لا يمكنك أن تنكر بأن مايكروسوفت هي واحدة من الشركات العظيمة التي لا تتوقف عن المحاولة ودائما ما تقدم لنا جديدا، وهذا سر بقاءها ضمن العلامات التجارية الأغلى في العالم بالرغم من أنها خسرت كثيرا خلال السنوات الأخيرة خصوصا في الفترة الأخيرة للرئيس التنفيذي السابق ستيف بالمر.
يحاول ساتيا نادالا منذ عامين إبعاد الشركة عن الأزمة التي أضحت العشرات من الشركات تعيشها بسبب تغير قواعد اللعبة التي لم تعد الحواسيب وأنظمة المحمول القديمة محورها بل الهواتف الذكية والتقنيات القابلة للإرتداء مع توجه عالمي إلى إنترنت الأشياء وتقنيات من شأنها أن تغير حياة البشر بشكل كبير على ما هي عليه في الوقت الحالي.
وبالفعل تمكن من تغيير الكثير من الأمور في فلسفة مايكروسوفت التي تحولت من الإنغلاق والإحتكار إلى الإنفتاح والمشاركة ما يجعلها تسير على خطوات جوجل التي تتمتع بعلاقة ممتازة مع مجتمع المطورين بمن فيهم هؤلاء الذين ينتمون إلى مدرسة الأنظمة المفتوحة المصدر.
والحقيقة التي لا يعرفها الجميع هو أن مايكروسوفت أدركت منذ 1996 أن تجاهل الموبايل وتركه للمنافسين يمكن أن يكون بوابة لنهايتها، لذا أطلقت حينها نظام Windows CE الذي استهدفت به الحواسيب المصغرة التي أسست لمفهوم الهواتف الذكية الحالية.
والحقيقة الأخرى التي لا تعرفها هو أن الناس كانوا ينظرون إلى نظام Windows CE والحواسيب المصغرة التي تعمل بها حينها على أنها سابقة لأوانها وغير مقنعة لهذا فشل النظام ومعه فشلت مايكروسوفت في غزو هذا القطاع الذي كانت تحاول معه قبل كبار اليوم ومنهم جوجل.
غير أن مايكروسوفت لم تتوقف عن المحاولة وظل إطلاق الحواسيب المصغرة والهواتف المزودة بنظام ويندوز فكرة لامعة في أذهان المسؤولين بالشركة وفكرة مغرية لكن كل هذه الإثارة لم تكن في الواقع كافية ليسبق ويندوز على الموبايل ثورة آيفون التي غيرت قطاع الموبايل برمته ومهدت أيضا لثورة أندرويد التي نعيشها في الوقت الراهن وبين هذا وذاك لم يسبب ويندوز أبدا ثورة حقيقية في قطاع الموبايل تجعله يتصدر المشهد ولو لمرة واحدة!
والآن نحن في 2016 أي بعد 20 عاما من إطلاق Windows CE الذي كان بمثابة أول ويندوز للمحمول ونحن نعيش في عصر محاولة ويندوز 10 موبايل، هل ستكون بالفعل المحاولة الفارقة في حياة هذه الشركة؟
مايكروسوفت لديها بالطبع العديد من الأوراق للعب وهي حتى في غير وجودها تستطيع ابتكارها والدليل هو ما يحدث الآن، حيث تحاول انجاح ويندوز 10 موبايل من خلال اللعب بأكثر من خيار، منها إطلاق هواتف لوميا ذات السعر الرخيص، والعمل على ايجاد حلول لقلة التطبيقات، وأيضا عقد شراكات مع العديد من الشركات التي ستطلق هواتف بهذا النظام وأيضا الاستحواذ على Xamarin والانفتاح على لينكس، وتطوير الذكاء الصناعي من خلال المساعد الشخصي كورتانا ولا ننسى أيضا شراكتها مع Cyanogen التي بموجبها سيتضمن الإصدار القادم من Cyanogen OS تطبيقات مايكروسوفت ونحن نعلم أن هناك الكثير من الهواتف التي تعمل به ومنها ZUK Z1 من لينوفو في الهند وايضا لا ننسى هواتف Yu Televentures من Micromax الهندية.
كل هذه الأوراق والخطة المتبعة من الشركة الأمريكية ننتظر منها فاعلية في النتائج لأنه في الحقيقة تبدو على الورق خيارات حاسمة وقادرة على قلب الطاولة لكن ما نحصل عليه من أرقام يؤكد أن واقع ويندوز فون لم يتغير بل يزداد سوءا.
النتائج المالية الأخيرة المعلن عنها أكدت أنها باعت 2.3 مليون جهاز لوميا في الربع الثالث من العام المالي الجاري مقارنة مع 8.6 مليون نسخة من لوميا خلال نفس الفترة من العام المالي الماضي ما يعني تراجع في المبيعات بنسبة 73 في المئة.
هذا بالطبع انعكس على الايرادات والعائدات التي تراجعت بدورها بنسبة 46 في المئة من قطاع الموبايل بالنسبة لهذه الشركة ولولا القفزة الهائلة التي حققتها في مبيعات خدمات التخزين السحابي وارتفاع مبيعات الإعلانات من بينج و خدمات أخرى تقدمها لأثر هذا بشكل واضح على النتائج المالية المعلن عنها لكن بالطبع استمرار انخفاض المبيعات وتراجع حصتها السوقية سيكون له أثرا عاجلا أم آجلا وقد يدفع الشركة للإقتناع أخيرا بأن فكرة شراء قسم المحمول في نوكيا كانت حماقة، رغم أنها منطقيا خطوة ضرورية إذ أن الاعتماد على قطاع السوفتوير لوحده مخاطرة كبيرة ونعرف أن جوجل التي لم تكن بمثابة شركة عتاد أصبح لديها الآن قسم الهاردوير ولديها حواسيب و هواتف و لوحيات تنافس بها.
المؤلم أن الحصة السوقية لهواتف لوميا لم تعد تتعدى 1 في المئة، وهذا بالطبع مرعب للغاية وينذر إلى أن جهود مايكروسوفت لا تعطي نتائج ايجابية في الوقت الراهن على مستوى مبيعات هواتفها الذكية.
يحدث كل هذا والشركة تعمل على تطوير نظام ويندوز 10 موبايل وتوفير التطبيقات الشاملة وحل هذه المشاكل المتعلقة بالسوفتوير لكن في الواقع لا تزال تتخبط على مستوى تصنيع وإطلاق هواتف لوميا، فالاهتمام بهذا الجانب لا يزال قليلا، وهذه السنة يقال أنه لن نرى هاتفا رائدا منها ما يعني تأجيل Microsoft Surface Phone حتى العام القادم، وفي انتظار ذلك تفقد الشركة المزيد من الحصة السوقية حتى وإن أطلقت هواتف منخفضة التكلفة.
كل هذا يفتح الباب لحل قد تلجأ إليه مايكروسوفت وهو الاستحواذ على Cyanogen OS المبني على أندرويد وإطلاق هواتف بهذا النظام والتخلي عن مشروع ويندوز 10 موبايل وعن حلم وجود ويندوز في الأجهزة المحمولة بعدما سيطر على الحواسيب لعقود من الزمن.
الشركة الأمريكية تدرك جيدا أنه عليها النجاح في قطاع الموبايل بأي ثمن وإلا فإن النتيجة لن تختلف كثيرا عن شركات أضحت خلف قطار المنافسة.