
تواجه الصين تحديات اقتصادية عديدة، وتريد الحكومة أن المستهلكين في الإنفاق أكثر لصالح الجميع، لكن عنوان المرحلة هو تقشف الشباب الصيني الذي يرفض التجاوب مع الحكومة.
يقول المسؤولون إن الإستهلاك المحلي غير الكافي في معظم المجتمع يعيق النمو، لكن الخريجين الجدد لديهم أسباب أكثر من غيرهم للحذر.
البطالة تدفع شباب الصين إلى التقشف
ظلت بطالة الشباب تتراوح حول أقل من 20% قليلاً لفترة من الزمن (وبحسب أحدث البيانات في نوفمبر 2025، انخفضت إلى حوالي 17.3% للفئة العمرية 16-24 عاماً)، ويخشى من لديهم وظائف فقدانها، وأزمة العقارات المستمرة تجعل احتمال امتلاك منزل يبدو بعيد المنال، خاصة في المدن الكبرى.
هذا الغموض يشجع الكثير من شباب الصين على تبني التقشف بدلاً من ذلك، وغُمرت وسائل التواصل الاجتماعي بنصائح حول كيفية البقاء على مبالغ صغيرة من المال.
“عملي مكرس لحياة بسيطة”، تقول إحدى المؤثرات بدوام كامل لشبكة بي بي سي التي نشرت تقريرا مفصلا عن تقشف الشباب في أزمة الصين الإقتصادية ومعاناة ثاني أكبر اقتصاد في العالم منذ كورونا.
تظهر فيديوهات الشابة البالغة 24 عاماً، والتي تُعرف عبر الإنترنت باسم تشانغ “حبة أرز صغيرة”، محتوى مثل استخدامها لقالب صابون عادي لجميع احتياجاتها الشخصية من التنظيف، بدلاً من منتجات تنظيف البشرة الباهظة الثمن.
كما يمكن رؤيتها وهي تتجول في مناطق التسوق وتعرض حقائب وملابس تقول إنها ذات قيمة جيدة لأنها تدوم أطول.
تدفع الشركات لها مقابل عرض بضائعها لمتابعيها البالغ عددهم 97 ألفاً على موقع Xiaohongshu وفي هذا الصدد تقول لبي بي سي: “أتمنى أن يفهم المزيد من الناس فخاخ الاستهلاك حتى يتمكنوا من التوفير، هذا سيقلل من توترهم ويجعلهم يرتاحون”.
الأكل بميزانية محدودة في الصين
شاب يبلغ 29 عاماً يستخدم اسم “عشب صغير يطفو في بكين” ينشر فيديوهات له وهو يعد أطباقاً أساسية، ويقول إنه يمكنه تناول وجبتين بأقل قليلاً من دولار واحد (76 بنساً).
ويقول لمتابعيه: “أنا مجرد شخص عادي من الريف. ليس لدي خلفية تعليمية جيدة ولا شبكة علاقات مؤثرة، لذا يجب أن أعمل بجد من أجل حياة أفضل”.
يعمل في شركة مبيعات عبر الإنترنت ويؤكد أن أسلوب حياته المتواضع للغاية مكّنه من توفير أكثر من 180 ألف دولار على مدى 6 سنوات.
سأله بعضهم عبر الإنترنت إذا كان يتوقع من زوجته وأطفاله في المستقبل أن يعيشوا بنفس الطريقة وما هو الهدف النهائي. رده: “لا أعرف”.
ما سبب مشكلة الإدخار في الصين؟
اكتسبت الصين سمعة كاقتصاد لا يمكن إيقافه، قادر على تجاوز اضطراب جائحة كورونا وحرب التجارة التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكن المحللين يقولون إنها ستواجه تحديات طويلة الأمد كبيرة إذا لم تعزز الإنفاق المحلي.
بينما تواجه الولايات المتحدة مشكلة في تراكم الديون على بطاقات الائتمان، في الصين المشكلة عكسية تماماً، الناس ميالون بالفعل للادخار بدلاً من الإنفاق، وهذا يزداد فقط عندما يكون هناك شعور بأوقات صعبة قادمة.
كانت الحكومة الصينية تتعهد منذ سنوات بزيادة الاستهلاك الأسري، لكنه لا يزال يشكل حوالي 39% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل حوالي 60% في معظم الدول المتقدمة.
جزء من المشكلة أن شباب اليوم أكثر تشاؤماً من التسعينيات وأوائل الألفية: “الآن، كسب المال أهم بالنسبة لي، أحتاج فعلياً إلى توسيع مصادر دخلي وتقليل تكاليفي”، تقول شابة في وسط بكين لشبكة بي بي سي.
مثل الكثير من الشباب الآخرين تم تخفيض راتبها، وهذا في ظل تباطؤ الصناعة والإنتاج الصيني مع انتقال العمليات التصنيعية إلى قوى صاعدة وبديلة مثل الخصمين الإقليميين للصين ألا وهو الهند وفيتنام.
