لا مفر من العلمانية والدولة المدنية الحديثة كي تتفادى سوريا حربا أهلية ثانية وتنتقل إلى فئة الدول المستقرة، أي نظام سياسي آخر لن يكون ناجحا إذا لم يكن قائما عليها.
هناك 10 أسباب تدفع البلد الشرق الأوسطي إلى تبني العلمانية والدولة المدنية الحديثة وتجنب فخ امارة إسلامية أو دولة بوليسية جديدة مشوهة مثل نظام الأسد.
سوريا متعددة الأديان والطوائف
إن الفصل بين الدين والدولة مبدأ أساسي من مبادئ العلمانية، فهو يضمن استقلال المؤسسات الدينية عن نفوذ الحكومة والعكس صحيح.
وهو يزيل أي ارتباط رسمي بين المنظمات الدينية والشؤون السياسية للدولة، ويمنع إنشاء دين رسمي للدولة، وبالتالي تصبح الأخيرة على مسافة واحدة حقيقية من كل الأديان والطوائف.
لن تمول الدول التشيع أو التصوف أو السلفية أو غيرها من الإتجاهات الدينية الكبرى، لكن يمكنها تبني نهجا يحارب التطرف الديني الذي يهدد الجميع.
العلمانية هي الأفضل لسوريا المعروفة بتواجد المسلمين والمسيحيين فيها والدروز والبهائيين والعلويين وعدد من الأديان والطوائف الدينية.
سوريا تحمي حرية الدين للجميع
العلمانية تحمي حرية الدين أو المعتقد وتضمن عدم تفضيل الحكومة لأي دين معين أو فرض الدين على مواطنيها وهذا في صالح الشعب السوري.
تسعى الدولة العلمانية إلى ضمان وحماية حرية الاعتقاد والممارسة لجميع المواطنين، يريد العلمانيون أن تنطبق حريات الفكر والضمير على الجميع بالتساوي سواء المؤمنين وغير المتدينين على حد سواء.
هذا مختلف عن الخلافة الإسلامية حيث سيدفع غير المسلمين الجزية وسيدخل الكثير منهم الإسلام فقط كي لا يدفعوا، وبالتالي فهذا بطريقة أو أخرى هو دفعهم إلى الإسلام رغما عنهم.
من جهة أخرى تتبنى الدولة المذهب السني ما يعني إمكانية قمع الشيعة وبقية المذاهب بما فيهم القرآنيين الذين لديهم تحفظات واختلافات جوهرية عن السنة.
كما أن الملحدين والربوبيين في خطر بدولة إسلامية حيث يمكن سجنهم أو قتلهم أو تعذيبهم لحثهم على الإيمان بالإله الإبراهيمي.
تسعى العلمانية إلى الدفاع عن الحرية المطلقة للمعتقدات الدينية وغيرها، وحماية الحق في إظهار المعتقد الديني بقدر ما لا يمس حقوق وحريات الآخرين، تضمن العلمانية أن حق الأفراد في حرية الدين متوازن دائمًا مع الحق في التحرر من الدين.
العلمانية تتعلق بالديمقراطية والعدالة في سوريا
في الديمقراطية العلمانية، يكون جميع المواطنين متساوين أمام القانون والبرلمان، ولا يمنح أي انتماء ديني مزايا أو عيوبًا، والمؤمنون الدينيون مواطنون يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات مثل أي شخص آخر.
تدافع العلمانية عن مبدأ القانون الواحد للجميع وحقوق الإنسان العالمية فوق المطالب الدينية، وتدعم قوانين المساواة التي تحمي النساء والمثليين جنسياً والأقليات من التمييز الديني.
وتضمن قوانين المساواة هذه أن يتمتع غير المتدينين وغير المهتمين بالدين بنفس الحقوق التي يتمتع بها أولئك الذين يتماهون مع معتقد ديني أو فلسفي.
يحتاج الشعب السوري إلى الديمقراطية من أجل إدارة أمور بلادهم بشكل تعددي ويشارك كل مواطن في انتخابات نزيهة ويختار من يمثله في البرلمان.
