قصة الزكاة من عصر الأنبياء ثم الإسلام إلى عصر الربا وسعر الفائدة

قصة الزكاة من عصر الأنبياء ثم الإسلام إلى عصر الربا وسعر الفائدة

منذ حوالي 1400 عام، تم اعتماد نظام الضمان الإجتماعي الذي حوّل القبائل العربية المتخلفة والصحراوية إلى واحدة من أكثر الدول ازدهارًا وتقدماً في العالم.

يتضمن نظام الضمان الاجتماعي هذا نقل فائض الثروة من الأغنياء إلى الفقراء لتخفيف حدة الفقر بطريقة مستدامة بحيث يمكن لجميع الناس التمتع بحقوقهم المشروعة في العيش حياة آمنة وكريمة، هذا النظام الإقتصادي الرائد يسمى الزكاة.

ذكرت الزكاة في القرآن الكريم 88 مرة، وتعتبر واحدة من الركائز الأساسية للإسلام وأداة لا غنى عنها لتنمية المجتمع الإسلامي.

تعد الزكاة من أساسيات الدين الإسلامي وهي مثل الصلاة مفروضة، تم تعريف معيار الأهلية هذا للدفع وتلقي الزكاة بوضوح في القرآن.

بداية اقرار الزكاة

يقول عز وجل: “وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ” – سورة البقرة.

وقال أيضا سبحانه وتعالى: “وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ” – سورة المائدة

هناك الكثير من الآيات التي ذكر فيها الله عز وجل اقراره الزكاة وفرضها على المؤمنين، ويتضح لنا دون الحاجة إلى تفسير أن هذه العبادة تم فرضها منذ الأزل على من يؤمن بوحدانية الله ويترك عبادة الأصنام والشرك بالله.

هذا يعني أنها موجودة في اليهودية والمسيحية قبل الإسلام، وكانت موجودة حتى قبل هذه الأديان في عصور أول الرسل والأنبياء.

لكن الفرق أنها في الإسلام تحددت بشكل أكثر تفصيل وواضح، ولم يعد هناك مجال للتشكيك في كونها من الفرائض الأساسية بهذه الحياة.

عبادة مالية مفروضة على كل مسلم ومسلمة

لا يوجد فرق بين الرجال والنساء على هذا المستوى، كل مسلم مفروض عليه أن يخرج الزكاة في وقتها، إنها مثل الضريبة التي تفرضها الحكومة على المواطنين، لكن الفرق هنا أنها تذهب لمن يحتاجها مباشرة، بين الضريبة قد تستخدم في تمويل أشياء قد لا يكون لها أي نتائج ايجابية مباشرة على الفقراء.

قال تعالى: “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” – سورة التوبة.

الزكاة في الديانة اليهودية

دعا مختلف أنبياء الديانة اليهودية إلى ايتاء الزكاة في سبيل الله ومساعدة الفقراء، وقد ورد في التوراة: “طوبى للذي ينظر إلى المسكين” (مزمور41: 1)،

وجاء فيه أيضا: “إن جاع عدوك فأطعمه خبزًا، وإن عطش فاسقه ماءً”.

أيضا فصل أكثر في مقدار الزكاة بالقول: “إذا حَصَدتَ حصيدك في حقلك ونسيت حُزْمَةً من الحقل فلا ترجع لتأخذها، للغريب واليتيم والأرملة تكون لكي يباركك الربّ إلهك في كلّ عمل يديك”، “وعندما تحصدون حصيد أرضكم لا تكمّل زوايا حقلك في الحصاد، ولقاط حصيدك لا تلتقط. وكرمك لا تُعلّله، ونثار كرمك لا تلتقط، للمسكين والغريب تتركه”.

مختلف الأنبياء أبلغوا بني اسرائيل بأن الزكاة مفروضة ولكن أكثرهم لا يؤمنون بذلك.

الزكاة في الديانة المسيحية

جاء في الإنجيل: “احترزوا من أن تصنعوا صَدَقَتكم قُدّام الناس؛ لكي ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات، فمتى صنعت صدقة فلا تُصوِّت قُدَّامك بالبوق، كما يفعل المراءون في المجامع وفي الأزقّة؛ لكي يُمَجَّدوا من الناس” (متى 6: 1-2-(

“وأما أنت فمتى صنعت صدقةً فلا تعرّف شمالك ما تفعل يمينك. لكي تكون صدقتك في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يُجازيك علانية” (متى 6: 3-4(.

مما سبق يتبين لنا أن الزكاة في هذه الديانة تدعى الصدقة وهذه أيضا موجودة في الإسلام، وينصح بأن تكون بسخاء وسرا وهي من تعاليم الإسلام أيضا.

