يحدث في الساحل السوري وسط تكتم اعلامي وتجاهل عربي ودولي للتقارير التي تأتي من هناك.
لهذا يطالب الأكراد والروز بنظام فيدرالي، مثل المعمول به في الإمارات وألمانيا والولايات المتحدة وتبناه المغرب من خلال الجهوية المتقدمة، والذي يمنح كل إقليم أو جهة السيادة والصلاحيات الواسعة ويكون تحث حماية الجيش الوطني، وهو ما ترفضه الحكومة السورية التي تجهل فوائد النظام الفيدرالي.
مجازر الساحل السوري العار الذي يلاحق سوريا الجديدة
مع سقوط نظام بشار الأسد نهاية عام 2024، دخل الساحل السوري، معقل الطائفة العلوية، مرحلة من الفوضى والانكشاف الأمني.
فقد وجد العلويون أنفسهم دون حماية، في مواجهة هجمات متكررة من قبل الحكومة الإسلامية الجديدة التي تقودها جبهة النصرة، والتي شنت عمليات تطهير طائفي أسفرت عن مقتل أكثر من 1700 شخص في فترة قصيرة.
في ظل هذا الوضع، برزت مبادرات محلية لتشكيل ميليشيات تهدف إلى حماية المجتمعات العلوية، أبرز هذه المبادرات كانت إعلان رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، عن تشكيل “قوات النخبة” بالتعاون مع العميد سهيل الحسن.
تدّعي هذه القوات أنها تضم حوالي 150,000 مقاتل، بالإضافة إلى مليون مدني منظمين في لجان شعبية، وتهدف إلى الدفاع عن الساحل السوري ضد التهديدات الداخلية والخارجية، مع طلب الحماية الروسية لضمان الاستقرار في المنطقة.
في فبراير 2025، أعلن مقداد فتيحة، القائد السابق في النظام السوري، عن تشكيل “لواء درع الساحل” في جبال اللاذقية، داعيًا العلويين إلى حمل السلاح ضد الحكومة الانتقالية.
تعاون هذا اللواء مع مجموعات أخرى مثل “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا” و”أشباح روح المقاومة”، وأعلن مسؤوليته عن هجمات ضد الحكومة الانتقالية، مما يعكس تصاعد التوترات والانقسامات داخل الساحل السوري.
بعد سقوط الأسد، بدأت روسيا بسحب معظم قواتها من سوريا، مع الاحتفاظ بوجود محدود في قاعدتي حميميم وطرطوس، هذا الانسحاب أثار قلق العلويين الذين كانوا يعتمدون على الدعم الروسي كضمانة أمنية، مما دفعهم إلى البحث عن بدائل محلية لحماية مجتمعاتهم.
الدروز التالي في قائمة ضحايا النظام السوري الجديد
في الأيام الأخيرة، تصاعدت التوترات في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، حيث شهدت اشتباكات عنيفة بين مسلحين دروز وقوات الأمن التابعة للحكومة الإسلامية الجديدة في سوريا، خاصة في ضاحية جرمانا جنوب شرق دمشق وأسفرت عن سقوط أكثر من 20 قتيل على الأقل.
ردًا على هذه التطورات، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن إسرائيل لن تسمح للنظام الإسلامي المتطرف في سوريا بإيذاء الدروز، مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلي قد تلقى أوامر بالاستعداد للتدخل إذا لزم الأمر، هذا التصريح أثار جدلاً واسعًا، خاصة في ظل تاريخ العلاقات المعقدة بين إسرائيل والدروز في المنطقة.
في مواجهة هذه التحديات، أكد الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لطائفة الدروز في سوريا، على أهمية وحدة الأرض السورية ورفضه لأي انشقاق أو انفصال، وأشار إلى أن الدروز يسعون للعيش بكرامة ضمن وطنهم، مؤكدًا أن مشروعهم وطني سوري بامتياز.
وطيلة الحرب الأهلية في سوريا لم يشارك الدروز في القتال لا ضد الحكومة السورية ولا ضد الدواعش، واختاروا بدلا من ذلك الدفاع عن مناطقهم وتجنب لعب دور أساسي في الحرب الأهلية.
