
في تطور دراماتيكي يعيد إلى الأذهان استغلال القضية الفلسطينية لجمع الأموال، انفجرت فضيحة كبرى حول مؤسسة “وقف الأمة” التركية، التي يُتهم مسؤولوها من قيادات إخوانية في تركيا والأردن بالاستيلاء على مبالغ هائلة من التبرعات المخصصة لأهل غزة، تصل إلى نصف مليار دولار في حملة واحدة.
هذه الأزمة التي اندلعت في نوفمبر 2025، جاءت بعد بيان سابق لحركة حماس في يناير 2024 رفعت فيه الغطاء عن الجمعية، مما أثار حملة واسعة على وسائل التواصل تتهم شخصيات دينية بارزة مثل الشيخ محمد الحسن الددو بالتورط أو الدعم غير المباشر، خاصة مع مشاركته السابقة في حملات مشابهة ودعواته للتبرع عبر الوقف.
الفضيحة التي كشفها شاب محسوب على حماس يدعى خالد حسن، تحولت إلى اتهامات متبادلة بين حماس والإخوان، وسط تساؤلات حول مصير الأموال التي جمعت تحت شعارات “نصرة غزة” و”الأقصى”.
بيان حماس يرفع الغطاء عن وقف الأمة ويتهم بالسرقة
يعود أصل القضية إلى بيان صادر عن حركة حماس في 27 يناير 2024، أعلنت فيه رفع الغطاء تماماً عن مؤسسة “وقف الأمة” و”منبر الأقصى” و”كلنا مريم”، بالإضافة إلى شخصيات إخوانية مثل سعيد أبو العبد، يزيد نوفل، فؤاد الزبيدي، عبد الله سمير، خلدون حجازي، أحمد العمري، وزيد العيص.
اتهم البيان هذه الجهات بجمع التبرعات باسم غزة دون تحويل الأموال إلى مستحقيها، مما يُعتبر استغلالاً لمعاناة الفلسطينيين.
لم يحدد البيان الرقم الدقيق، لكن تقديرات لاحقة من نشطاء وباحثين مثل ماهر فرغلي قدرت المبلغ بنحو نصف مليار دولار في حملة واحدة، مع أكثر من 2000 حملة سابقة منذ تأسيس الوقف عام 2013.
اندلعت الأزمة الأخيرة بعد إعلان الوقف عن حملة جديدة “وفاء لغزة” في نوفمبر 2025، مع مؤتمرات في إسطنبول شارك في دعايتها إعلاميون من قناة الجزيرة وعلماء، قبل أن يلغى الحدث بسبب الفضيحة التي عادت للواجهة.
فساد وقف الأمة
بدأ الكشف العلني على يد شاب يدعى خالد حسن، قدم نفسه كعنصر من حماس، ونشر منشورات تتهم “وقف الأمة” بالفساد وسرقة تبرعات اليتامى والمحتاجين في غزة.
أثار ذلك ردود فعل، أبرزها من الباحث محمد مختار الشنقيطي الذي دافع عن الجمعية، مما دفع حماس للتدخل وإعادة التأكيد على بيانها السابق، معتبرة أن الإخوان في تركيا استولوا على الأموال دون وصولها إلى غزة.
هذه الرواية انتشرت في وسائل إعلام مثل “الخليج” و”النهار” و”سكاي نيوز عربية”، التي وصفتها بأكبر عملية نهب باسم الإغاثة.
تعد هذه الضربة لمؤسسة وقف الأمة لخدمة القدس التي تأسست في تركيا، والتي تعد من المؤسسات الإخوانية التي تعتبر نفسها في خدمة القدس وقد تلقت تمويلات كبرى منذ أكتوبر 2023 بسبب حرب غزة.
ورغم أنها من المؤسسات المعترف بها والمدعومة من أئمة وشيوخ مشهورين مثل طارق السويدان وأسماء وازنة أخرى إلا أن توجهاتها السياسية وسحب حماس للثقة منها يجعلها تواجه أزمة ثقة من الجمهور.
دور الشيخ محمد الحسن الددو
الشيخ محمد الحسن ولد الددو، العالم الموريتاني البارز ورئيس مركز تكوين العلماء، وجد نفسه في قلب الحملة بسبب دعمه السابق لـ”وقف الأمة”.
في منشورات قديمة من 2021 و2022، دعا الددو إلى التبرع عبر الوقف لدعم القدس والأقصى، معتبراً إياه وسيلة مشروعة لإخراج الزكاة ونصرة الفلسطينيين.
كما شارك في حملات سابقة مثل “إسعاف القدس”، وأشاد بدور الوقف في خدمة المسجد الأقصى.
في نوفمبر 2025، أعلن الددو انسحابه من مؤتمر الوقف الجديد قبل إعلانه، مع الشيخ علي القرة داغي والشيخ علي الصلابي، مؤكدين أن صورهم استُخدمت دون إذن.
رغم ذلك، أثار دعمه السابق حملة انتقادات على إكس، حيث اتهمه بعض النشطاء بالمشاركة في “عصابة النصف مليار”، مستشهدين بفتاواه السابقة حول جواز صرف الزكاة لدعم القنوات الفضائية أو الحقوق، معتبرين أن ذلك يبرر تحويل الأموال إلى أغراض إخوانية.
إعلاميو الجزيرة وعلماء في الواجهة
أطلقت “وقف الأمة” حملتها الجديدة بتسويق هائل، شمل مؤتمرات في تركيا وإعلانات على الفضائيات والإنترنت، مع مشاركة إعلاميين من قناة الجزيرة ودعاة معروفين.
جمعت الوقف منذ 2013 ملايين الدولارات عبر آلاف الحملات، لكن بيان حماس أكد أن الأموال لم تصل إلى غزة، مما يعزز اتهامات الاستغلال التاريخي للقضية الفلسطينية من قبل الإخوان.
مع انتشار الفضيحة في نوفمبر 2025، انقسم الرأي العام بين مؤيد لحماس يرى في الوقف سرقة منظمة، ومدافع عن الجمعية يعتبر الاتهامات ملفقة لتشويه الدعم الفلسطيني.
الشيخ الددو، رغم انسحابه، يواجه حملة بسبب دعمه السابق، مع منشورات على إكس تسخر من فتاواه حول الزكاة.
هذه الفضيحة تسلط الضوء على مخاطر جمع التبرعات دون شفافية، وتكشف خلافات عميقة بين حماس والتنظيم الدولي للإخوان، مما يهدد ثقة المتبرعين في الحملات الإسلامية، ويضع شخصيات مثل الددو تحت مجهر الاتهامات رغم نفيهم المتكرر.
