التخلص من الغاز الجزائري بعد الروسي ضروري لأمن أوروبا

تم تخفيض شحنات الغاز الجزائري إلى إسبانيا بنسبة 20.2٪ منذ أن أرسل بيدرو سانشيز الخطاب إلى المغرب بشأن الصحراء، حيث اعترف فيه بأن مقترح الحكم الذاتي المغربي للمستعمرة الإسبانية السابقة هو الأفضل.

أغضبت الخطوة الإسبانية قادة الجزائر الذين أعربوا عن خيبة أملهم وصدمتهم من الموقف الإسباني المفاجئ، والذي يضرب مصداقية البوليساريو والنظرية الجزائرية التي تدافع عن فصل المغرب عن صحرائه وتقزيمه أكثر.

وفيما أكد الرئيس الجزائري أن الجزائر لن تلجأ إلى قطع الغاز الجزائري عن اسبانيا، لوحت فيما بعد بالقيام بذلك بعد أن أعلنت مدريد ترخيصها تصدير الغاز إلى المغرب.

الحجة الجزائرية لهذا التهديد هو أن بيع غازها لأي طرف ثالث يعني الإخلال ببنود الاتفاق ما يعني أنه باطل وبناء عليه ستتوقف الجزائر عن تصدير الغاز إلى اسبانيا.

وتجنبا لأي مشاكل أكدت اسبانيا على أن الغاز الذي ستبيعه للمغرب مستورد من نيجيريا والولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى مثل قطر، تلك الدول ليس لديها مشكلة مع إعادة بيع الغاز لأي طرف آخر.

غير أن تخفيض شحنات الغاز من الجزائر إلى إسبانيا بنسبة 20.2٪ خلال أبريل المنصرم، بدون أي علامات على تراجع الطلب الإسباني يؤكد لامحالة أن البلد الافريقي يستخدم الغاز كورقة للضغط على اسبانيا وبالتالي أوروبا بأكملها.

وإليك من الذي يهدد أيضا بقطع الغاز عن أوروبا؟ إنها روسيا التي بدأت تستخدم هذه الورقة من خلال قطعه عن بولندا وبلغاريا وفرض بيعه بالروبل الروسي.

لهذا السبب تخطط أوروبا لتقليص اعتمادها على الغاز الروسي بشكل مهول هذا العام وحظر النفط الروسي بشكل نهائي بحلول 2023.

وبينما تزيد مصر ودول أخرى من صادرات الغاز إلى أوروبا، تعمل الجزائر على تقليص الشحنات إلى اسبانيا وربما توجيه المزيد منها إلى إيطاليا لأنها بحاجة كبيرة إلى السوق الأوروبية.

لكن أوروبا تظل وحدة مشتركة، الخلاف مع دولة أوروبية يعني ببساطة الخلاف مع أوروبا بشكل كامل، ويعد الخلاف الفرنسي التركي أبرز مثال على ذلك، حيث ترفض باريس انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي رغم ترحيب أعضاء آخرين بالفكرة مثل ألمانيا.

يشكل أمن أوروبا الطاقي مهما للغاية وقضية مصيرية، ولا يمكن أن تتحرر أوروبا من القبضة الروسية لتسقط في قبضة دولة أخرى قطعت الغاز عن المغرب وكادت تسبب أزمة طاقية في المملكة لولا أن الرباط لا تعتمد كثيرا على الغاز الجزائري بل تستفيد من مروره من أراضيه نحو اسبانيا.

لا توجد ضمانات على أن الجزائر قد لا تعيد نفس سيرتها الأولى مع اسبانيا وتصعد الموقف، فقضية الصحراء المغربية ضمن أولوياتها وقد أنفقت مليارات الدولارات لعقود طويلة وظل الخلاف الجزائري المغربي طعنة في خصر تأسيس اتحاد مغاربي.

مثل هذه التصرفات الجزائرية تضرب مصداقيتها ليس إقليميا فحسب بل أيضا دوليا، ويؤكد أنها مجرد نسخة من روسيا، يمكنها أن تبتز أوروبا بورقة الغاز.

لهذا السبب ستعمل اسبانيا على زيادة واردات الغاز من الولايات المتحدة وقطر ونيجيريا ودول أخرى وتقلل من مشترياتها للغاز الجزائري وقد حدث ذلك من قبل.

ومن جهة أخرى فإن مدريد ستراهن على مشروع الغاز العملاق بين نيجيريا والمغرب، والذي سيجعلها بالفعل بوابة لأكثر من 40 مليار متر مكعب من الغاز سنويا إلى أوروبا.

من خلال الإبتزاز الجزائري تخسر الجزائر الدعم الأوروبي لمشروع الغاز نيجيريا-الجزائر الذي سيزيد من كميات صادرات الجزائر إلى أوروبا مستقبلا.

وبناء على ما سبق يبدو التخلص من الغاز الجزائري بعد الروسي ضروري لأمن أوروبا، هذا وقت صعب للقارة العجوز، وأي دولة تتخلى عنها لن يكون لها مكان في السوق الأوروبية لاحقا وسينظر لها الأوروبيين بأنها ليست صديقة إذ لم تقف معهم في هذا الوقت الصعب.

لدى دول شمال أفريقيا فرصة عظيمة للإستفادة من ابتعاد أوروبا عن الغاز الروسي، لكن ابتزاز الجزائر لإسبانيا ومن قبل للمغرب سيجعلها منبوذة وخارج موردي الطاقة إلى السوق الأوروبية المشتركة.

إقرأ أيضا:

ماذا بعد قطع الغاز الروسي عن بولندا وبلغاريا؟

هل تستطيع الجزائر قطع الغاز عن اسبانيا فعلا؟

الغاز النيجيري ونفط نيجيريا كابوس روسيا في أوروبا

خيارات ألمانيا لمواجهة توقف تدفق الغاز الروسي