
تجاوزت مصر التعويم وأصبحت عملتها مستقرة، رغم أنها عملة حرة وتخضع في قيمتها للعرض والطلب وتأثير سعر الفائدة عليها وبعض العوامل الثانوية الأخرى.
وحاليا نتابع الأزمة المالية في تركيا والأرجنتين وتراجع عملات كل من الهند وجنوب أفريقيا ودول نامية أخرى عديدة، وبالطبع تعد مصر واحدة من الأسواق الناشئة التي تخشى من عودة الأزمة المالية الحادة إليها، خصوصا وأنها تحاول أن تتعافى اقتصاديا من الأزمة السابقة التي تعرضت عليها على اثر الفوضى السياسية في البلاد.
خلال أغسطس وبينما تتعرض الليرة التركية للسقوط الحر، ظل الجنيه المصري مستقرا في التداولات وفي وضع جيد مقارنة مع عملات بلدان أخرى في المنطقة والعالم.
الإصلاحات المالية والإقتصادية في البلاد تسير كما هو مخطط لها، وإن كانت مبنية على الإقتراض وتخفيض الإنفاق وسحب الدعم للكثير من المواد الأساسية.
الآن تواجه مصر تحدي جديد ينذر بإمكانية عودة الأزمة إلى مصر على شكل ازمة اقتصادية أسوأ من الوضع الحالي، رغم أنه تم الرفع من التصنيف الإنتمائي للبلاد وهناك نظرة تفاؤلية بمستقبلها.
-
إصلاحات السعودية تقتضي تسريح المقيمين لصالح المواطنين
تعمل المملكة العربية السعودية على تنفيذ رؤية 2030 بسرعة، وهي تدرك أن مجد النفط لن يستمر رغم التقارير التي تحاول تأكيد عكس هذا.
ويشتكي الكثير من الشباب في السعودية من قلة فرص العمل بسبب المقيمين الذين يملؤون الوظائف الشاغرة في التعليم والصحة والترفيه والتجارة والشركات والقطاع النفطي ومختلف الأنشطة الأخرى.
ولدى السعودية برامج اقتصادية تعمل من خلالها على التقليل من المقيمين لديها، ومنها تخفيض الضرائب على الشركات والمقاولات التي توظف السعوديين عوض المقيمين، والرفع من الضرائب والتكاليف المادية على المؤسسات التي تعتمد على العمالة الأجنبية.
في 11 سبتمبر بدأت الحكومة السعودية بفرض أنظمة صارمة لسوق العمل، لتعزيز توظيف مواطنيها على حساب العمال الأجانب.
وقد تم الإعلان عن القيود على التوظيف، وهي جزء من برنامج رؤية الأمير محمد بن طلال 2030، في يناير / كانون الثاني ، ومنذ ذلك الحين كان هناك هجرة مستمرة للأجانب، ووفقاً لإحصاءات الحكومة السعودية، انخفض عدد الأجانب العاملين في المملكة من 10883335 في الفصل الرابع من عام 2016 إلى 10183104 في الربع الأول من عام 2018.
نتحدث عن خسارة 700 ألف موظف أجنبي وظائفهم وهجرتهم من البلاد نحو بلدانهم أو بلدان أخرى تتوفر فيها فرص العمل لهم.
-
مصر في صدارة المتضررين
لا توجد بيانات واضحة حول جنسيات الذين تم اجبارهم على ترك وظائفهم، ولكن من العدل أن نخمن أن المصريين يشكلون نسبة عالية، وتظهر الدراسات الاستقصائية التي أجرتها الحكومة المصرية أن المملكة العربية السعودية هي الوجهة الرائدة للهجرة، وتشير بعض التقديرات إلى أن هناك 2.9 مليون مصري في المملكة.
تعتبر التحويلات المالية التي يرسلها المصريون إلى بلادهم من الخليج العربي، خاصة من المملكة العربية السعودية، مصدرًا رئيسيًا للعملة الأجنبية والاستقرار الاقتصادي المحلي.
وفقا لبيانات 2017 التي جمعها البنك الدولي وستاندرد تشارترد، أكثر من 70 في المائة من التحويلات المالية إلى مصر تأتي من أعضاء مجلس التعاون الخليجي، ونحو 40 في المائة من المملكة العربية السعودية وحدها.
في الوقت الحالي تتدفق التحويلات من السعودية إلى مصر، حيث بلغ متوسطها 2.93 مليار دولار سنوياً منذ عام 2002.
لكن مع عودة المزيد من العمال المصريين والعاملين هناك نحو بلدهم ستتراجع حجم التحويلات المالية، وهو ما يهدد تدفق العملة الصعبة بل وأيضا يهدد بتزايد البطالة في بلد يعان من هذه المشكلة.
بالنسبة إلى حكومة السيسي هذه ضربة قوية إذ هي بحاجة ماسة إلى المال ولا يمكنها تحمل انخفاض حاد في التحويلات المالية، والاقتصاد المصري، مع نسبة بطالة رسمية عند 10.6 في المائة في أوائل عام 2018، لا يمكنه استيعاب المغتربين الذين يعودون إلى وطنهم، إنه ضربة مزدوجة للعائدين أيضًا: فهم يواجهون ندرة في الوظائف في مصر، وتكلفة باهظة للعيش في هذا البلد.
-
الأزمة مرشحة للتصاعد في مصر مجددا
بعد تعويم الجنيه المصري تعافت السياحة وكذلك الإقبال على الإستثمار في البلاد بل وحلقت البورصة المصرية عاليا وحققت ارقاما غير مسبوقة في التاريخ.
ورغم أنه تعافت الاحتياطات النقدية الأخرى وابتعدت مصر عن الكثير من المخاطر إلا أن الديون المتراكمة والبطالة التي يمكن أن تزداد مع عودة المهاجرين من الخليج العربي يمكنها أن تشكل منطلقا لأزمة إقتصادية أقوى من السابق في هذا البلد الذي لا يزال يمر في ظرفية سياسية حساسة.
هذا يعني لنا أنه لا يجب أن نستغرب إذا واصلت الحكومة المصرية المزيد من إجراءات خفض الإنفاق والتقشف ورفع الدعم الفترة القادمة.