في خطوة وصفت بأنها “تاريخية”، أعلن البيت الأبيض يوم الأربعاء، عن توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتفاقية تعاون اقتصادي مع دولة قطر بقيمة تزيد عن 1.2 تريليون دولار.
هذه الصفقة، التي جرت خلال زيارة ترامب الرسمية إلى الدوحة، تأتي ضمن جولته الخليجية التي شملت السعودية والإمارات، وتعد واحدة من أكبر الاتفاقيات الاقتصادية في تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وقطر.
في هذا المقال، نستعرض التفاصيل الكاملة لهذه الصفقة، مكوناتها الرئيسية، أهدافها، والتداعيات المحتملة على الطرفين والمنطقة.
قطر تدفع 1.2 تريليون دولار لأمريكا دونالد ترامب
تأتي هذه الاتفاقية في سياق عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية لعام 2024. منذ توليه المنصب في يناير 2025، أعطى ترامب الأولوية لتعزيز الاقتصاد الأمريكي من خلال إبرام صفقات تجارية واستثمارية ضخمة مع الحلفاء الدوليين، وخاصة دول الخليج العربي الغنية بالموارد.
قطر، بصفتها إحدى الدول الرائدة في إنتاج الغاز الطبيعي وصاحبة صندوق سيادي قوي (جهاز قطر للاستثمار)، كانت هدفًا رئيسيًا لمباحثات ترامب خلال جولته.
وفقًا لمصادر مطلعة، بدأت المحادثات الأولية لهذه الصفقة قبل أشهر، حيث أعربت قطر عن استعدادها لتعزيز استثماراتها في الولايات المتحدة، خاصة في قطاعات الطاقة، التكنولوجيا، والصناعات الدفاعية.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تسعى فيه قطر إلى تعزيز علاقاتها مع واشنطن، خاصة بعد الدور الذي لعبته في الوساطة الإقليمية، بما في ذلك مفاوضات السلام في الشرق الأوسط.
تتضمن الصفقة الاقتصادية التاريخية بين الولايات المتحدة وقطر عدة مكونات رئيسية، تم الإعلان عن بعض تفاصيلها في بيانات رسمية من البيت الأبيض ووسائل إعلام دولية.
صفقة طائرات بوينغ مع الخطوط الجوية القطرية
أحد أبرز عناصر الصفقة هو اتفاقية شراء الخطوط الجوية القطرية لـ160 طائرة من شركة بوينغ الأمريكية بقيمة تزيد عن 200 مليار دولار.
وفقًا لتقارير اعلامية تشمل الصفقة طائرات من طرازات بوينغ 787 دريملاينر و777 إكس، بالإضافة إلى محركات من إنتاج شركة جنرال إلكتريك.
وقد وصف ترامب هذه الطلبية بأنها “الأكبر في تاريخ بوينغ”، مشيرًا إلى أنها ستسهم في خلق آلاف الوظائف في الولايات المتحدة.
خلال مراسم التوقيع إلى جانب أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قال ترامب: “القيمة تتجاوز 200 مليار دولار، وهي 160 طائرة، هذا رائع. إنه رقم قياسي” وأضاف موجهًا حديثه إلى الرئيس التنفيذي لبوينغ، كيلي أورتبرغ: “هذا رقم قياسي يا كيلي”.
هذه الصفقة لا تعزز فقط مكانة بوينغ في السوق العالمية، بل تدعم أيضًا الخطوط الجوية القطرية في توسيع أسطولها لتلبية الطلب المتزايد على السفر الجوي.
استثمارات في قاعدة العديد الجوية
تتضمن الإتفاقية استثمارات بقيمة 38 مليار دولار في تطوير قاعدة العديد الجوية في قطر، التي تعد واحدة من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.
وفقًا للإعلان الرسمي، ستشمل هذه الاستثمارات تحديث البنية التحتية، تعزيز قدرات الدفاع الجوي، وتطوير الأمن البحري في المنطقة.
