يدير البنك المركزي المغربي عملية تعويم الدرهم باحترافية ومهنية عالية، دون تسرع أو اتخاذ قرارات غير مدروسة، وهو ما يؤكد لنا أن والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري يقوم بعمله على أعلى مستويات الجودة والمسؤولية.
عندما بدأت عملية التعويم أشرت فعلا إلى هذه النقطة، وقلت أن السيد عبد اللطيف الجواهري، شخص محترف وهو وفريقه يتحملون المسؤولية ويعلمون جيدا حيثيات هذا الموضوع.
لكن الكثير من الناس توقعوا حينها انهيار الدرهم المغربي وشككوا في نزاهة واحترافية هذا الرجل والبنك المركزي بشكل عام.
منذ أيام أكد السيد عبد اللطيف الجواهري، رفضه للشروع في المرحلة الثانية من تعويم الدرهم المغربي، وهناك أسباب منطقية لهذا القرار.
-
ارتفاع النفط مؤلم بالنسبة للمواطن المغربي
مع تعويم الدرهم المغربي فهذا سيعني تراجع قيمته على الأرجح مقابل الدولار، ومع الظرفية المحرجة حاليا في الصراعات بالشرق الأوسط وتأجيجها أسعار النفط لترتفع مجددا، هناك توقعات بأن يعود سعر البرميل في العالم إلى 100 دولار وأكثر من ذلك بسبب المخاوف من الإمدادات القادمة من الخليج العربي.
هذا يعني أن أسعار المحروقات ستشهد ارتفاعا صاروخيا في المغرب وسيشكل ذلك ضغطا كبيرا على جيوب المواطنين.
ستتضرر أسعار كل المنتجات الأخرى التي يتم نقلها وشحنها عبر شاحنات وسيارات النقل، وكل هذا جراء ارتفاع أسعار الطاقة.
-
تباطؤ الإقتصاد الأوروبي يؤثر سلبا على الصادرات المغربية
من الملاحظ أن اقتصادات أوروبا تشهد تباطؤا ملحوظا، والبيانات الإقتصادية تؤكد على ذلك، وهو ما يعني أن الإستهلاك المحلي هناك في تراجع.
لهذا السبب يخطط البنك المركزي الأوروبي لتخفيض سعر الفائدة، والقيام بأي اجراءات أخرى من شأنها أن تنعش الإقتصاد الأوروبي مجددا.
بالنسبة للمغرب فهو يعتبر القارة الأوروبية سوقا كبرى لمنتجاته، بما فيها السيارات والإنتاج الفلاحي والفوسفات، كما انن نسبة مهمة من السياح مصدرهم تلك الدول.
-
عجز الميزان التجاري يواصل النمو رغم تزايد الصادرات
رغم تزايد الصادرات المغربية خلال الأشهر الأولى من هذا العام، إلا أن عجز الميزان التجاري يواصل ارتفاعه.
ارتفع العجز من 6.7 مليارات دولار إلى 6.9 مليارات دولار، وهذا بسبب ارتفاع أسعار المحروقات وتزايد استيراد مختلف المنتجات والاحتياجات.
تخرج قيمة الواردات عن السيطرة وهو ما يخيف البنك المركزي الذي يرى في التعويم الكامل حاليا مخاطرة كبيرة.
-
انتظار المزيد من تنويع الإقتصاد المغربي
يتحرك المغرب نحو صناعات جديدة غير الفلاحة وتصدير الفوسفات وصناعة السيارات والسياحة، وهنا يركز على الخدمات أيضا.
المندوب السامي في التخطيط، أحمد الحليمي، أكد أن المغرب يتحرك نحو صناعات جديدة واللتركيز على المنتجات التي تقدم قيمة مضافة للإقتصاد الوطني.
ومن المعلوم أن المملكة قد نوعت من علاقاتها التجارية فهي شريك للإتحاد الأوروبي إضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي ولديها استثمارات وعلاقات ايجابية مع دول جنوب الصحراء، ولا ننسى علاقتها مع الصين واليابان والولايات المتحدة ورغبتها في علاقات افضل مع دول أمريكا اللاتينية ودول أخرى بالمنطقة.
-
المناخ السياسي والإجتماعي
ينظر البنك المركزي المغربي إلى المناخ السياسي والإجتماعي كعوامل أخرى يأخذها بعين الإعتبار في هذا القرار.
من المعلوم أن الوضع الإجتماعي في المغرب يتميز حاليا بالإضرابات في مختلف القطاعات والصراع ضد مشروع خصخصة المزيد من القطاعات، ناهيك على أن ما حدث في الجزائر والسودان يؤخذ بعين الإعتبار هو الآخر.
لهذا السبب لن يعمل البنك المركزي على صب الزيت على النار وهو حريص كل الحرص على أن تمر الإصلاحات المالية في وضع اجتماعي وسياسي مستقر.
نهاية المقال:
تم تأجيل تعويم الدرهم المغربي إلى أجل غير مسمى، وقرار البنك المركزي المغربي وراءه الأسباب الخمسة التي تطرقنا إليها وهو قرار حكيم من مؤسسة لم ولن نشكك في نزاهتها واستقلاليتها.