من جهة أخرى تتحقق العدالة في هذا النظام لأن هناك محاسبة والمسؤول يخشى على نفسه من أن يخسر منصبه حيث يمكن عزله أو يخسر شعبيته وتنتهي مسيرته السياسية.
خدمات عامة للجميع في سوريا
إن جميع الشعب السوري يشتركون في المستشفيات والمدارس والشرطة وخدمات السلطات المحلية، ومن الضروري أن تكون هذه الخدمات العامة علمانية عند نقطة الاستخدام، حتى لا يُحرم أحد من الوصول إليها أو يُحرم من ذلك على أساس معتقداته الدينية أو عدم معتقداته.
وينبغي أن تكون جميع المدارس التي تمولها الدولة شاملة وعلمانية بطبيعتها، مع تعليم الأطفال معاً بغض النظر عن معتقدات والديهم الدينية.
وعندما تمنح هيئة عامة عقداً لتقديم خدمات لمنظمة تابعة لدين أو معتقد معين، فينبغي تقديم هذه الخدمات بشكل محايد، ودون تمييز ودون محاولة للترويج لأفكار تلك المجموعة الدينية.
العلمانية في صالح المرأة السورية التي تشكل نصف المجتمع
تقمع الأنظمة الدينية المرأة وتحرمها من حقها في التعليم أو تجعل التعليم لديها محصورا في سن محددة وبوصولها إلى سن المراهقة يجب أن تتزوج.
وهذا يصنع مجتمعا جاهلا لأن المرأة هي نصف المجتمع وهي التي تربي وتكون الأجيال، ولا يمكنها بناء جيلا يقدس التعليم وهي جاهلة.
معروف أن نظام الأسد وبالرغم من عيوبه الكثيرة إلا أن التعليم في عهده إلى ما قبل الثورة كان جيدا، كما أن المرأة السورية من أفضل النساء تعليما وثقافة وتحررا على المستوى العربي.
تأتي العلمانية لنحافظ على تلك المكتسبات وتمنح النساء المزيد من الحقوق في نظام سياسي ديمقراطي يخول لهن الترشح والتصويت والمشاركة السياسية الفعالة.
العلمانية ستعزز وتحمي حرية التعبير والحريات الفردية
من أسباب الثورة في سوريا والعالم العربي هي غياب حرية التعبير أو وجود الكثير من الخطوط الحمر وقمح حرية التعبير وقد رأينا آلاف ضحايا حرية العبير في معتقلات الأسد.
اقتصاديا كانت سوريا جيدة في عهد بشار الأسد إلى 2011، لكن حرية التعبير لم تكن أبدا في عهد حزب البعث السوري مقبولة، وهناك قمع متوارث في هذا الجانب.
في سوريا العلمانية سيتمتع المتدينون بالحق في التعبير عن معتقداتهم علنًا، ولكن هذا ينطبق أيضًا على أولئك الذين يعارضون هذه المعتقدات أو يشككون فيها.
ولا ينبغي أن تتمتع المعتقدات والأفكار والمنظمات الدينية بحماية خاصة من الحق في حرية التعبير، وفي الديمقراطية، يجب أن تكون جميع الأفكار والمعتقدات مفتوحة للمناقشة.
نعم سيكون هناك استقطاب وفوضى سياسية من حيث التصريحات والانتقادات، لكن هذا صحي للحكومة والمعارضة وسيأتي أجيالا من السياسيين أكثر نضجا وتمرسا في ممارسة العمل السياسي باحترافية.
العلمانية في ظل مجتمع متنوع جنسيا وعاطفيا
سوريا مثل بقية دول العالم فيها المثليين والمتحولين جنسيا، وفي نظام علماني حقيقي من حق هؤلاء الحصول على كافة الخدمات الأساسية بدون تمييز.
وينبغي أن يتم تقبلهم واحترام توجههم مثل احترام المرأة واحترام الرجل الذي يفضل المساكنة على الزواج الرسمي، لا يوجد اختيار يناسب الجميع في النهاية.
إن العلمانية تأتي عادة مع الليبرالية التي تعد فلسفة تدافع عن الحريات الفردية وتعتبر الحرية الفردية مقدسة ويجب على الدولة حمايتها والدفاع عنها.