هذه الخطوة تعكس التزام قطر بدعم الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وهو ما يتماشى مع استراتيجية ترامب لتوزيع تكاليف الأمن الإقليمي على الحلفاء.
وتستخدم الولايات المتحدة الأمريكية القاعدة العسكرية لشن الهجمات على الجماعات الإرهابية في اليمن والعراق وسوريا ودول أخرى، كما انها صمام الأمان لدول الخليج من التهديدات الإيرانية.
صفقات دفاعية وتكنولوجية
بالإضافة إلى صفقة الطائرات، تشمل الاتفاقية صفقات دفاعية أخرى، من بينها شراء طائرات مسيرة من طراز MQ-9 Reaper بقيمة ملياري دولار.
كما أشارت مصادر إلى استثمارات محتملة في قطاعات التكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، على غرار الاستثمارات التي أعلنت عنها الإمارات مؤخرًا بقيمة 1.4 تريليون دولار.
ومن شأن هذه الصفقة أن تعزز من قوة الجيش القطري للدفاع عن سيادته من التهديدات الإيرانية أو حتى من جيرانها الخليجيين في حال حصول خلاف حدودي.
مشاريع استثمارية إضافية
تشمل الصفقة أيضًا تعهدات استثمارية طويلة الأجل من قطر في الاقتصاد الأمريكي، مع تركيز على قطاعات الطاقة، البنية التحتية، والتصنيع.
وفقًا لوسائل الإعلام تهدف هذه الاستثمارات إلى “دفع عجلة الابتكار والازدهار لأجيال”، مع تعزيز الريادة الصناعية والتكنولوجية الأمريكية.
لم يتم الكشف عن تفاصيل دقيقة حول هذه المشاريع، لكن مصادر تشير إلى أنها قد تشمل مشاريع مشتركة بين جهاز قطر للاستثمار وشركات أمريكية كبرى.
من المؤكد أن قطر ستستثمر في شركات أمريكية بالبورصات الأمريكية الكبرى من خلال شراء الأسهم والمشاركة في صفقات استحواذ لصالح الشركات الأمريكية.
الهدية المثيرة للجدل: طائرة بوينغ 747-8
من بين العناصر التي أثارت جدلاً واسعًا، عرض الأسرة الحاكمة القطرية منح الولايات المتحدة طائرة بوينغ 747-8 فاخرة، تُعرف بـ”القصر الطائر”، بقيمة تقدر بحوالي 400 مليون دولار.
من المقرر أن تُستخدم هذه الطائرة كبديل مؤقت لطائرة الرئاسة الأمريكية “إير فورس وان” حتى نهاية ولاية ترامب الثانية، على أن تُنقل ملكيتها لاحقًا إلى مؤسسة مكتبة ترامب الرئاسية.
قطر نفت أن تكون الطائرة هدية شخصية لترامب، مؤكدة أنها جزء من مباحثات بين وزارتي الدفاع في البلدين.
ومع ذلك، أثار هذا العرض انتقادات في الأوساط السياسية الأمريكية، حيث اعتبر البعض أنه محاولة للتأثير السياسي، بينما دافع آخرون عنه كرمز للعلاقات الوثيقة بين البلدين.
قطر تدفع 1.2 تريليون دولار لأمريكا ليس مجانا
مثل السعودية والإمارات وبقية دول الخليج تسعى هذه الدول للإستفادة من التكنولوجيا الأمريكية وتفوقها العالمي.
من شأن هذه الصفقات المعلن عنها في جولة ترامب الخليجية أن تجلب فوائد كبيرة لدول مجلس التعاون الخليجي، كما أنها تعزز من مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة والعالم.
هذه الصفقات تؤكد أن العواصم الخليجية تعتبر واشنطن الشريك وليس الصين أو روسيا كما يروج المحللين العاطفيين الذين يراهنون على خصوم أمريكا.