إن ايقاف الحرب بين الهند وباكستان بوساطة أمريكية يشكل ضربة للصين التي لطالما قدمت نفسها على أنها دولة مسالمة وقد رأينا دورها العسكري في دعم باكستان.
لا تريد بكين من الشركات الأمريكية سحب مصانعها من الصين إلى الهند لأن هذا من شأنه أن يزيد من معدلات البطالة ويدمر صعودها المتباطئ لهذا فهي تريد تدمير منافسها الصاعد بقوة.
قبل أسبوعين، أُطلق النار على 26 مدنيًا من مسافة قريبة في مرج بكشمير يعجّ بعائلاتٍ كانت في نزهة. وبقسوة، طُلب من الجميع تأكيد ديانتهم من قِبل مطلقي النار.. إذا أجابوا “هندوس”، يُطلق عليهم النار من مسافة قريبة؛ وإذا أجابوا “مسلم”، يُنجَون.
ألقت الهند باللوم على باكستان في الهجوم وتوعدت بالانتقام، ردّت اسلام آباد بادعاءاتٍ بالانتقام، ومن ثم شنت الهند هجوما على الإرهابيين في الشطر الباكستاني لأن الحكومة تعرضت لضغط شعبي.. قبل أن تتوسع الحرب وتشمل داخل البلدين.
يبدو توقيت هذا الصراع الأخير بين الهند وباكستان مريبًا، نظرًا للقضايا الجيوسياسية الأوسع، تشعر الصين بعدم الأمان الاقتصادي بسبب الحرب التجارية التي تشنها إدارة ترامب، حيث تتعرض مكانتها كأكبر مُصنّع في العالم للتهديد بسبب التعريفات الجمركية الباهظة، مما يدفع الشركات إلى البحث عن نقل عملياتها إلى أماكن أخرى.
تمول الصين باكستان وقد اتُهمت باكستان برعاية الجماعات الإرهابية، سيكون عدم الاستقرار في الهند نتيجة مرغوبة للصين إذا أقنعت بعض الشركات بعدم نقل الإنتاج إلى الهند بسبب المخاوف الأمنية.
على الأقل، يبدو عدم الاستقرار وكأنه مصادفة جيدة للصين، إن ما يحدث بين الهند وباكستان لا يصب في مصلحة الشعبين الهندي والباكستاني بل يخدم مصالح بكين التي تقدم نفسها على أنها القوة المستقرة في المنطقة.
في خضمّ الجغرافيا السياسية لجنوب آسيا، لطالما شكّلت شراكة الصين مع باكستان أداةً رئيسيةً في جهود بكين لزعزعة استقرار الهند.
فبينما تُصوّر الروايات الرسمية التحالف الصيني الباكستاني على أنه تحالفٌ قائمٌ على التعاون الاقتصادي والاستقرار الإقليمي، تُشير الاستراتيجية الكامنة وراءه إلى محاولةٍ مُتعمّدةٍ لكبح صعود الهند من خلال المناورات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية.
يتشابك نفوذ الصين المتزايد في باكستان بشكلٍ وثيق مع طموحاتها العالمية، ويهدف الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، وهو مشروعٌ رائدٌ ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية، إلى منح الصين وصولاً مباشراً إلى بحر العرب، متجاوزاً بذلك طرق التجارة التي قد تكون هشة.
بالنسبة لباكستان، تُوفّر هذه الاستثمارات بنيةً تحتيةً حيويةً، لكنها تُرسّخ أيضاً تبعيةً يُمكن لبكين استغلالها لإبقاء إسلام آباد في فلكها.
بالنسبة للهند، يُثير توسّع السيطرة الصينية على البنية التحتية الباكستانية – وخاصةً في المناطق الحدودية مع الهند – مخاوف أمنية.
يمرّ الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني عبر مناطق تُطالب بها الهند، مما يُؤجّج التوترات بشأن السيادة الإقليمية ويُعزّز الاحتكاك بين نيودلهي وإسلام آباد.
إلى جانب الاستثمارات الاقتصادية، تحافظ الصين وباكستان على علاقات عسكرية متينة، فقد زودت بكين إسلام آباد بأسلحة متطورة بما في ذلك طائرات مقاتلة، كتلك التي أسقطت طائرتين هنديتين خلال الضربات الانتقامية الهندية الأخيرة على باكستان وأنظمة صاروخية وأصول بحرية، مما يضمن بقاء باكستان خصمًا قويًا للهند.
وتعزز التدريبات العسكرية المشتركة واتفاقيات تبادل المعلومات الاستخباراتية هذه الشراكة الدفاعية، مما يُجبر نيودلهي على إنفاق موارد كبيرة لرصد التهديدات من حدودها الشمالية والغربية.
هذا التحدي المزدوج يُشتت تركيز الهند الاستراتيجي، ويمنعها من تكريس كامل اهتمامها لتطلعاتها كقوة عالمية، إن مجرد إمكانية القيام بعمليات عسكرية منسقة بين الصين وباكستان تُشكل رادعًا قويًا يُبقي مُخططي الدفاع الهنود في حالة تأهب قصوى على الدوام.
يُضيف الدعم الدبلوماسي الصيني لباكستان – لا سيما في قضايا حساسة مثل كشمير – بُعدًا آخر إلى هذه الاستراتيجية. فقد عرقلت بكين مرارًا وتكرارًا جهود الهند لتصنيف المتشددين المقيمين في باكستان كإرهابيين عالميين في الأمم المتحدة، مما أحبط مبادرات نيودلهي لمكافحة الإرهاب.
إضافةً إلى ذلك، فإن معارضة الصين لمساعي الهند لتولي أدوار قيادية في المنظمات الدولية، مثل مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تضمن بقاء الهند متورطة في النزاعات الإقليمية بدلًا من التركيز على طموحاتها العالمية الأوسع.
في حين أن تحالف الصين مع باكستان يخدم أهدافًا استراتيجية متعددة، فإن إحدى وظائفه الأساسية هي إبقاء الهند غارقة باستمرار في صراعات شبه القارة الهندية.
ومن خلال ضمان وجوب معالجة نيودلهي للمخاوف الأمنية على طول حدودها باستمرار، تُؤخر بكين جهود الهند لتعزيز علاقاتها مع القوى العالمية الأخرى أو ترسيخ نفوذها في شؤون آسيا والمحيط الهادئ.
ومع ذلك، تتكيف الهند مع الوضع حيث يشير تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا ودول الخليج وإسرائيل وروسيا والإتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، إلى جانب تنامي قدراتها العسكرية المحلية، إلى أن نيودلهي تعمل بنشاط على مواجهة تكتيكات بكين.
وبينما قد تستمر استراتيجية الصين تجاه باكستان في إزعاج الهند، فإن المسار طويل الأمد سيعتمد على كيفية استفادة نيودلهي من تحالفاتها ومرونتها الاقتصادية لتحويل هذا التحدي الجيوسياسي إلى فرصة لتعزيز موقعها الاستراتيجي.
إن إيقاف الحرب بين الهند وباكستان اليوم هو انجاز واضح بالنسبة لإدارة دونالد ترامب ويصب في مصلحة الهند وهي ضربة أمريكية للصين التي كانت تأمل أن يسمر النزاع لأطول مدة ممكنة ويمنع الصعود الهندي.