وحتى الآن يفضل الدروز البقاء ضمن الدولة السورية لكنهم يريدون نظاما فيدراليا أو حكما ذاتيا يضمن لهم العيش في سلام ودون تمييز من الإسلاميين في سوريا.
الأكراد في سوريا: من الشراكة إلى الإقصاء الدستوري
بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة أحمد الشرع، كان يُتوقع أن يكون للأكراد دور محوري في بناء سوريا الجديدة، خاصة بعد توقيع اتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ودمشق في مارس 2025.
إلا أن الإعلان الدستوري الذي أعقب الاتفاق أثار استياءً واسعًا في الأوساط الكردية، معتبرين أنه يعيد إنتاج سياسات الإقصاء التي عانوا منها لعقود.
أعربت الإدارة الذاتية الكردية عن رفضها للإعلان الدستوري، معتبرة أنه “يتنافى مع حقيقة سوريا وحالة التنوع الموجود فيها”، ويخلو من “مكوناتها المختلفة من كرد وحتى عرب”.
كما وصف المجلس الوطني الكردي الإعلان بأنه “خطوة نحو ترسيخ الأحادية والاستئثار بالسلطة”، مشيراً إلى أنه يعيد إنتاج الديكتاتورية تحت غطاء الدستور والمرحلة الانتقالية.
طالبت الإدارة الذاتية الكردية والمجلس الوطني الكردي بإعادة صياغة الإعلان الدستوري بما يضمن توزيع السلطات والحقوق بشكل عادل، ويعترف بحقوق جميع المكونات السورية، ويعتمد نظام حكم لا مركزي ديمقراطي.
وأكدت أن أي إعلان دستوري يجب أن يكون نتاج توافق وطني حقيقي، وليس مشروعاً مفروضاً من طرف واحد، ويبدو أن هذه التطورات قد دفعت الولايات المتحدة الأمريكية للتريث عن التطبيع مع سوريا.
المسيحيون في سوريا الجديدة يريدون نظاما علمانيا
في ظل التحولات السياسية الجذرية التي شهدتها سوريا بعد سيطرة الحكومة الإسلامية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، يجد المسيحيون أنفسهم أمام تحديات متزايدة تهدد وجودهم وهويتهم الثقافية والدينية.
أثار الإعلان الدستوري الأخير موجة من القلق بين الأوساط المسيحية، حيث نص على أن يكون رئيس الجمهورية مسلمًا، مما يُعد إقصاءً صريحًا للمسيحيين من أعلى المناصب في الدولة، هذا الشرط يتناقض مع مبدأ المواطنة المتساوية ويعزز من هيمنة الأغلبية الدينية على مفاصل الحكم.
تواجه المسيحيون تغييرات اجتماعية مفروضة، مثل فرض تحية “السلام عليكم” في المؤسسات الحكومية، مما يُعد محاولة لفرض ثقافة دينية محددة على الجميع. هذه السياسات تُشعر المسيحيين بأنهم مستهدفون في هويتهم الثقافية والدينية.
شهدت بعض المناطق ذات الأغلبية المسيحية، مثل السقيلبية، اعتداءات على الرموز الدينية، حيث تم حرق شجرة عيد الميلاد من قبل مجهولين. ورغم استبدال الشجرة بسرعة، إلا أن هذه الحوادث تُرسل رسائل تهديد واضحة للمجتمع المسيحي.
أعرب المطران جاك مراد، رئيس أساقفة حمص وحماة والنبك للسريان الكاثوليك، عن قلقه من السياسات الإقصائية التي تمارسها الحكومة الجديدة، مؤكدًا أن المسيحيين هم جزء أصيل من النسيج السوري ويجب أن يُعاملوا كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.
وتريد هذه الطائفة الدينية نظاما علمانيا يساوي بين المسلم والمسيحي والدرزي والكردي والبهائي واليهودي، من حيث الواجبات والحقوق، وسيكون جيدا أيضا اعتماد النظام الفيدرالي وأن تكون المناصب بناء على الإنجازات وليس وفق العقيدة الدينية والطائفية.