
هل تذكر ذا لاين في نيوم؟ ذاك المشروع الخيالي لمدينة طولها 170 كيلومتراً من المباني المرآة في قلب الصحراء؟ نعم، حسنًا… لقد وضعوه في الثلاجة مؤقتاً.
من خلال متابعتنا لأحدث التقارير الرسمية يبدو أن السعودية تجري أحد أكبر التحولات الاستراتيجية في تاريخ رؤية 2030: تكبح بعض أجزاء مشروع نيوم الذي يكلف 500 مليار دولار، وتُلقي بمليارات – وربما مئات المليارات – في مجال آخر تماماً ألا وهو الذكاء الإصطناعي.
مشروع “ذا لاين” لم يُلغَ رسمياً
المقال نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” بعنوان «نهاية ذا لاين: كيف انهار حلم نيوم السعودي» ليس إلا عنوان تضخيمي وهو أمر طبيعي في عالم الصحافة القائم على التضخيم لجلب القراءات والمشاهدات.
صحيح أن عقود البناء توقفت، العمال أُعيد توطينهم، والحجم تقلص بشكل دراماتيكي من 170 كم إلى بضع كيلومترات فقط في المرحلة الأولى.
كما أن وزير المالية محمد الجدعان صرح علناً بأن المملكة ستتخلى عن أي مشروع “لم يعد له جدوى اقتصادية”، في إشارة واضحة إلى إعادة ترتيب الأولويات.
والأسباب واضحة وهي انخفاض أسعار النفط، ضغوط الميزانية، والحاجة الملحة لتنويع الاقتصاد بعيداً عن البترول قبل أن ينفد “عصر الذهب الأسود”، لكن مشروع نيوم لم يمت فقط لم يعد الأولوية رقم 1.
مشروع HUMAIN
الرمح الجديد لهذا التحول هو كيان جديد أُطلق في مايو 2025 يُدعى HUMAIN، مدعوماً بالكامل من صندوق الاستثمارات العامة (PIF) الذي يديره ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
هذا ليس مجرد صندوق استثماري إنه “ترسانة حرب” بقيمة 10 مليارات دولار مخصصة للذكاء الاصطناعي حول العالم.
إطلاق صندوق رأس مال مغامر بـ10 مليارات دولار يستهدف شركات ناشئة في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، في مجالات البنية التحتية، البرمجيات، تصميم الشرائح، والنماذج الذكية.
ثم جاءت صفقات بقيمة 23 مليار دولار مع أكبر الأسماء: Nvidia، AMD، AWS، أمازون، Qualcomm، Oracle، Equinix… القائمة تطول.
من الواضح ان القيادة السعودية تتابع بشكل كبير مجال الذكاء الإصطناعي الذي سيغير العالم والذي يعد أكثر فاعلية اليوم من العملات المشفرة والميتافيرس والويب 3.0
وتريد السعودية أن تكون ضمن القوى العشرة الأكبر في العالم من خلال توظيف أموالها للحصول على الشركات الناشئة وتطوير البنية التحتية لهذا المجال والمساهمة في العالم الرقمي الجديد.
بناء “محرك الذكاء الاصطناعي”
الأمر لا يقتصر على رمي الأموال على الشركات الناشئة، السعودية تبني البنية التحتية الفعلية للذكاء الاصطناعي:
والهدف هو الوصول إلى 6.6 جيجاواط من قدرة مراكز بيانات مخصصة للذكاء الاصطناعي بحلول 2030 (بناء جيجاواط واحد يكلف حوالي 50 مليار دولار!).
البداية من موقع أولي بقدرة 50 ميجاواط مزود بـ18,000 وحدة معالجة رسومية من Nvidia، وقدراتهم الحالية مباعة بالكامل.
وتملك السعودية ميزة تنافسية هائلة وهي طاقة رخيصة نسبياً (نفط + طاقة متجددة)، بينما الطاقة مكلفة في أوروبا والعالم الغربي وحتى الصين وجنوب شرق آسيا.
إضافة إلى الحصول على مليون وحدة TPU من الجيل السابع “Ironwood” من جوجل، بقدرة 42.5 إكسافلوبس.
كما أن السعودية تبني نموذج لغة كبير عربي يُدعى ALLAM لتكون مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي باللغة العربية، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA) تعمل على وضع إطار أخلاقي وقانوني للتقنية.
هل ستنجح السعودية في مشروع الذكاء الإصطناعي؟
السعودية لها تاريخ في إعلان مشاريع طموحة لا تكتمل دائماً كما خُطط، لكن رهان الذكاء الإصطناعي مختلف: أكثر تركيزاً، يستفيد من ميزة حقيقية (الطاقة الرخيصة)، يتوافق مع روح العصر التقني، ويحظى بدعم كامل من القمة كجزء أساسي من رؤية 2030.
يتوقعون أن يضيف الذكاء الإصطناعي 135 مليار دولار للإقتصاد بحلول 2030 وهو رقم يبرر تماماً تأجيل مدينة ذا لاين في الصحراء.
السعودية تراهن مستقبل المملكة ليس على مدن مستقبلية، بل على البنية التحتية الخفية للذكاء، رهان جريء جداً، لكن في 2025 ربما يكون الرهان ضد الذكاء الاصطناعي هو الخطر الأكبر.
وبشكل عام جهود السعودية للإستثمار في هذا المجال والحصول على الرقائق الإلكترونية المتطورة من أمريكا يجعلها في وضع متقدم مقارنة مع دول إقليمية مثل تركيا وإيران ومصر.