تضيف: “غيرت وظيفتي، ولا يدفع جيداً، كما أنني لا أعرف إلى متى يمكن لهذه الوظيفة الجديدة أن تحافظ علي في المستقبل، بيئة اقتصادية سيئة مثل هذه تجعل الناس يشعرون بالإحباط لأننا لا نكسب كثيراً، العثور على وظيفة في المقام الأول ليس سهلاً أيضاً”.
هذا المستوى من بطالة الشباب يجعل من السهل على أرباب العمل الذين يعانون خفض الأجور لأن العمال يواجهون خيار قبول أجر أقل أو الغوص في سوق عمل تنافسي للغاية.
معاناة الشباب في الصين
شاب آخر في العشرينيات من عمره يقول إن هناك وظائف منخفضة المستوى متاحة لكن من الصعب العثور على عمل لائق في مجال تخصصه.
يقول لشبكة بي بي سي: “بعض أصدقائي عاطلون عن العمل، لا يزالون يعيشون في المنزل ويبحثون عن وظيفة”.
ويضيف: “كان لديهم جميع أنواع التخصصات في الجامعة من الخدمات المالية إلى مبيعات المنتجات، الاقتصاد متدني، أتمنى أن يتحسن حتى نتمكن جميعاً من عيش حياة أفضل”.
القلق الكبير للخريجين الجدد في الصين هو أن البلاد تجري انتقالاً صعباً من كونها منتجاً جماعياً للسلع الرخيصة إلى اقتصاد عالي التقنية، والكثير من هذه الصناعات الجديدة لا تحتاج إلى عدد كبير من العمال.
الاقتصادي جورج ماغنوس، الزميل في مركز الصين بجامعة أكسفورد، يتابع هذه الظاهرة.
يستشهد بأرقام من شركتي توظيف كبيرتين في بكين تظهر مستوى عالياً من الخريجين الجامعيين، حتى حاملي الماجستير، يأخذون وظائف كسائقي توصيل.
ويضيف: “يعكس ذلك عدم تطابق المهارات بين المؤهلات التي يغادر بها الناس التعليم العالي وما هو متاح من طلب على العمالة”، “بالطبع، هذا لا يساعده الدفع ليكون بطلاً في الروبوتات والذكاء الإصطناعي لأن هذا، على الأقل في الوقت الحالي، يُثبط فرص العمل إلى حد ما، التكنولوجيا ليست كثيفة العمالة حقاً”.
مشكلة اقتصاد الصين
هيلينا لوفغرين تدرس أنماط الاستهلاك في الصين لمعهد السويد للشؤون الدولية وتعتقد أن الاقتصاد يعتمد بشكل كبير جداً على ضخ الأموال في الصناعات المفضلة والتركيز على بيع المنتجات في الخارج في وقت من عدم اليقين الجيوسياسي الكبير.
تقول: “الناس يدخرون أكثر مما يستهلكون، وأنت بحاجة إلى أن يشكل الاستهلاك حصة أكبر في الإقتصاد مما هو عليه اليوم في الصين”.
تقول: “لديك اقتصاد موجه نحو التصدير والاستثمار بشكل كبير، وما نراه الآن هو أن هذه الأجزاء كبيرة جداً ليبقى الإقتصاد صحياً”.
كل شيء يتعلق بعدم التوازن الاقتصادي، إذا، على سبيل المثال، فقدت الصين فجأة إيرادات تصدير كبيرة، هل لديها الأدوات لمواجهة ذلك من خلال تمكين سكانها المحليين مالياً؟
شكك بعض المراقبين في مدى جدية الحزب الشيوعي في زيادة الاستهلاك المحلي.
في العقود الأخيرة، ازدهرت البلاد بنموذج الاستثمار والتصدير لكن هذا النهج يواجه الآن تحدياً كبيراً: “الانكماش، غالباً ما ينتظر المشترون المحتملون انخفاض أسعار السلع”.
إذا أراد زوجان شابان شراء، على سبيل المثال، أريكة جديدة، قد يعقل لهم الانتظار للحصول على صفقة أفضل.
كلما طال انتظارهم وغيرهم الكثير مثلهم في إجراء مشتريات كبيرة، زادت احتمالية خفض الشركات للأسعار، مما يدفع الناس للانتظار أكثر لصفقة أفضل.
قد يبدو فكرة جيدة الحصول على سلع أرخص، لكن الانكماش يمكن أن يجبر الشركات على الإفلاس ويعيق النمو بشكل عام.
يمكن مواجهة ذلك بطريقة ما بتغذية التفاؤل بين المستهلكين في العشرينيات أو الثلاثينيات، بناء شبكة أمان اجتماعي أفضل أو زيادة الحد الأدنى للأجور قد يساعد.
كانت هناك بعض المحاولات للقيام بذلك من خلال تقديم حوافز لاستبدال السيارات القديمة والأجهزة المنزلية وغيرها من السلع لكنها لم ترفع الاستهلاك بشكل كبير.
