
تشهد أوضاع البهائيين في مصر تدهورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث اتسعت دائرة الانتهاكات التي تطالهم لتشمل ليس فقط الحقوق القانونية والاجتماعية، بل وحرياتهم الشخصية الأساسية.
لم يعد الاضطهاد يقتصر على مشكلة تصحيح خانة الديانة في الأوراق الرسمية، بل امتد ليشمل قيودًا على حرية العبادة، التنظيم الجماعي، الزواج، الدفن، وحتى السفر.
هذه الانتهاكات، التي تتحمل مؤسسات الدولة مسؤوليتها بشكل مباشر، أثارت قلقًا دوليًا، حيث أصدرت الجامعة البهائية العالمية بيانات متكررة تعبر فيها عن استيائها من تصاعد التمييز والاضطهاد ضد البهائيين في مصر، داعيةً إلى حلول عملية لوقف هذه الممارسات.
معاناة البهائيين في مصر
تكمن جذور معاناة البهائيين في مصر في عدم الاعتراف الرسمي بهم كجماعة دينية، مما يحرمهم من وجود هيئة قانونية تنظم شؤونهم الدينية والأحوال الشخصية.
الدستور المصري، في مادته 64، يضمن حرية الاعتقاد بشكل مطلق، لكنه يقيد ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة بالأديان الثلاثة المعترف بها فقط: الإسلام، المسيحية، واليهودية.
هذا التقييد يحرم البهائيين من حقوقهم الأساسية، مثل حرية العبادة، التنظيم، والتعبير عن هويتهم الدينية، مما يؤثر سلبًا على حياتهم اليومية.
يمكن تقسيم الانتهاكات التي يتعرض لها البهائيون في مصر إلى ثلاثة أنماط رئيسية:
مشكلات الأوراق الثبوتية
رغم صدور حكم قضائي عام 2009 يسمح بوضع شرطة (-) في خانة الديانة ببطاقات الرقم القومي، إلا أن هذا الحل لم يعالج سوى جزء من المشكلة.
لا تزال مؤسسات الدولة ترفض الاعتراف بعقود زواج البهائيين، حتى لو كانت عرفية، مما يتسبب في مشكلات اجتماعية كبيرة، مثل عدم تسجيل شهادات الميلاد للأطفال بأسماء والديهم، أو حرمان الأبناء من الالتحاق بالمدارس، أو عدم القدرة على تنظيم حقوق الإرث والوصاية في حالات الطلاق أو الوفاة، في بعض الحالات، رفضت الجهات الحكومية دعاوى إثبات الزواج بحجة أنها تتيح “التحايل” بسبب عدم الاعتراف بالبهائية كدين.
قضية دفن الموتى
يواجه البهائيون صعوبات جمة في دفن موتاهم، حيث يضطرون لنقل الجثامين لمسافات طويلة إلى القاهرة بسبب رفض تخصيص مقابر لهم في محافظات أخرى.
هذا الوضع يسبب أعباء نفسية ومالية كبيرة، ويخالف الأعراف الاجتماعية التي تحترم التعامل مع الموتى. على سبيل المثال، في محافظة الإسكندرية، رفضت السلطات تخصيص أرض لدفن البهائيين بناءً على رأي الأزهر الذي اعتبر ذلك يؤدي إلى “الانقسام المجتمعي”.
كما رفضت دوائر القضاء الإداري دعاوى البهائيين بحجة أن الدستور لا يكفل سوى الأديان الثلاثة المعترف بها.
المضايقات الأمنية
خلال السنوات الأخيرة، تصاعدت المضايقات الأمنية ضد البهائيين، خاصة أولئك الذين يقدمون خدمات اجتماعية أو ثقافية لمجتمعهم.
تشمل هذه المضايقات التوقيفات في المطارات، التفتيش الدقيق للحقائب والحواسب الشخصية، منع السفر، وحتى ترحيل بعض البهائيين غير المصريين المتزوجين من مصريين رغم قانونية أوراقهم.
هذه الممارسات تنتهك الحقوق الأساسية في الحركة والخصوصية، وتزيد من شعور البهائيين بالتهميش.
جذور اضطهاد البهائيين في مصر
يعود وجود البهائيين في مصر إلى القرن التاسع عشر، وقد كانوا يتمتعون بحقوق معترف بها نسبيًا حتى عام 1960، عندما صدر قرار بقانون 263 بحل المحافل البهائية ومصادرة أملاكها.
منذ ذلك الحين، واجه البهائيون حملات قمع وتمييز مستمرة، شملت القبض على أفراد منهم، منع السفر، وتقييد حقوقهم الأساسية.
هذا الوضع يتناقض مع التاريخ الطويل للطائفة في مصر، حيث كانت لهم محافل وطنية تنظم شؤونهم منذ عام 1924.
أثارت قضية البهائيين في مصر اهتمامًا دوليًا، حيث قدم المقرر الخاص المعني بقضايا الأقليات، نيكولا لوفرا، تقريرًا إلى الدورة 58 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (فبراير-أبريل 2025)، أكد فيه ضرورة الاعتراف بهوية الأقليات في الوثائق الرسمية، مثل بطاقات الهوية وشهادات الميلاد، لضمان المساواة وعدم التمييز.
كما تناولت الدورة السابعة عشرة لمنتدى الأمم المتحدة لقضايا الأقليات موضوع تمثيل الأقليات في الحياة العامة، وهو ما يعكس أهمية مشاركة البهائيين في الحياة الاجتماعية والثقافية دون قيود.
الحلول المقترحة لإنهاء اضطهاد البهائيين في مصر
لإنهاء اضطهاد البهائيين في مصر، يجب على الحكومة اتخاذ خطوات عملية، منها:
-
الاعتراف الرسمي بالبهائية: تعديل التشريعات للاعتراف بالبهائية كديانة، مما يتيح تنظيم شؤونهم الدينية والأحوال الشخصية.
-
تسهيل إجراءات الأحوال الشخصية: السماح بتوثيق عقود الزواج وشهادات الميلاد دون تمييز، مع ضمان حقوق الإرث والوصاية.
-
تخصيص مقابر للبهائيين: توفير أراضٍ لدفن موتاهم في مختلف المحافظات، احترامًا للأعراف الاجتماعية والقوانين الدولية.
-
وقف المضايقات الأمنية: إنهاء التوقيفات والقيود على السفر والتفتيش التعسفي، مع ضمان حرية الحركة والخصوصية.
-
تعزيز الحوار المجتمعي: إطلاق حملات توعية لتعزيز قبول التنوع الديني، وإشراك البهائيين في الحياة العامة.