الزكاة في الديانة الإسلامية

قال تعالى: “وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ” – سورة الروم

وقال عز وجل: “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” – سورة التوبة

الإسلام واضح للغاية في مسألة الزكاة وهناك الكثير من الآيات حول الصدقة والزكاة وكيف ترفع بالإنسان إلى مقام أعلى وتخلصه من الصفات السيئة التي اكتسبها.

نجاح الزكاة في عز الدولة الإسلامية

بعد أن وضع أن بلغ نبي الإسلام الرسالة واكتملت أركان هذه الديانة وتوفي، أخد رجال آخرين المشعل وحاول كل خليفة أن يطبق فريضة الزكاة ويطور من آليات منحها واعطائها ليستفيد المجتمع الإسلامي.

ويتفق المؤرخون على أن عمر بن عبد العزيز الخليفة الأُموي، هو أنجح شخص على المستوى المادي والإقتصادي في تاريخ الإسلام، حيث قضى تماما على الفقر وكان هناك فائض في الخزينة.

هذا الشخص العظيم وصل إلى الخلافة وهو كاره لها ولا يريد تحمل هذه المسؤولية، وعندما فرضت عليه تحرك بمسؤولية وخشي أن يحاسبه الله على كل فقير وجائع ومريض في بلده.

هذه هي الفترة التي انتشر فيها الرخاء والإزدهار وفق الشريعة الإسلامية بعيدا عن الآليات المشبوهة التي تداخلت مع النقود في العصور الحديثة.

هناك بالطبع أمثلة لدول اسلامية حققت الرخاء واستفادت من الزكاة والصدقة وعدالة توزيعها، لكن أيا منها لم يصل إلى نجاح دولة عمر بن عبد العزيز الخليفة الأُموي.

الزكاة في عصرنا … عصر سعر الفائدة “الربا”

تظل الزكاة من الفرائض والتي يجب على المسلمين اخراجها في وقتها، ويؤكد على ذلك أيضا الفتاوى التي تحذر من الاستهانة بهذا الركن من أركان الإسلام.

غالبا ما يساء فهم مفهوم الزكاة في مجتمعنا، كل عام يمكننا أن نرى كيف يقوم بعض دافعي الزكاة بتوزيع المواد الغذائية والملابس ذات الجودة المتدنية على المعوزين الذين يقعون في الغالب ضحية التدافع لجمع تلك الزكاة.

لم يعد للزكاة تأثير واضح على حياة الأفراد وكيف تحارب الفقر بالفعل، والمبادرات لجمعها وتوزيعها بشكل صحيح قليلة وغير فعالة على نطاق واسع.

ناهيك على أنه في عصر النقود التي نتعامل بها والتي تتأثر كلها بسعر الفائدة وتخضع لعوامل متعددة، لم يعد واضحا إذا كان المقدار الذي يجب اخراجه بالعملة المحلية دقيقا.

في الكثير من الدول الإسلامية لا توجد أدوات رقابية للتأكد من أن المسلمون يخرجون بالفعل الزكاة، وهو للأسف ما يسمح للكثير منهم بالإمتناع عن اخراجها وادعاء أنهم فعلوا ذلك.

من جهة أخرى فرغم أن الدول الإسلامية تشهد أيضا قيام عامة الناس والأغنياء بدفع الضرائب إلا أن أثارها على المجتمع قليلة أو معدومة، حيث يتزايد الصراع الطبقي والفقر وهناك الفساد وأكل أموال اليتامى والمساكين من المسؤولين الفاسدين.

وتدفع المجتمعات المحلية التهاون في الزكاة وعدم اخراجها أو اخراجها بالطريقة الخاطئة أو من أموال حرام.

ذكرت الزكاة في القرآن الكريم 88 مرة ورأينا كيف عظمها الله من قبل في التوراة والإنجيل، أما في عصرنا حيث سعر الفائدة تتحكم في نقودنا فتأثيرها قليل أو معدوم على مجتمعاتنا.

إقرأ أيضا:

سعر الأرز في مقدمة عوامل تحديد قيمة زكاة الفطر

قصة الزكاة من عصر الأنبياء ثم الإسلام إلى عصر الربا وسعر الفائدة

هل يتسبب شهر رمضان في زيادة التضخم والغلاء أكثر؟

هل تختفي الولائم الرمضانية في عصر التضخم والغلاء المتزايد؟

ثورة تطوير تسعير التحويل ونظام الضرائب في السعودية

الفوترة الإلكترونية السعودية ونهاية الإقتصاد الأسود

اشترك في قناة مجلة أمناي على تيليجرام بالضغط هنا.

تابعنا على جوجل نيوز