على النقيض من المجتمعات التي تديرها الأديان والتي تعتبر المثلية والمساكنة والحرية الجنسية أمورا ممنوعة ومدمرة لمجتمعاتهم الطاهرة كما يزعمون.
بناء سوريا عظيمة فعلا
لقد أتبث حكم الفرد فشله في سوريا وليبيا والعراق ودول كثيرة، ومن جهة أخرى اتضح أن الفوضى الداعشية لا تأتي إلا مع الإرهاب والحروب، والنموذج الأفغاني بائس للغاية ولا يمكن الاقتداء به.
الملكيات العربية مثل المغرب والأردن ودول الخليج من الصعب استنساخها في سوريا لأنها قائمة على البيعة والتي تمت منذ وقت طويل وهناك اجماع شعبي فيها على أن للملك مكانته العليا وهناك حكومة ومسؤولين يتم انتخابهم بشكل ديمقراطي.
لم يتبق أمام سوريا سوى تبني النظام العلماني الديمقراطي، وهو نظام تبنته دول ناجحة مثل إسرائيل وتركيا واليونان وقبرص وهم جيران سوريا.
يمكن هزيمة بلد قائم على فرد واحد لكن بلد يحكمه الشعب نفسه في إطار النظام العلماني الديمقراطي يمكنه تحقيق الكثير ولا يمكن للمجتمع الدولي عزله أو رفضه.
دولة القانون في سوريا
وفي مجتمع متجانس افتراضي، ربما يكون من الممكن أن يكون هناك شكل غير علماني للدولة أو الحكومة يكون عادلاً، ولكن لا يوجد شيء مثل المجتمع المتجانس تماماً، فكل المجتمعات تتكون من أفراد متميزين.
ومن الواضح أن سوريا هي مجتمع شديد التنوع وفي سياق هذا الواقع تقدم العلمانية أفضل إمكانية لتأمين الحرية والعدالة في أي ديمقراطية تحترم حكم القانون.
النظام العلماني يحتكم إلى قانون يكتبه البشر، يكون مفصلا وشاملا للحياة السياسية والنظام العام، هذا القانون متفق عليه وقابل للتعديل والتطوير كلما ظهر أنه فيه ثغرات.
على عكس الدول القائمة على الشريعة والنصوص الدينية فهناك ثغرات كثيرة ولا يمكن تعديلها لأنها تعديل لما يسمى بالنصوص المقدسة، كما أن الجدال غير مقبول لأنه جدال مع قوة أسمى يعتقد أنها تواصلت مع النبي أو الزعيم الروحي الذي مات منذ قرون طويلة.
قوة سوريا في تنوعها الثقافي
نرى أن الدول التي تتمتع بتنوع ثقافي تنجح مثل الولايات المتحدة الأمريكية وحتى الإمارات التي تستقطب الموهوبين من جنسيات مختلفة وتشجع على الاستثمار والإقامة بها.
هذا الأمر عير موجود في الدول الدينية المنغلقة على نفسها والتي تبدو أكثر قومية وتعطي الأفضلية حسب الدين والتدين وليس حسب المهارة والإضافة التي يقدمها الشخص للدولة.
وسوريا بلد متنوع ومع عودة الملايين منهم من المنفى والدول المختلفة ستزداد الإختلافات لأن السوري المقيم في ألمانيا ليس مثل نظيره المقيم في تركيا أو الأردن وليس مثل الموجود في الولايات المتحدة.
كما أن الكثير من الكفاءات السورية كان لها مساهمة قوية ورأيناهم في الإمارات وحتى الدول الغربية يحققون إنجازات كبرى ويمكن لهؤلاء الإزدهار في بلدهم إذا كان مستقرا وعلمانيا وحداثيا مثل الدول التي هاجروا إليها.
على العكس من ذلك دولة دينية ستقتل ابداعهم وتضع دائما الحدود والخطوط الحمراء التي تحد من الإبداع والإبتكار، وهي مشكلة لا يعاني منها البلد الذي يعتمد النظام العلماني ويتبنى القيم الليبرالية.