كلنا نتذكر تعويم الجنيه المصري، حدث اقتصادي تابعه الملايين من المصريين المعنيين به في المقام الأول، وحظي أيضا بمتابعة عربية ودولية وتغطية خاصة في وسائل الإعلام العالمية والدولية، وهذا لمكانة مصر وتأثيرها الكبير رغم الأزمات والعواصف التي تلاحقها، منذ سقوط نظام مبارك.
بعد عطلة عيد الفطر سيبدأ المغرب مرحلة إقتصادية مهمة، وهي العمل على تعويم الدرهم المغربي، فقط تداول هذا المصطلح يحرك الخوف في نفوس الكثير من المغاربة، خصوصا من شهدوا على التجربة المصرية المؤلمة رغم تأثيراتها الإيجابية على بورصة القاهرة الأفضل عربيا خلال عام 2016، وعلى التصدير والطب البديل والصناعات المحلية المصرية.
لا يمكن تشبيه المغرب بمصر، فهناك فروقات كبيرة بينهما على مستوى الأوضاع الإقتصادية والسياسية، من شأنها أن تجعل نتائج التعويم في البلدين مختلفة تماما.
وسنتحدث في هذا المقال على فروقات ما بين تعويم الدرهم المغربي وتعويم الجنيه المصري:
-
الظروف السياسية في مصر مختلفة عن نظيرتها في المغرب
حينما قرر البنك المركزي المصري بالتعاون مع صندوق النقد الدولي تعويم الجنيه المصري، كانت مصر تتخبط في خلافات سياسية وهجمات ارهابية في سيناء وأجزاء من الجمهورية أضرت بالسياحة وحركة التجارة في البلاد وبثقة النظام الدولي باستقرارها.
في المقابل يعيش المغرب حراك الحسيمة وهو إلى الآن هي مظاهرات سلمية لم تشهد أعمالا إرهابية ولا تطالب بإسقاط النظام المغربي، وبشكل عام هناك استقرار سياسي وثقة دولية أكبر بالسياحة في هذا البلد والتجارة وحركة الإقتصاد بشكل عام.
وفيما تعيش مصر أيضا حالة من العزلة في محيطها الأفريقي من خلال خلافاتها مع السودان واثيوبيا وعدد من دول حوض النيل، فإن المغرب استطاع اختراق أفريقيا من خلال انتشار مؤسساته وأنشطته التجارية في دول جنوب الصحراء وتعزيز علاقاته مع الكثير من البلدان هناك وأيضا توسيعه الشراكة الإقتصادية مع الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية ودول الخليج العربي.
-
تعويم الجنيه المصري تم تحث ضغط من صندوق النقد الدولي
كي تحصل مصر على قروض من صندوق النقد الدولي اشترط هذا الأخير عليها تعويم الجنيه المصري وإجراء عدد من الإصلاحات الإقتصادية.
ورغم أن المغرب هو الآخر يسير على نفس السكة إلا أنه استبق التعويم خلال السنوات الأخيرة برفع الدعم عن العديد من المواد الإستهلاكية وهو يتجه لمزيد من هذه الإجراءات بالتدريج خلال الأشهر القادمة.
المغرب حصل مسبقا العام الماضي على قرض مالي من صندوق النقد الدولي لحمايته من أي آثار سلبية يمكن أن تنعكس على المجتمع المغربي أثناء التعويم، ولا توجد ضغوطات حسب المحللين والمراقبين لأن الإقتصاد المغربي لن يتوقف أو أنه على شفا حفرة من الإفلاس كما كاد أن يحدث مع مصر.
-
المغرب لا يتوفر على سوق سوداء ضخمة مثل مصر
أسوأ شيء في النظام المالي حقيقة هي السوق السوداء، هذه الأخيرة أساءت إلى الوضع المالي في مصر كثيرا، وبالغت في قيمة الجنيه والمضاربة وخدمت مصالح فئة قليلة بشكل أناني.
السوق السوداء موجودة في المغرب لكنه صغيرة وغير مؤثرة بشكل عام، نظرا لاعتماد المملكة نظام صرف ثابت لا يحرض على توسع تلك السوق، لذا حتى البيانات لا تتوفر حول حجم هذه السوق.
يمكنك أن تبحث في جوجل عن اسعار الدولار في السوق السوداء بالمغرب، لا توجد نتائج بحث جديدة أو بيانات، لكن ابحث عن أسعار الدولار في السوق السوداء بمصر، ستجد مقالات جديدة ونتائج بحث كثيرة متجددة!
-
المغرب يتوفر على احتياطي من العملات لتغطية الواردات … مصر كادت أن تفلس
قبل تعويم الجنيه المصري كانت احتياطات مصر من العملات الصعبة قليلة جدا وشحيحة، لذا واجهت البنوك مشاكل جمة للغاية ورأينا تقنينا للإستيراد وشلل في حركة استيراد السلع والمنتجات ما أدى الى ارتفاع التضخم بنسب جنونية وصلت إلى 233%.
في المقابل المغرب يقول أن لديه حوالي 25 مليار دولار احتياطي العملات الأجنبية خصوصا الدولار واليورو، سيصرفها على واردات 6 أشهر.
ومن المعلوم أن 85 في المئة من مخزون البلاد من العملة الصعبة سنويا يتم انفاقه على البترول والأغذية والحاجيات الاستهلاكية الأساسية.
-
التعويم في المغرب سيكون تدريجيا وبطيئا للغاية … مصر اختارت الطريق السريع
اختلاف مهم وجوهري، وهو أن مصر اختارت التعويم الكلي والسريع، وهي كما أشرنا سابقا اضطرت لذلك تجنبا لسقوط النظام المالي وحاجتها للحصول على قروض ولإحياء احتياطاتها الأجنبية.
أما المغرب ففي المقابل على لسان والي البنك، السيد عبد الرحيم الجواهري، أن تعويم الدرهم المغربي سينتقل بالتدريج من نظام الصرف الثابت إلى نظام صرف مرن ثم إلى نظام صرف العائم.
سيحتاج هذا إلى أشهر طويلة ومن المفترض أن لا نرى تراجعا مهولا للعملة المغربية خلال الأسابيع الأولى وأن يكون التراجع تدريجيا وغير ملموس مع الوقت ومحدود أيضا.
نهاية المقال:
تعويم الدرهم المغربي مخيف بالنسبة إلى معظم المراقبين والمواطنين في المغرب، وهذا أتفهمه شخصيا بالنظر إلى التجربة المصرية المؤلمة، لكن بالنظر إلى الاختلافات الخمسة بين مصر والمغرب والتي تطرقت إليها يمكن القول أن التجربة المغربية لن تكون مؤلمة ومأساوية بنفس درجة تعويم الجنيه المصري.