يواجه قطاع المعادن في إسبانيا أزمة حقيقية بسبب نقص حاد في الكفاءات والمهارات المتخصصة، فقد أعلنت مؤسسة المعادن للتدريب (FMF) عن حاجة السوق إلى ما يصل إلى 350 ألف موظف مؤهل خلال السنوات القليلة القادمة، وهي فجوة تهدد بتعطيل عمل مئات المصانع والشركات العاملة في القطاع الصناعي.
ويرجع هذا النقص بشكل رئيسي إلى غياب التوازن الجيلي، حيث لم تعد الأجيال الجديدة تقبل على هذا النوع من الوظائف بنفس وتيرة الأجيال السابقة، بالإضافة إلى ندرة الكوادر التقنية المؤهلة للتعامل مع متطلبات المهن الحديثة في القطاع.
رواتب قطاع المعادن في إسبانيا
رغم الأزمة، تقدم شركات المعادن في إسبانيا حوافز مالية جذابة للغاية لاستقطاب الكفاءات. إذ يبلغ متوسط الراتب الصافي في هذا القطاع أكثر من 2000 يورو شهرياً، وهو رقم يتجاوز بكثير المتوسط الوطني للرواتب في البلاد. أما على مستوى الأجور السنوية، فإن العاملين في هذا المجال يحصلون على مداخيل تفوق بـ 43% رواتب القطاعات الأخرى.
ليس ذلك فحسب، فقد شهدت أجور القطاع ارتفاعاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، حيث سجلت زيادة بنسبة 3% خلال عام 2024 فقط، متجاوزة معدل التضخم. أما منذ بداية عام 2020، فقد وصلت نسبة الزيادة التراكمية إلى 10%، في إشارة واضحة إلى الجهود المبذولة لجعل هذا المجال أكثر جاذبية واستقراراً للباحثين عن عمل.
مزايا اجتماعية وتأمينات في وظائف قطاع المعادن
بعيداً عن الراتب الشهري الجيد، يتمتع موظفو قطاع المعادن في إسبانيا بمجموعة من الضمانات الاجتماعية والمزايا الإضافية التي تجعل من هذه المهن خياراً آمناً ومستقراً. من بين هذه المزايا:
- تأمينات على الحياة
- تغطية في حالات العجز أو الإعاقة
- برامج تقاعد محفزة
- رواتب محددة من خلال مفاوضات جماعية
هذه المنظومة المتكاملة من الحقوق تضمن للعاملين بيئة عمل مستقرة، وتحميهم من تقلبات السوق أو تغيرات العقود الفردية.
“جيل المعادن”: مبادرة لجذب الشباب نحو الصناعة
استجابة لحجم النقص، أطلقت مؤسسة المعادن للتدريب حملة وطنية تحت عنوان “جيل المعادن – Génération Métal” تهدف إلى إعادة تشكيل صورة هذا القطاع في ذهن الشباب الإسباني.
فبعد أن كانت المهن الصناعية تُعتبر مرهقة وغير مرغوبة، يسعى القائمون على الحملة إلى تسويق قطاع المعادن كمجال حديث، تكنولوجي، ومليء بالفرص.
وتوضح المبادرة أن الوظائف الصناعية لم تعد تتطلب مجهوداً بدنياً قاسياً، بل تحولت إلى وظائف تقنية متقدمة تعتمد على أدوات مثل:
- الروبوتات الصناعية
- تصميم النماذج ثلاثية الأبعاد (3D Design)
- أنظمة الأتمتة الذكية
- الذكاء الإصطناعي والتحكم الرقمي
وهكذا، لم تعد مهن الصيانة والميكانيكا مجرد أعمال يدوية، بل أصبحت تتطلب إجادة التعامل مع برمجيات متقدمة وأنظمة إنتاج ذكية.
تم عرض مشروع “جيل المعادن” ضمن فعاليات معرض Aula المهني، في 26 مارس 2025 في العاصمة مدريد وكان موجها للطلاب والشباب المقبلين على اختيار مساراتهم المهنية، ويهدف إلى تعريفهم بالفرص التي يزخر بها قطاع المعادن.
المثير في هذه الحملة أن التركيز لم يعد على “الوظائف اليدوية” التقليدية، بل على وظائف مؤهلة تجمع بين الصناعة والتكنولوجيا، مع إمكانيات نمو وتطور مهني مستدام في بيئة ديناميكية.
فرصة حقيقية للباحثين عن العمل في أوروبا
في ظل هذه التطورات، يُعد قطاع المعادن الإسباني فرصة ذهبية للباحثين عن عمل داخل إسبانيا أو في إطار الهجرة الأوروبية. فمع توفر مئات الآلاف من الوظائف الشاغرة، ووجود رواتب تفوق المعدل الوطني، ومزايا اجتماعية قوية، تبرز هذه المهن كأحد أكثر القطاعات استقراراً ونمواً في إسبانيا خلال السنوات القادمة.
كما أن انفتاح الشركات على استقطاب اليد العاملة من خارج البلاد قد يُشكل فرصة حقيقية للمهاجرين والمهنيين المؤهلين من دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط الباحثين عن مستقبل أفضل في أوروبا.
لكن المستقبل المهني في إسبانيا لم يعد مرتبطاً فقط بالتعليم الجامعي أو المكاتب، بل إن الوظائف التقنية في الصناعة باتت من الأعلى أجراً والأكثر استقراراً.
ومع دعم حكومي ومؤسساتي لإعادة تأهيل القطاع وتحديثه، فإن “جيل المعادن” قد يتحول بالفعل إلى جيل الفرص الذهبية في سوق العمل الإسباني.
هل تفكر في الهجرة أو العمل في أوروبا؟ ربما حان الوقت لإعادة النظر في المسارات الصناعية.