
في الجزائر، حيث تُقام الانتخابات كطقوس احتفالية تذكر بأفلام الخيال العلمي، وتُصنع السياسة من خيوط العناكب، يبرز اسم غريب يتردد في الأروقة الرسمية والهمسات الشعبية على حد سواء ألا وهو ابتسام حملاوي.
هل هي طبيبة عادت من المنفى لتشفي جراح الأمة، أم هي اليد الخفية التي تسحب خيوط الدمى في مسرحية الحكم الجزائري؟ في زمن يُشاع فيه أن الرئيس عبد المجيد تبون يحكم من وراء مكتبه، يتساءل الكثيرون بجدية: من يحكم الجزائر حاليا؟
الجواب، حسب الشائعات المتسارعة والتسريبات الدامغة، هو الدكتورة ابتسام حملاوي، غير المنتخبة، غير المُعلنة، لكنها المسيطرة على كل شيء من الهلال الأحمر إلى أبواب القصر الرئاسي.
وإذا كانت الديمقراطية في الجزائر مجرد واجهة زجاجية، فإن حملاوي هي اليد التي تُمسح عليها الزجاج لتُخفي الغبار، أو ربما تضغط عليها لتُكسرها إن لزم الأمر.
دعونا نعود إلى البداية، أو على الأقل إلى الجزء الذي يُسمح لنا برؤيته قبل أن يُمحى من السجلات الرسمية.
ابتسام حملاوي، الطبيبة التي جمعت بين الطبيبة والإدارية والناشطة الجمعوية، عاشت فترة خارج البلاد ربما في ألمانيا أو فرنسا، حيث يتعلم الناس كيفية غسل اليدين قبل العمليات الجراحية أو السياسية.
عادت إلى الجزائر كبطلة قصص النجاح، لتُعين عام ألفين وعشرين رئيسة للهلال الأحمر الجزائري، تلك المؤسسة التي كانت تُفترض أنها تنقذ الأرواح، لا أنها تُدفن الأسرار.
ثم، في مارس 2025، صدر مرسوم رئاسي يُعينها رئيسة للمرصد الوطني للمجتمع المدني التابع لرئاسة الجمهورية، خلفاً لنور الدين بن إبراهيم.
منصب يُفترض أنه يراقب المجتمع المدني، لكنه في الواقع يُراقب كل من يجرؤ على التنفس خارج الإيقاع الرسمي، هكذا، في غمضة عين، تحولت حملاوي من طبيبة إلى حارسة البوابة، تحمي العهدة الخامسة للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وتُثير الجدل بتصريحاتها حول الحراك الشعبي عام 2019، حيث وصفت المتظاهرين بكلمات لم تكن طبية بقدر ما كانت جراحية، تقطع الشريان قبل أن ينزف.
لكن الجدل الحقيقي، ذلك الذي يجعل الجزائر تُشبه مسرحية كوميدية سوداء، بدأ يتفاقم عندما انتشرت تسريبات صوتية وفيديوهات تُظهر حملاوي في أوضاع لا تُليق برئيسة هلال أحمر، بل بملكة في قصر من الظلال.
نتحدث عن إهانات للشعب الجزائري، اتهامات باستغلال النفوذ، وشائعات عن علاقات جنسية مع قادة النظام ما جعلها تملك نفوذا قويا ومخيفا في آن معا، لدرجة أنه إذا كتبت عنها منشورا ينتقد سياستها سينتهي بك المطاف في السجن بهذه الدولة العسكرية.
يقول البعض إنها تمتلك تسجيلات في غرف النوم، لا في غرف العمليات، وأن نفوذها يمتد إلى حد يجعل الرئيس نفسه ينتظر إذنها قبل توقيع مرسوم.
وفي هذا السياق، أصبحت حملاوي رمزاً للسخرية الجزائرية، دولة تحكمها امرأة غير منتخبة، ليست بالانتخابات، بل بالشائعات والتسريبات، وتُدافع عن نفسها بتوجيه الشرطة إلى منازل الناشطين بدلاً من المحاكم.
وحاليا نعرف ثلاثة من ضحاياها وهم الشاعرة صليحة مليزي، مديرة دار النشر “القرن الحادي والعشرين”، ومريم عزيري، المديرة العامة لدار النشر “الرائد”، بالإضافة إلى الكاتبة زينب مليزي الذين سجنوا بسبب تعليقات على فيسبوك.
لم يُحركوا سلاحاً، ولم يُشعلُوا ثورة، بل كتبُوا كلمات تُنتقد فيها حملاوي، فاعتُبرت إساءة لسلامتها أثناء مزاولة مهامها.
وفي وسائل التواصل الإجتماعي، حيث يُصبح الشعب قاضياً وجلاداً في آن، ارتفعت الأصوات مطالبة بتحقيق رسمي مستقل.
تقول رئيسة المنظمة الوطنية للكفاءات والنخب النسوية الجزائرية، لطيفة ديب: “نحو رفع دعوى قضائية ضد السيدة حملاوي بسبب كل التجاوزات الخطيرة والخروقات القانونية التي قامت بها. نرجو من السلطات المعنية فتح تحقيق مستعجل لحفظ سمعة الجزائر”.
أما خولة مقراوي، فتضيف بحنق: “أرجو أن تكون العدالة عدالة وأن يكون القانون فوق الجميع وتنتهي هذه المهزلة التي أضرت بسمعة بلدنا الشريف الجزائر الحبيبة”.
لكن هؤلاء يواجهون من يحكم الجزائر حاليا ألا وهي الدكتورة ابتسام حملاوي التي بإمكانها أن تسجنهم بسهولة وبمكالمة هاتفية واحدة.
